الكهرباء قربان دائم على مذبح الفساد

 

شبكة النبأ: مع اشتداد الحر تشتد ازمة الكهرباء ويشتد معها الغضب الشعبي خصوصا ان الازمة تزداد ضراوة مع تزامنها لشهر رمضان، لذلك يبحث السياسيون الغارقون في جدالهم الخاص واجندتهم الخاصة عن حلول سريعة لامتصاص الغضب الشعبي واخماد فورة الانتقادات وليس هناك افضل من تقديم ضحايا وقرابين على مذبح الفساد وان كانت بانتقائية لاتخلو من تساؤلات.

فقد قالت مصادر مطلعة ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أمر باقالة وزير الكهرباء بسبب عقود تصل قيمتها الى 1,7 مليار دولار كانت الوزارة قد وقعتها مع شركتين أجنبيتين وقالت الحكومة انه شابها فساد.

وقال مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء طلب عدم ذكر اسمه "رئيس الحكومة قد أمر باقالة وزير الكهرباء." بحسب رويترز.

وأضاف "دستوريا فان الاقالة لن تدخل حيز التنفيذ ما لم يصوت عليها من قبل البرلمان."

وقال المصدر ان اقالة الوزير رعد شلال جاءت بعد انكشاف أمر اجراءات عقدين أبرمتهما وزارة الكهرباء في يوليو تموز الماضي مع شركتين أجنبيتين تبين فيما بعد أنهما ينطويان على "فساد اداري".

ويأتي هذا التطور الذي أعلن عنه في وقت متأخر من مساء السبت في وقت يسعى فيه العراق الى استمالة الشركات الاجنبية العالمية للمساعدة في اعادة اعمار اقتصاده وبناه التحتية المتهالكة بسبب سنوات من العقوبات الدولية والحرب.

ويعاني العراق حاليا من ترد كبير في شبكة الكهرباء حيث ينقطع التيار بشكل متكرر ولفترات تصل الى ساعات طويلة في اليوم في وقت تبلغ فيه درجات الحرارة أكثر من خمسين درجة مئوية.

ومن شأن هذا التطور أن يعقد مسعى الحكومة العراقية لايجاد حلول سريعة لمشكلة الكهرباء التي تعاني منها البلاد منذ سنوات طويلة.

كانت تظاهرات عدة قد شهدتها مدن عراقية في الفترة الماضية احتجاجا على تردي مستوى الخدمات ولاسيما الكهرباء. وطالب المتظاهرون بمعاقبة ومحاسبة المتسببين والمقصرين.

كان المفتش العام لوزارة الكهرباء قد أصدر مساء السبت بيانا ذكر فيه وجود "تلاعب وتضليل" في عقدين وقعتهما وزارة الكهرباء لتجهيز وحدات توليد بداية شهر يوليو مع شركتين أجنبيتين مما دفع بمكتب المفتش العام الى الاعلان عن الغاء العقدين اللذين قال البيان ان قيمتهما تصل الى 1,7 مليار دولار.

ودائرة المفتش العام كيان رسمي يعمل في كل مؤسسة حكومية عراقية مهمته الاشراف على عمل المؤسسة وكشف مواطن الخلل والفساد. وترتبط دائرة المفتش العام برئيس الوزراء مباشرة.

وقال البيان "كشفت تحرياتنا التي تمت من خلال مؤسسات استشارية عالمية متخصصة (وجود) تلاعب وتضليل في المعلومات والوثائق التي قدمتها الشركتان تتعلق بوضعهما القانوني وامكانياتها المالية وكفاءتهما الفنية."

وأضاف "وتمت اجراءات التحري وتدقيق العقدين بمعرفة واطلاع وزير (الكهرباء) الذي وجه بايقافهما فورا بعد ابلاغه بنتائج التحري."

وقال حسن السنيد عضو البرلمان والقيادي في حزب الدعوة الذي يترأسه المالكي ان رئيس الحكومة امر باقالة شلال "وفتح تحقيق لمعرفة ملابسات الموضوع على خلفية التعاقد مع الشركتين الاجنبيتين."

وبحسب الدستور العراقي فان اقالة أي وزير لا تصبح نافذة الا بعد تصويت البرلمان عليها. وفي حالة قبولها فانها تدخل حيز التنفيذ والا فان الاستقالة تعتبر غير نافذة.

وينتمي شلال الى القائمة العراقية التي يرأسها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي والتي تربطها علاقات متوترة وخلافات عميقة مع قائمة رئيس الحكومة.

وتتهم العراقية التي حلت في المرتبة الاولى بالانتخابات البرلمانية المالكي بعدم التزامه باتفاق يقضي باجراء شراكة في الحكم وهي اتهامات ترفضها كتلة المالكي دولة القانون التي جاءت في المركز الثاني بالانتخابات والتي تقول ان العراقية تحاول التلاعب بما جرى الاتفاق عليه.

وقال مصعب المدرس الناطق باسم وزارة الكهرباء ان العقدين يعودان الى شركة كابيجنت الكندية وام.بي.اتش الالمانية.

ولم يتضح ما اذا كان من المفترض ان يوافق البرلمان على اقالة العاني الذي ينتمي الى القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي، الخصم السياسي الابرز للمالكي، اذ اكد مصدر برلماني لفرانس برس ان "الوزير سبق ان تقدم باستقالته قبل فترة، الا ان المالكي لم يكن قد وقعها بعد". بحسب الـ فرانس برس.

ويتولى نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني مسؤولية متابعة اعمال وزارات الطاقة.

واكد مدير دائرة الاعلام في مكتبه فيصل عبد الله لفرانس برس ان "الشهرستاني امر بايقاف التعاقد مع الشركتين المعنيتين لشراء محطات توليد الطاقة الكهربائية سريعة النصب".

واشار الى "مطالبة الشهرستاني خلال اجتماع عقد في شهر حزيران/يونيو الماضي وزارة الكهرباء بالتعاقد مع شركات المنشأ والابتعاد عن التعاقد مع الشركات الفرعية".

وفي وقت لاحق، طالب الشهرستاني وزارة الكهرباء باقامة دعوى قضائية ضد الشركتين المعنيتين لتقديمهما معلومات مضللة بقصد الاحتيال، وفقا للمصدر ذاته.

وتابع "تبين بعدها ان وزارة الكهرباء تعاقدت مع هاتين الشركتين دون التاكد من خلفيتيهما".

وفي السادس من تموز/يوليو، اعلن متحدث باسم وزارة الكهرباء توقيع عقد مع شركة المانية تدعى "ام بي اج" بقيمة 625 مليون دولار لبناء خمس محطات للطاقة الكهربائية تنجز خلال 12 شهرا.

وجاء ذلك بعد اربعة ايام من الاعلان عن ابرام وزارة الكهرباء عقدا مع شركة كندية تدعى "كب جينت" لبناء عشر محطات كهربائية سريعة التشييد بطاقة الف ميغاواط وبقيمة 1,66 مليار دولار في مسعى لسد نقص الطاقة في البلاد.

من جهة أخرى أعلنت وزارة الكهرباء أنها قررت مفاتحة مجلس الوزراء بشأن عقد كان قد أبرم في مايو أيار مع اس.تي.اكس الكورية الجنوبية للصناعات الثقيلة بسبب عد التزام الشركة بأحد بنود العقد.

وتبلغ قيمة العقد 2,76 مليار دولار وهو أيضا ضمن عقود الدفع الاجل التي ابرمتها وزارة الكهرباء في الفترة الماضية مع عدد من الشركات الاجنبية.

وينص العقد على قيام الشركة ببناء 25 محطة كهرباء بطاقة انتاج كلية تبلغ 2500 ميجاوات.

وقال المدرس ان من ضمن شروط التعاقد مع الشركات الاجنبية أن تقوم الشركة الاجنبية بايجاد طرف ثالث ضامن خلال فترة ثلاثة أشهر من تاريخ توقيع العقد.

وقال "العقد وضعناه أمام أنظار مجلس الوزراء وهو الذي سيقرر مصير العقد."

لكن متحدثا باسم الشركة الكورية قال "لا شيء رسميا تم اتخاذه حتى الان."

ويحتاج العراق الى ما لا يقل عن 14 الف ميغاواط لتلبية الطلب المرتفع على الطاقة، في حين ان ما لديه حاليا لا يتجاوز سبعة الاف ميغاواط.

وغالبا ما يشهد العراق تظاهرات غاضبة احتجاجا على النقص في الكهرباء في عدد من مدن الجنوب خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة احيانا الى اكثر من خمسين درجة في بغداد وحوالى ستين في الناصرية والبصرة.

وتاتي اقالة العاني بعد نحو عام من استقالة نظيره السابق كريم وحيد الذي دفعته التظاهرات الى تقديم استقالته في 21 حزيران/يونيو 2010.

ومنذ سنوات، يعاني قطاع الكهرباء في العراق عموما من نقص في انتاج الطاقة جراء ما تعرضت له المحطات وشبكات النقل من اضرار كبيرة عند اجتياح البلاد العام 2003، وما اعقب ذلك من اعمال تخريب.

ويعتمد العراقيون على مولدات الطاقة لمعالجة النقص المستمر الذي يصل الى حوالى 18 ساعة في اليوم.

ويذكر ان العراق يعاني من فساد حكومي مستشر، وقد صنفت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها السنوي للعام 2010 العراق كرابع اكثر دولة فسادا في العالم.

وفي حزيران/يونيو، اعلنت هيئة النزاهة الحكومية ان 479 شخصا ادينوا بالفساد خلال الاشهر الخمسة الاولى من العام الحالي، وانها ضبطت 49 مليون دولار في قضايا فساد تمكنت من استعادة 218 الف دولار منها فقط.

قال رئيس هيئة النزاهة في العراق القاضي رحيم العكيلي في شباط/فبراير لفرانس برس ان الوزراء العراقيين يفضلون التغطية على الفساد في وزارتهم على مكافحته، مؤكدا في الوقت نفسه ان الفساد هو احد الابواب المهمة لتمويل الارهاب، في بلاد لا تزال تشهد اعمال عنف شبه يومية منذ سقوط النظام السابق عام 2003.

وكيل المرجع السيستاني يوجه انتقادات لاذعة

من جهته وجه السيد احمد الصافي ممثل المرجع السيد علي السيستاني في كربلاء انتقادات لاذعة للمسؤولين العراقيين "لعدم مبالاتهم" خصوصا في ايجاد حل لمشكلة الكهرباء، واعتماد "الكذب " في الظروف الصعبة.

وقال الصافي امام مئات المصلين في صحن الامام الحسين في مدينة كربلاء (120 كلم جنوب بغداد) ان "بعض المسؤولين نائمين بمعنى الكلمة وكيانات سياسية لها شعارات فقط".

وتساءل "لماذا لاتؤجل المشاريع غير المهمة في الوزارات الاخرى وتحول اموالها لحل مشكلة الكهرباء؟". بحسب الـ فرانس برس.

وخاطب المسؤولين الحكوميين قائلا "اين انتم من هذه المشكلة؟ كم عقد وعقد وكم ايفاد وايفاد ومازالت مشكلة الكهرباء" بدون حل.

ولا تحصل مدن العراق بشكل عام على الكهرباء لاكثر من ثماني ساعات على الرغم من موجه الحرارة التي تصل الي خمسين درجة منذ عدة ايام.

واكد الصافي ان "شعور المسؤول بمحبته لبلده وشعبه يجعله يفكر بوسائل تخدم بلده ويتراجع عن مكاسبه الشخصية. كم مرة تكلمنا عن المكاسب الشخصية ولكن بدون أي رد فعل من المسؤولين؟".

وشدد على ان "بعض المسؤولين يبررون الكذب على الشعب بقولهم +نحن في وقت حرج ولابد من الكذب على الناس+"، محذرا من انه "عندما تختفي الوطنية من المسؤول ممكن أن يشترى بالمال في الخارج" في اشارة لبحث المسؤولين عن مصالحهم مع دول اخرى.

كما اشار الى قيام مسؤولين بانفاق الاموال في امور بينها تغيير اثاث مكاتبهم عدة مرات في السنة دون حاجة لذلك رغم قضاء اوقاتهم خارج البلاد في سفرات وايفادات، ما يكلف ملايين الدولارت ويعكس ثقافة بان "الاهم راحة المسؤول" ولتذهب اموال البلاد حيث ما تذهب.

وعلى الرغم من ان العراق من الدول الغنية بالنفط يعيش ابناؤه ظروفا قاسية ابرزها البطالة ونقص الخدمات وابرزها الكهرباء.

ويبلغ راتب النائب في البرلمان العراقي حوالى 13 مليون دينار (11 الف دولار)، يضاف اليه 22,5 مليون (حوالى 20 الف دولار) مخصصة لثلاثين حارسا شخصيا لا يعين سوى خمسة منهم عمليا .

وكانت الحكومة العراقية اعدت مشروع قانون لخفض رواتب المسؤولين منذ اكثر من ستة اشهر لكن البرلمان العراقي تركه في ادراجه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/آب/2011 - 8/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م