المواقع الاجتماعية... هل تتحول الى جلاد اخر؟

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: بعد ان ساهمت المواقع الاجتماعية "خصوصاً الفيسبوك" في عملية انعاش القلوب العربية في ربيعها المفعم بالثورات والذي اطاح ويطيح بجبابرة الطغيان والمفسدين، وحرر هذه الشعوب من الاستعباد والخنوع، ينظر اليها اليوم نظرة اخرى ممزوجة بالشك والريبة بعد ان حامت الشبهات حولها فيما يتعلق بوجهها الاخر، والذي قد يقدم العون والمساعدة الى الجلادين والطغاة ووسيلة دعائية بالمجان من اجل استعادة السيطرة على الشعوب التي تحاول التحرر من نير ظلمهم، ولعل اول بوادر تزعزع الثقة بهذه المواقع لاجتماعية عندما قام موقع فيسبوك بأغلاق صفحة فلسطينية على موقعه كانت تحضر لانتفاضة فلسطينية ثالثة ضد اسرائيل، حيث تعاطفت مع الكيان الاسرائيلي متهمتاً القائمين عليها بالتحريض للعنف، ويبدوا ان الامور لن تقف عند هذا الحد اذا تحولت هذه المواقع الاجتماعية الى مواقع سياسية.

الأنترنت يكسر الحواجز

حيث كسر الانترنت ومعه شبكات التواصل الاجتماعي خلال اكثر من ستة اشهر من "الربيع العربي" حواجز الخوف وضوابط الاعلام الرسمي الموجه امام الشباب المطالبين بالتغيير اذ سمح لهم بالتواصل وبتصدير اخبار وصور الثورة، الا ان هذه الفورة في المعلومات تواجه تحدي المصداقية وتصاعد العنف.كما ان الاعلام التواصلي بدا بحاجة للتحالف مع الاعلام التقليدي ليبلغ تاثيره الاكبر فيما فجرت مدونة "مثلية دمشق" المزيفة المخاوف من اختلاط الحقيقي بالمزور في هذا الفضاء المفتوح، وقال الناشط اليمني هاشم الصوفي "عندما وجهت اول دعوة للتظاهر عبر الفيسبوك لم يكن لدى الناشطين ادنى فكرة عن عدد الذين قد يتجاوبون، وعندما دقت ساعة الحقيقة، كانت النتيجة مبهرة، مئات من الشباب تجمهروا في ساحة جامعة صنعاء قبل ساعات من موعد التجمع"، وبرز دور الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي منذ ان اضرم الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في جسده في 17 كانون الاول/ ديسمبر، وانتشرت بسرعة عبر الانترنت انباء احتراق هذا الشاب البسيط والغاضب، وانطلقت حركة احتجاجية اطاحت حتى الان بنظامي الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك، وقال الصوفي الذي يشارك في ادارة اللجنة الاعلامية لـ"شباب التغيير" ان المعارضين للرئيس اليمني علي عبدالله صالح "كانوا ينتظرون التوجيهات عبر الفيسبوك، كما ان شعارات كل مرحلة بعد مرحلة كانت ترتسم ملامحها عبر هذا التواصل"، وقال زياد ماجد الاستاذ في جامعة باريس الاميركية ان الشبكات الاجتماعية "اوجدت ساحات تواصل سياسي واجتماعي هي في الاساس معطلة في معظم الدول العربية بسبب الاستبداد". بحسب فرانس برس.

واضاف ان هذه الوسائل "ساهمت في خلق لغة سياسية جديدة، ليس فقط مصطلحات وكلام، بل افلام وصور توصل الفكرة السياسية وتخلق كم اكبر من الانفعالات التي تولد التضامن ومن ثم يخلق التحرك المشترك"، من جهتها، قالت ناشطة بحرينية ان الحركة الاحتجاجية التي شهدتها البحرين في شباط/فبراير واذار/مارس وانهتها السلطات بالقوة "انطلقت في الواقع عبر موقع فيسبوك"، واكدت الناشطة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها "تمت الدعوة للتظاهر في 14 شباط/فبراير والانتقال الى دوار اللؤلؤة وفي غضون ايام تحولت الى الدعوة الى ثورة حقيقية"، لكن هذه الناشطة تقول ان "الانترنت ليس قادرا على يحل بشكل كامل مكان الاعلام التقليدي، فالتلفزيون يبقى في الواقع الاداة الاقوى"، واضاف بان "الثورة في البحرين لم تلق التعاطف من قبل القنوات الفضائية العربية الرئيسية" كما كان الوضع بالنسبة لتونس ومصر وحتى سوريا، مشيرة الى ان "قناة الجزيرة التي تقدم نفسها بطلة التغيير في العالم العربي، نسيت او تناست ثورتنا لاسباب سياسية لكي لا تغضب السعودية من قطر، فغالبية المتظاهرين من الشيعة وقد وصم هؤلاء بانهم موالون لايران"، ويرى المحللون ان قناة الجزيرة القطرية التي اغلقت مكاتبها في عدة عواصم عربية تحولت خلال "الربيع العربي" اكثر من اي وقت مضى لاعبا اساسيا في تحريك الشارع، وغالبا ما تستخدم القنوات الفضائية صورا واخبارا تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما موقع "يوتيوب"، لكن دون امكانية في غالب الاحيان للتدقيق في المصداقية وفي ظل تعذر الحصول على المعلومات من مصدر محايد او ارسال مراسلين.

واذ اعتبر ان "التحالف" بين الاعلامين الحديث يمكن يخلق التاثير الاكبر، اقر زياد ماجد بوجود "مشكلة مصداقية بسبب الهوية الافتراضية التي تحمل امكانية التزوير والتخضيم" داعيا الاعلام التقليدي الذي بذل جهد اضافي للتدقيق في المعلومات، لكن التلاعب قد يأتي من الانظمة نفسها، فبعد ستة اشهر من المظاهرات، فهم بحسب ماجد جزء من الانظمة، "لاسيما النظام السوري"، "اهمية التشكيك في مصداقية وسائل الاعلام التواصلي" فتم "تسريب افلام مزورة من قبل الانظمة لنسف مصداقية المنظومة برمتها"، كما ان بعض عمليات التعذيب كانت تتم للحصول على كلمات السر الخاصة بناشطي الانترنت ما يعكس بحسب الاكاديمي اللبناني "هوس الانظمة بالفيسبوك"، وقال ناشط الانترنت السوري المقيم في الولايات المتحدة محمد العبد الله ان الانترنت "هو السلاح الوحيد في وجه الحكومة، وهنا لا بد ان اقول ان موقع "يوتيوب" قد هزم الحكومة السورية"، واضاف "ان ما يفاجئني بشكل خاص هو مستوى المهنية في استخدام الناس لهذه الوسائل لتحديد تاريخ الصور من خلال اظهار الصفحة الاولى من جريدة اليوم، قد لا يعرف كثيرون ان فيسبوك ويوتيوب كانا محظورين لسنوات في سوريا وسمح بهما قبل اسبوعين من بدء الثورة"، وكشف طالب اميركي مقيم في اسكتلندا انه صاحب مدونة انتحل فيها شخصية شابة سورية تدافع عن الديموقراطية في سوريا وحققت نجاحا كبيرا حول العالم، ما شكل صفعة للناشطين الذين يخشون من ارتداد ذلك على نظرئهم الحقيقيين، وعن هذا يقول ماجد "انها كارثة بكل معنى الكلمة"، الا انه ذكر بان المدونة المزورة انطلقت قبل بدء التظاهرات في سوري، والتحدي الكبير الآخر الذي تواجهه الثورة عبر الانترنت هو تصاعد العنف وتحول "الربيع العربي" من ثورة سلمية توصل الى نتائج سريعة نسبيا، الى عملية دامية، مؤلمة وطويلة كما هي الحال في اليمن وسوريا وليبيا، فضلا عن ملاحقة الناشطين على الانترنت، وقال هاشم الصوفي "بصراحة، نحن الآن في مرحلة اخرى وتراجع دور الانترنت في الثورة" بسبب تصاعد العنفو واضاف "كانت ثورتنا في اليمن سلمية وحولت الى نزاع مسلح مع القبائل، لكننا سنعمل بكل جهد لنؤكد بان ثورة الشباب السلمية لا يمكن تهميشها".وقال ماجد "كان للاعلام التواصلي دور كبير في بداية الاحداث، والان تراجع الدور واصبح وراءنا ما عدا في سوريا".

سلاح ذو حدين

الى ذلك حذرت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي من ان مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لعبت دورا مهما في البلدان العربية الا انها قد تستخدم ايضا من جانب القادة المهددين لفرض سلطتهم، وقال الامين العام للمنظمة ساليل شيتي "لا شك بتاتا في ان وسائل الاعلام الاجتماعية ادت دورا مهما جدا من خلال السماح للسكان بالتجمع"، واضاف بمناسبة نشر التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية التي تتخذ من لندن مقرا لها والتي تحتفل هذا العام بذكرى مرور خمسين عاما على تأسيسها "لكن يتعين ايضا التنبه الى ان "هذه المواقع" تعطي الحكومات الفرصة لقمع الشعب"، وحذر التقرير من ان "الحكومات تبذل جهودا لاستعادة زمام المبادرة او استخدام هذه التكنولوجيا ضد الناشطين"، وبدأ "الربيع العربي" مع الثورة الشعبية في تونس مطلع العام الجاري ما ادى الى سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ثم انتقل الى مصر حيث تمت الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، لكن في بلدان اخرى مثل ليبيا واليمن وسوريا، تستمر التحركات الشعبية من دون التمكن من اسقاط الانظمة، واوضح ساليل شيتي ان "قوى القمع اطلقت هجوما مضادا جديا"، ففي ليبيا، قام نظام العقيد معمر القذافي "باستخدام الانترنت ووسائل الاعلام الاجتماعية بشكل ممنهج لقمع الشعب"، وابدت منظمة العفو الدولية اسفها لان المواقع الالكترونية وشركات الهواتف المحمولة يمكن ان تتحول الى شريكة للانظمة القمعية من خلال مراقبتها لاعمال الناشطين او حجب الدخول الى الشبكة، وفي شباط/فبراير، اعلن العملاق البريطاني في مجال الاتصالات "فودافون" انه تقدم بشكوى الى السلطات المصرية بعد ان تم ارغامه على ارسال رسائل دعم لمبارك الى مشتركيه من دون الاشارة بوضوح الى انها موجهة من الحكومة. بحسب فرانس برس.

واضاف التقرير "عليهم تجنب التحول الى عملاء او شركاء للحكومات القمعية التي تريد خنق الراي العام والتجسس على شعبها"، وفي مصر ايضا، حجب النظام ايضا مرارا الدخول الى شبكة الانترنت والاتصالات عبر الهواتف المحمولة، الا ان ذلك لم يمنع المعارضين من تنظيم التجمعات التي كانت ستضع حدا في شباط/فبراير لحكم مبارك الذي استمر ثلاثين عام، وفي اثبات على الدور الاساسي لشبكة الانترنت، حل الناشطون عبر الانترنت في بعض الاحيان محل المقاتلين على الجبهات في مصاف ابطال الثورة على غرار وائل غنيم المسؤول في غوغل الذي تحول الى رمز من رموز الثورة بعد ان تولى ادارة صفحة عبر فيسبوك ضمت مئات الاف المعارضين لمبارك، وقد امضى هذا الشاب الثلاثيني 12 يوما بين ايدي الاجهزة الامنية المصرية، وفي الصين، حيث تخشى السلطات انتقال عدوى "الربيع العربي"، مارست السلطات تشديدا اضافيا للرقابة على شبكة الانترنت المتشددة اصل، وتابع تقرير منظمة العفو الدولية "في محاولة لتجنب تمرد من النوع الذي شهده الشرق الاوسط، تعزز الحكومة قمع الناشطين"، واشارت المنظمة الى ان اكثر من مئة ناشط غالبيتهم على شبكة الانترنت فقدوا بعد دعوة اطلقت على الشبكة في شباط/فبراير تحض الشعب على الثورة، وحذرت العفو الدولية من ان المعركة لمراقبة شبكة الانترنت "غير مضمونة النتائج"، وتابع التقرير متسائلا "كيف سينتهي الامر؟، لا نعلم حتى الساعة"، الى ذلك، اعتبرت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي ان الحصيلة الاميركية في مجال حقوق الانسان يشوهها وضع المعتقلين من دون محاكمة في سجن غوانتانامو وفي افغانستان فضلا عن النظام المطبق في مجال احكام الاعدام والذي يولد اخطاء قضائية، وذكرت المنظمة بان الولايات المتحدة نفذت حكم الاعدام بحق 46 سجينا العام 2010 وسط شكوك حول الدفاع والذنب او حتى الصحة العقلية لعدد من هؤلاء المحكومين، وابدت المنظمة اسفها لان السلطات الاميركية تعيق الجهود المبذولة لتحديد "المسؤوليات والعلاجات لانتهاكات حقوق الانسان" التي حصلت خلال السنوات الثماني من حكم الرئيس السابق جورج بوش.

آفاقاً واسعة

في سياق متصل ومن منظور اقتصادي يبدو أن الربيع الديمقراطي العربي يمثل ضربة قوية للمنطقة، فان المستثمرون قلقون في ظل الغموض الكبير الذي يحيط بتطورات الأوضاع العربية، وفي حديثها مع ديميتريس تسيتسراجوس النائب الجديد لرئيس مؤسسة التمويل الدولية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا "الوكالة الالمانية" عن رؤيته لآفاق المنطقة العربية، ومؤسسة التمويل الدولية هي هيئة تمويل القطاع الخاص للبنك الدولي، وفي سؤال عن ما هو الثمن الاقتصادي للثورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟، اجاب تسيتسراجوس بأن الاضطرابات في المنطقة تؤثر بالتأكيد على الصعيد الاقتصادي، ومجرد نظرة على الأرقام التي تتحدث عن الانكماش الاقتصادي في العديد من الدول كافية لتأكيد هذه الحقيقة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك ليبي، فهناك حالة من القلق والتردد بشأن ضخ أي استثمارات جديدة إلى المنطقة، وبعض برامج الاستثمار توقفت مما أثر على الموقف الاقتصادي وفي الوقت نفسه تراجعت إيرادات الحكومات، ورغم ذلك فإن رؤيتنا واضحة تمام، ونحن نعتقد أن المنطقة تمثل سوقا ذات إمكانيات نمو هائلة، فالدول التي تضررت بشدة اليوم هي الدول التي تستورد النفط وليس الدول التي تصدره، وكانت مصر وتونس من الأشد تضررا بالأوضاع الحالية، ولكن هناك نموا اقتصاديا في الدولتين. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وفي سؤال اخر عن ما هو دور القطاع الخاص في تلك الدول ومدى أهميته؟، اضاف، بأن المشكلة الكبرى في المنطقة هي البطالة، والتحدي الأكبر الذي يواجهها هو خلق المزيد من الوظائف، والقطاع الخاص عالميا هو الذي يوفر الجزء الأكبر من الوظائف في أسواق العمل، وحول الموقف السياسي وخروج للمستثمرين من المنطق، اشار، لن أقول ذلك وكذلك لن أقول إن المستثمرين عادوا إلى المنطقة، ولكن الموقف هو حالة من الترقب والحذر لدى المستثمرين، وربما تكون الاستثمارات تباطأت والمستثمرون يأخذون وقتا للتفكير والدراسة وهو أمر طبيعي. فمن الصعب إقناع المساهمين والإدارة بوضع أموال كثيرة في دولة لم يتضح الشكل الذي ستكون عليه حكومتها بعد ستة أشهر مثل، اما عن المطلوب لاستعادة الثقة في مناخ الاستثمار بهذه الدول؟، اجاب بان المستثمرون يريدون نوعا من الاستقرار السياسي لكي يعودو، واضاف تسيتسراجوس، الحاجة الأكبر توجد في مجال البنية الأساسية، والقطاع الأخر الذي يحتاج إلى مزيد من الاستثمارات هو التعليم وقطاع الخدمات بشكل عام مثل السياحة وتجارة التجزئة والصحة، وفي بعض الدول يوجد قطاع تكنولوجيا المعلومات وهو يحتاج إلى استثمارات، والقطاع الآخر ذو الصلة بقطاع الخدمات هو القطاع المالي، اما بالنسبة الى  القطاعات التي يتوقع أن تتأثر بصورة أكبر بالتطورات الحالية؟، اجاب، نعم، ولدينا استراتيجية ثلاثية تشمل الحصول على التمويل وإقامة البنية الأساسية ثم الخدمات،  وعلى سبيل المثال فإن البنية الأساسية تسهل النقل وتمنح الناس مزيدا من الفرص لتحقيق التطور ولذلك فهي تمثل قاطرة للنمو.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 31/تموز/2011 - 29/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م