شبكة النبأ: للإنفاق السليم أهمية
كبرى، في صنع القاعدة الاقتصادية المتينة، التي تسهم الى حد بعيد في
عصرنة المجتمع وتحديث الدولة، وجعلها من الدول المواكبة للعصر، وينبغي
أن يقوم الانفاق على أسس علمية وخطوات عملية مدروسة، إذا اراد المسلمون
تحقيق النهوض الحقيقي في المجال الاقتصادي.
ويلخّص الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، رؤيته حول إمكانية إحداث التقدم المطلوب في
المجتمعات الاسلامية، إذ يؤكد ذلك في كتابه الثمين الموسوم بـ (إنفقوا
لكي تتقدموا) قائلا: (لا يتقدم الإسلام إلا إذا كانت هناك مؤسسات
ومشاريع ووعي جماهيري لدى المسلمين، بما يتطلبه العصر الحاضر).
ومن الواضح أن المجتمعات الاسلامية، تعاني من الادارات الحكومية
الفاشلة، بالاضافة الى فشل الاثرياء في تقديم العون المطلوب، للنهوض
بتلك المجتمعات إذ يؤكد الامام الشيرازي في هذا الخصوص: (إن علم النفس
والاجتماع يقرر إن هناك نقمة متزايدة ضد طائفتين، الحكام، والأثرياء،
وهذه النقمة لابدّ أن تتنفس بعنف).
أما أسباب النقمة على الحكام فهي واضحة، حيث يؤكد الامام الشيرازي
يهذا الصدد في كتابه نفسه قائلا: (يمكن امتصاص هذه النقمة، أما كيفية
امتصاص النقمة ضد الحكام، فبإعطاء الحريات التي منها عدم الضغط في
القانون ولا في تطبيقه، وبالاشتراك في الحكم، فإذا الناس اشتغلوا
بحرياتهم لم ينكروا ما في الحكام، وإذا شاركوا في الحكم ــ بأي لون من
المشاركة ــ اعتبروا الحكم كيان أنفسهم، فلا يفكرون في تقويضه).
ويمكن تخفيف نقمة الفقراء على الاثرياء ايضا، كما يقول الامام
الشيرازي مؤكدا في هذا الشأن على أنه يمكن (امتصاص النقمة ضد الأغنياء،
بالبذل السخيّ للفقراء والمشاريع، وبعدم الاستفزاز في الإنفاق، سواء
كان الاستفزاز من نوع الإسراف، أو من نوع التظاهر، أومن نوع الكبرياء،
أو من نوع الفساد).
ويطلق الامام الشيرازي ناقوس التحذير لكل من الحكام والاثرياء قائلا
في هذا الشأن: (إن حكام بلاد الإسلام بحاجة ــ اليوم ــ إلى الأخذ
بالنصيحة الأولى، وأثرياء المسلمين ــ اليوم ــ بحاجة إلى الأخذ
بالنصيحة الثانية، فهل من أذن واعية؟).
إن تعاليم الاسلام تكفي للنهوض بالمسلمين، فيما لو أخذ بها وتم
تطبيقها على النحو السليم، ولكن المشكلة تكمن في عدم التطبيق السليم،
لا من قبل الحكام ولا المعنيين الآخرين من أثرياء وغيرهم، لهذا يؤكد
الامام الشيرازي قائلا بهذا الخصوص: (إن البلاد الإسلامية تعاني أزمة
حادة، فقد كان في الماضي القريب، يستعمرهم الغرب فقط، واليوم يستعمرهم
الشرق والغرب على حد سواء، وكان في السابق يضغط عليهم أقوى الأمم
واليوم يضغط عليهم حتى أذل الأمم:-اليهود- وهذه الأزمة الحادة أوجبت
سقوط الأغنياء واحدا بعد واحد، ومجموعة تلو أخرى، فكل بلد تقلص فيها
الإسلام تساقط فيه الأغنياء تساقط الورق في الخريف).
ولابد أن يعي المعنيون، لاسيما الاثرياء منهم، أن الامر لا يتعلق
بشأن هامشي، بل يتعلق بمصير ثروات اسلامية هائلة، لذا يقول الامام في
هذا الصدد: (إن الأمر ليس مقدارا من الخمس يعطى رغبة أو رهبة، ولا أمر
مقدار من التبرع يدفع منة أو كراهية، ولا أمر إطعام في ليالي رمضان
لأجل الثواب أو الشهرة، ولا أمر مساهمة في إعادة فقير منقطع إلى بلاده،
أو إرسال مريض إلى المستشفى، أو مشاركة في زواج أعزب، أو ما أشبه ذلك،
إن الأمر أكبر من ذلك وأكبر، إنه مصير أمة وثروة بلاد).
إن هذا الحرص الكبير الذي يبديه الامام الشيرازي في هذا الامر، لابد
أنه نابع من رؤية عميقة للوضع الاقتصادي العالمي، وتدهور اقتصاديات
الدول الاسلامية، بسبب الاخطاء الجسيمة التي وقعت فيها الحكومات تخطيطا
وتنفيذا، وبسبب تراجع دور الاثرياء في هذا المجال الحيوي، وهنا يؤكد
الامام الشيرازي قائلا بوضوح: (إنني لا أعادي الأثرياء ولا أحقد عليهم،
بل أدعو ليل نهار أن يكثر الله في المسلمين من الأثرياء، فإنهم مفخرة
لنا، وحتى لا يكون أثرياء الكفار أكثر من أثريائنا، فإني أحب أن ينطبق
-الإسلام يعلو ولا يعلى عليه- حتى في أثرياء الجانبين، وإنما ذكرت ما
ذكرت تذكيراً بالحقيقة، وإعلاماً بأن أثريائنا إذا أحبوا الحفاظ على
أنفسهم يجب عليم أن يبذلوا بسخاء، وإلا تقع الواقعة، التي ليس لوقعتها
كاذبة).
وهكذا يبدو الامر جليا للمعنيين من الحكام والاثرياء معا، فإما سلوك
السبل الكفيلة بتطوير الشعوب الاسلامية، ونقلها من واقعها البائس الى
الواقع المعاصر، وإما أن تكون النتائج سلبية تماما، وهو ما يلحق الضرر
الجسيم بالجميع، ما لم يتم تدارك الاخطاء التي سبق ذكرها، والتي أكد
عليه الامام الشيرازي (رحمه الله) في كتابه (إنفقوا لكي تتقدموا). |