سألوني الناس عنك سألوني..
كتبوا المكاتيب وأخذها الهوا
هذا حال العراق، يحكون عن مبادرات لحلحلة الأزمة الراهنة والمتصلة
بأزمات سبقتها، ولعلهم ينجحون.
مايحدث في هذا البلد يمكن توصيفه على النحو التالي: حلبة ملاكمة،
وهناك إثنان من الملاكمين يضعان قفازات لتخفيف تأثير اللكمات على وجهي
بعضهما، وحتى تلك التي توجه الى منطقة تحت الحزام. لكنهما لايضعان
واقيا لحماية الأسنان من اللكمات العنيفة، وربما يستهوي الحكم والجمهور
والممولين أن يروا الملاكمين يعانيان من تشوهات في الشفتين، أو تكسّر
بعض أسنانهما، ثم لايجيدان الكلام بشكل طبيعي.
في العراق الذي يروق للدكتاتور السابق أن يسميه( العظيم ) كما يروق
للممثل الكويتي الشهير عبد الحسين عبد الرضا أن يسميه بذات الاسم
الرباني، يدخل الجميع حلبة الملاكمة، ويضرب بعضهم وجوه بعض، ويتناوشون
بالأيدي ويتدافعون، وقد يضربون تحت الحزام في غفلة من الحكم !.
كل هذا يحدث، بينما يأتي احدهم متوسلا وقف النزال، وهو يرى
الملاكمين يوجهان لكمات قاسية، والدم يسيل من حاجب أحدهما الأيمن،
بينما الثاني شق حاجبه الأيسر، وسارع المعالج إليه ليخيطه بسرعة!
يضحك منه الحكم، ويسخر منظمو النزال، ويهيج الجمهور ويوجه له
الشتائم المقذعة. الحكم يعلم مسبقا أن النزال فيه مافيه من الفائدة له،
وعلى الأقل هو يمارس هواية التحكيم التي تحولت الى حرفة تدر عليه
الأرباح.
ومنظمو النزال من كبار رجال مافيا السباقات يسخرون لانهم يحصلون على
أرباح خيالية، بينما الجمهور يبحث عن المتعة وتضييع الوقت وإهدار
النقود، وهذه هي سنة الحياة!.
الصدمة التي أصابت هذا الأحدهم كانت من الملاكمين اللذين يضربان
بقوة، أحدهما يصرخ بوجهه: أسكت ودعنا نكمل النزال فقد حصلنا على مقابل
من المنظمين يغنينا عن ترهاتك. والثاني يشفق عليه رغم أنه بحاجة الى من
يشفق على الدماء التي تسيل من حاجبه الأيمن، ويناديه: غادر المكان
بسرعة، حذار ان تأتيك لكمة في الوجه.
المبادرات التي تطرح لحلحلة الأمور غير ذات جدوى، يعود السبب الى
طبيعة الصراع، فالقوى السياسية تعتاش على الخلاف، وتنهج منهج التصعيد
مع كل أزمة لتحافظ على الدفق العاطفي الذي تؤججه من حين لآخر في نفوس
مواطنيها، والانصار المتحمسين للنزول الى الشوارع الخالية إلا من بعض
القطط الجائعة.
نزال الملاكمة العراقي الذي إمتد لثمان جولات سابقة مرشح ان يمتد
لإثنتي عشرة جولة صعبة وقاسية، وهي تحتاج لجهد مضاعف من المتبارين
الذين ليس لهم سوى ان يكافحوا اكثر ليحصلوا من المنظمين على المقابل
المادي.
هم راضون تماما فبدون هذا النزال لايكون لهم من وجود ولاحاجة لأحد
من المنظمين الكبار بهم، وما عليهم سوى أن يضربوا ويضربوا الى ماشاء
الآخرون لهم..
وهذا مثل العراق في العالمين، أناس تتصارع من أجل لا شيء، ومن أجل
شيء، ومن أجل شيء، ولا شيء..
لله درك ياوطني.. يتعارك سياسيوك ويتسابوا ويتآمروا على بعض ويوجهون
خطاباتهم الى الخارج، وينسون شعبهم، ولايؤدون دورهم في بنائه
ولايلتفتون الى خساراته بل يزيدون منها ماإستطاعوا الى ذلك سبيلا.
هم ليسوا منك، ولو كانوا كذلك لما تركوا أهليهم في الخارج، وانشغلوا
بتأمين مصالحهم وحاجاتهم بينما الجياع ينتظرون، والمرضى يتأوهون كتلكم
الطفلتين التوأمين رواسي وهاجر اللتين تعرض منزل أهلهما الى القصف
الأمريكي وأصيبتا جراءه بقروح وجروح وتشوهات وشلل.. هل يستطيع
السياسيون العراقيون تأجيل صراعاتهم الى حين علاج الطفلتين.. لا أظن
ذلك فمعظم السياسيين يرون في هاجر ورواسي مجرد حشرتين... !
hadeejalu@yahoo.com |