الأمن الوطني العراقي

بين خيار اعتماد البحوث وبين العمل العشوائي

رياض هاني بهار

أصبحت لمراكز الدراسات والبحوث دور ريادي في قيادة العالم وعدت هذه المراكز أداة لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة، كما أصبحت مصدراً مهماً يُعتمد عليها في توفير المعلومات المطلوبة لاتخاذ القرارات من قبل السلطات العليا.   

ويتوجب على الدولة الطامحة لأمن وطني رصين أن تحرص على استثمار مراكز الدراسات والبحوث، كأحد الوسائل والأدوات التي تستطيع من خلالها إبلاغ القيادة السياسية في الوقت المناسب بالأحداث المؤثرة على الأمن الوطني، واستشعار الخطر ورصد وتشخيص أوضاعها، وتحليلها وتحديد انعكاساتها، واقتراح الحلول والبدائل، وتوفير البيئة الملائمة للباحثين والدارسين والمفكرين والمحلليين السياسيين والاستراتيجيين وصناع القرار من الالتقاء لبلورة الأمور لما فيه من تحقيق مصلحة العراق وتحقيق أمنه الوطني واستقراره، مبتعدين عن التصريحات والخطابات المبنية على وجهه نظر مقرب أو سياسي مغامر او رؤية مهنيه خاطئة لها نوايا أخرى غير معلنه.

ولأهميتها القيادية والريادية ودورها في صناعة الأفكار والأهداف والوسائل التي تخص السياسات، ولدورها في إمداد الإدارة السياسية بالموظفين اللائقين علمياً وعملياً لتطبيقها، وإثراء الساحة الإقليمية والدولية بالدراسات والبحوث والدراسات التي من شأنها وضع المبادرات والسياسات المطروحة عن طريق عقد اجتماعات بين ممثلي الإدارة السياسية وأعضاء المراكز وكبار الأكاديميين، ونشرها الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع بأهم القضايا الدولية والإقليمية والمحلية، عن طريق نشر الدراسات والبحوث والمقالات بالصحف المعروفة وإصدار الكتب والدوريات، والظهور في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة لخبراء المراكز، وإثراءها بالتحاور والتواصل مع الشرائح المختلفة.

وتكمن تحديات ومعوقات مراكز الدراسات الوطنية فيما يلي:

1- المراكز تمزج في التوجه الفكري، بقصد أو بغير قصد، ما بين دور مركز الدراسات كبؤرة للتفكير والتخطيط، وما بين دور الحزب السياسي أو المنظمات الجماهيرية، كما أن كثيراً منها أُنشئ أو تحوّل إلى منبر تعبوي لأفكار السلطة السياسية الحاكمة.

2- لا يمكن أن تقوم المراكز بعملها، دون مجال كافٍ للوصول إلى المعلومات، وإلى البحث العلمي دون قيود سياسية أو فكرية، التي تعاني من قيود لا حصر لها، تبدأ من الأجهزة الأمنية ولا تنتهي عند الأحزاب السياسية والمفكرين وأشباه المفكرين.

3- غياب عمق الرؤية الإستراتيجية، بسبب حداثة التجربة، وعدم وجود دراسات للمستقبل وتتوقع مخاطرها وسبل مواجهاتها، وعدم توفر الوثائق المطلوبة في الدراسة والبحث، أو صعوبة الوصول إليها.

التوصيات

أ. الإصلاح الديموقراطي يعتبر مطلب أساسي لأي عملية تنمية سياسية أو اقتصادية فاعلة، وهي أساس للتطوّر المجتمعي ككل، إذ أن المناخ الديمقراطي الحرّ يعد سبباً مساعداً في الرقي بعمل هذه المراكز، ودفعها نحو الارتباط بأجندة مجتمعاتها بشكل أكبر.

ب. تركيز العمل وتوجيهه في المراكز نحو التخصصية، وهو شرط أساسي في مجال المنافسة والتميّز، وقد تتخذ التخصصية الطابع الجغرافي، السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الاستراتيجي، الاستشارات، أو في مجال الدراسات الأوروبية والأمريكية أو الآسيوية، أو العلاقات الدولية، وغيرها من التقسيمات التخصصية.

ج. تعبئة إمكانات القطاع الخاص من خلال سياسة مرنة ومحفزة، وخلق ظروف تمكن من العمل المشترك بين القطاعين العام والخاص والقطاع الأكاديمي في مجالات البحث والتطوير، وضرورة مساهمته بنسبة من أرباحه لصالح البحوث والتطوير، ودعم مركز التخطيط المشترك بمستشاريه الامن الوطني

د. تفعيل دور مركز التخطيط المشترك والمناداة ليكون مركز وطني يُعنى بجميع قضايا ومستجدات الدولة، وإيجاد التشريع المنفصل له ليتم حماية كلمته من أي مؤثر، وتُرصد له الموازنة الخاصة، ويكون محل إقبال من قبل جميع مؤسسات الدولة القادرة على صنع القرار، بحيث يُجهز بأحدث الأجهزة ليكون له القدرة على مواكبة الحدث، ويكون رواده الباحثين من صفوة خريجي كلية الدفاع الوطني والخبراء المتقاعدين بين العضوية المشاركة عن بعد من مراكز عملهم، والمتفرغة للعمل في المركز، مع الحرص على تزويد المركز بطاقم فني قادر على التعامل مع التكنولوجيا ضمن المنهجيات والأسس الحديثة.

الخلاصة

نخلص إلى القول أن مراكز الدراسات والبحوث هي حلقة التعاون بين الفكر الخالص والحركة المنفذة لإجراءات تحقيق الأمن الوطني، هذا يحتم على الطبقة المثقفة المتعلمة من أبناء العراق إلى التفاعل مع بيئتها السائدة والتي تستدعي رؤية مستقبلية تحليلية لما يجري في المنطقة، بوجود تفاعل حقيقي وفاعل بين أطر الدولة الحديثة (النظام السياسي، المجتمع المحلي، مراكز

البحوث والتفكير والطلاقة)، تكون فيها مراكز للدراسات والبحوث الحلقة الفاعلة في تحديد المشاكل والمواضيع التي تحتاج لاتخاذ القرارات، والعمل على تجميع المعلومات وإعداد البدائل المتاحة لصانعي القرار، وبيان حسنات هذه البدائل ومساوئها لسهولة المفاضلة.

* عميد شرطه متقاعد – مدير انتربول سابق

riadbahar@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 2/آب/2011 - 1/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م