فلسفة العقاب... اعدام سلطان هاشم!

مهند حبيب السماوي

لان السياسة في العراق هي صناعة أزمة وليس صناع حياة، خلق مشكلات وليس إيجاد حلول أثارة للغبار وليس تنقية للأجواء... لذلك نسمع بين الحين والآخر تصريح هنا أو تصريح هناك لسياسي عراقي حول قضية ما تشتعل أثرها حرباً من ردود الأفعال حول ما قاله هذا السياسي وبالتالي تنشغل تلك الكتل البرلمانية عن القضايا والتشريعات القانونية التي تهم المواطن بقضايا ومشكلات وهمية تستطيع تلك الكتل تجاوزها والتسامي عن تفاهاتها.

وآخر هذه القضايا المثارة بين الكتل السياسية تلك المتعلقة بإعدام رمزين من رموز النظام السابق وهما سلطان هاشم وحسين رشيد ، خصوصا بعد تسليمهم مع الكثير من كبار رموز النظام السابق الى السلطات العراقية في الفترة الأخيرة.

قبل ان نطرح اسئلتنا المتعلقة باعدام سلطان هاشم ومايمكن ان تثير من موضوعات لابأس لنا ان نعرج على ماكتبه أستاذ الفلسفة في جامعة كانتاكي في غرب الولايات المتحدة الأمريكية مايكل أوستن في مقالته المنشورة قبل عدة ايام بعنوان " الغرض من العقاب" والتي تساءل فيها عن السبب الذي يجعلنا نعاقب الناس بصورة قانونية؟

يجيب اوستن على هذا السؤال بالقول... هنالك عدة أجوبة ممكنة جميعها تخضع للمناقشة. ويذكر ثلاثة اسباب لقانونية العقاب وهي:

السبب الاول : بعض الناس يُفضل العقاب كشكل من اشكال الردع ذلك لاني اذا رايت شخصا اخر من المجتمع يعاقب بالسجن بسبب قيامه ببعض السلوكيات غير القانونية ، فاني سافكر اكثر من مرة حول القيام بنفس الامر لانني ببساطة لا اريد ان تنتهي حياتي في السجن.

السبب الثاني: البعض يعتقد بان العقاب مُبرر كتعبير عن الإدانة لهذه السلوك، فنحن كمجتمع نعاقب المجرم كطريقة للقول، وبأسلوب حاد ، نحن أخلاقيا نستنكر ونرفض هذا الفعل.

السبب الثالث الذي يقدم للدفاع عن العقاب يرتبط بقوة بالثاني وهو صيغة من صيغ التربية الأخلاقية، فالمخالف للقانون يعاقب لكي يتعلم بان ما قام به أمر خطأ ولهذا يجب أن يضع ذلك في اعتباره وحياته في المستقبل.

بعض الناس، في راي اوستن، يدافعون عن إلغاء نظام العقوبة القانونية لمصلحة نظام التعويض، الذي هو نموذج جديد في مفهوم العدالة كما يقول الأستاذ في مدرسة هارفرد للقانون راندي بارنيت بعد الأزمة التي أصابت النمط القديم من العقاب على حد تعبير ثوماس خان، والفكرة هذه ستكون بدلا من وضع السارق في السجن لمدة عشر سنوات فانه يجب أن يُجبر قانونيا لدفع تعويض لضحيته.      

هنالك الكثير من الاعتراضات حول التفسيرات أعلاه والتبريرات التي تأتي معا، لكن الغرض من العقاب يبقى، من وجهة نظر أوستن، أن مرتكب الجريمة يستحق أن يعاقب على ما ارتكبه، حيث في هذه الرؤية نأمل بان المجرمين سوف يتعلمون درسا أو يتلقون رسالة استنكار أخلاقي أو عقاب ما تمنع آخرين من ارتكاب نفس الجريمة. كما ان مقتضيات العدالة تستوجب العقاب ذلك أن مرتكب الجريمة يستحق ماسوف يحصل له ، بمعنى ما، بسب جريمته التي ارتكبها.

هذا يثير عدة أسئلة عميقة... كيف نفسر معيار العدالة هذا؟ هل هي موجودة كجزء من المجتمع الإنساني او أنها أساسها في شيء متعالي؟ ما هو الدور الذي يلعبه التسامح في هذا الامر؟

هذه اسئلة مهمة يطرحها أوستن في سياق الحضارة الأوربية والإطار الاجتماعي الذي يعيش فيه اما نحن فيمكن ان نطرح أسئلة أخرى بينما نحن نقرا الجدل المستعر حول قضية اعدام ومعاقبة اركان النظام السابق.

كيف نحاسب الرجل العسكري في زمن الحروب اذا كانوا يتلقون اوامر من قيادات سياسية دكتاتورية؟

هل يتحمل العسكريون العقاب مهما كانت درجته على افعالهم ام انهم رجال استلموا اوامر ونفذوها وبالتالي يتم ابعادهم عن المسؤولية؟

اذن...هل يستحق سلطان ورشيد الإعدام عما قاما به؟

هل يمكن ان تخلو محاكمتهم من دوافع سياسية اثرت على الحكم عليهما؟

وهل فعلا في اعدام سلطان ورشيد استيفاء لحقوق الضحايا؟

وهل يريد الان ضحية من ضحايا النظام السابق اعدام سلطان ورشيد ام يحتاج توفير حياة كريمة وتعويضه عما حل به على يد النظام الصدامي الارعن؟

الم تعود الكثير من الشخصيات والرجال الى مناصب عليا في الحكومة بينما كانوا هم جلادين لعين هؤلاء الضحايا الذي نحاول ارجاع الحق لهم؟

هل يكون الاعدام عقوبة نهائية ومطلقة لمثل سلطان ورشيد ام انها تخضع لشروط وقيود تحكم الظرف والوضع العراقي الخاص؟

هل التسامح مفيد في هذه الحالة ويخدم المصالحة الوطنية في العراق؟

الم يصبح صالح المطلك الذي تم استبعاده بشكل نهائي عن الحلبة السياسية قبل الانتخابات، نائب لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي بمقتضى شروط ومحددات الاتفاقيات السياسية التي تخص الوضع العراقي الخاص؟

اسئلة كثيرة يمكن ان نطرحها في هذا الصدد نثيرها بطريقة علمية وفلسفية هنا من اجل تسليط الضوء على هذه القضية التي اثيرت في الاوساط السياسية مؤخرا بشكل صرف النظر عن المشكلات الحقيقية التي تجتاح العراق والعملية السياسية الشائكة فيه.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/آب/2011 - 2/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م