الأخلاق الإسلامية وسبل الارتقاء بالأمة

رؤى من فكر الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ونحن نعيش أيام شهر رمضان المبارك، لابد أن نستذكر السبل الراقية التي تمت من خلالها ادارة الدولة الاسلامية في صدر الرسالة، فقد كانت تلك المرحلة (صدر الرسالة) من اكثر مراحل الاسلام إشراقا، حيث بُنيت ركائز الدولة الحديثة، وكان للاخلاق دور الريادة في إدارة شؤون هذه الدولة الكبيرة، فالاخلاق الاسلامية كانت مصدر الالهام لقادة المسلمين وهم يديرون شؤون البلاد من أدناها الى أقصاها.

إن قضية تدهور الحكومات الاسلامية، تثير إشكالية واضحة في المشهد الراهن، حيث التخلف والجهل والتردي السياسي وغيره، ينتشر في عموم مفاصل الدول الاسلامية، والسبب دائما جهل الساسة بالجذور الاخلاقية، وعدم اعتمادهم كبح الاهواء الذاتية، وتفضيل رغائب النفس على غيرها، مما أدى الى تخلف واضح في هذه الدول.

في هذا المجال، يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الثمين الموسوم بـ ( الاخلاق الاسلامية): (قد يملك الإنسان العجب حينما يرى البون شاسعاً بين القيادة المحمدية - صلى الله عليه وآله وسلم- في الأخلاق، وبين المستوى الذي انحط إليه خلق المسلمين في العصر الحاضر، وليس هذا ـ لدى التدقيق ـ إلاّ من خطوط الاستعــمار العريضة الذي سلب المسلمين كل شيء من مبدأ ودين، وفضيلة وأخلاق).

وهكذا كان دور الاستعمار واضحا بوضع العصي في عجلات التقدم الاسلامي، وكانت أساليبه كثيرة وبالغة الخبث، ومنها إشغال وإلهاء الشباب بما لا يتيح لهم فرصة العمل الجاد، من اجل تطوير المجتمع الاسلامي، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه: لقد ابعد الاستعمار (المسافة بين الشبيبة وبين الكتاب والسنّة، حتى لا يقوم لهم عماد، ولا يتقدم أحدهم بطلب دية القتيل الذي تقطر براثنه الوحشية من دمائه، القتيل الذي كان عزهم ورفعتهم، ودنياهم وآخرتهم، واستقلالهم وسيادتهم).

إن ستراتيجية الغرب القائمة على الغزو الثقافي، بلغت أوجها في نهايات القرن المنصرم، وقد بات واضحا أن الاهداف الغربية تتركز في محو الهوية الاسلامية، ولذلك حتى مبادئ الاسلام نفسها، أخذها الغرب ووظفها لصالحه، وقد اوهم الشباب بأنها مبادئ وأخلاق غربية، بينما الصحيح أن جذورها اسلامية مئة بالمئة.

فقد قال الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (من المدهش حقاً: أن يتهافت شباب المسلمين على فتات من موائد الغرب أو الشرق، زاعمين أنه غذاء الروح وحده، فإذا ظهر كتاب - كيف تكسب الأصدقاء- هرعوا إليه، من غير علم بأن ما فيه ليس إلا جزءاً من ألف جزء من رصيدهم الثقافي الأخلاقي الضخم، الذي نثره بين أيديهم كتابهم وشريعتهم من قبل أربعة عشر قرناً، ثم لا يبالون بأن ينسبوا الرجعية والجمود إلى شريعتهم، ويدّعون خلوّها عن الفضائل!!).

لقد كان الاسلام ولا يزال من أغنى الشرائع السماوية، وأكثرها قربا من جوهر الانسان، لذلك أن يعترف الجميع من باب الانصاف، بما قدمه الاسلام للبشرية في هذا المجال، حيث يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إن من يُنصف لابد له أن يعترف بأن الإسلام أغنى شرائع السماء، وقوانين الأرض، وكلمات الحكماء، وآداب الكتاب، وقصائد الشعراء.. من جهة شمولها على كنوز الفضيلة الممتعة، ومعادن الأخلاق الغنية، بل لو أنك جمعت كل الحكم والقصائد المنثورة والمنظومة مما ورثها الأنبياء والفلاسفة و... لوجدت الإسلام أغناها جميعاً).

ولذلك يربط الاسلام دائما بين الفضيلة والفعل، ويرفض الفصل بين القول والفعل، بل لابد أن تدعم الاقول بالافعال، كما يقول الامام في هذا الصدد: (من لا فضيلة له، لا دين له، وإن صلى وصام وزكى وحج.. ومن لا دين له، لا فضيلة له، وإن جاد وأعطى، وواسى ووفى).

ويضيف الامام الشيرازي قائلا: (إن مجرد العلم بالأخلاق دون الاتصاف بها غير مجدٍ ومثالها مثال الجسد بلا روح. وكذا لا يجدي العلم بمحاسن الصفات، ومساوئ الملكات، وإن برع العالم بها وقدر على ترصيفها ووصفها، وتقسيمها وجمعها).

ولهذا لابد أن يكون التركيز قويا على تدعيم الجانب الاخلاقي لدى الانسان، لانه يمثل حجر الزاوية في تحصينه من الزلل والسقوط تحت سطوة مآرب النفس الخبيثة، لذلك على الانسان أن يجهد نفسه في إثراء الذات أخلاقيا، لأن الاخلاق الاسلامية لها دورها الفاعل في تحسين الفرد والمجتمع والحياة عموما، لهذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال بكتابه نفسه:

(من الجدير بالذكر أن الإنسان مهما تعب لتحصيل الفضيلة، وإزالة الرذيلة، لم يكن عمله عبثاً أو قليل الفائدة ـ كما يزعم البعض ـ إذ مدار الرقي، والذكر الحسن.. ليس إلا الفضيلة فحسب. أما سائر الأشياء كالشرف الرفيع، والجاه العريض، والمال الغزير، بل: والعلم الواسع فلا تعد شيئاً يذكر، ما دام الشخص خالٍ عن حلية الأخلاق الحسنة وإن احتاج إليه الناس).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 8/آب/2011 - 7/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م