الهم النووي والخلاص المؤرق

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: بعد عدة انذارات نووية مدمرة في عدة اجزاء من العالم "ثري مايل ايلاند في الولايات المتحدة الامريكية 1979، وتشرنوبل في روسيا 1986، وفوكوشيما في اليابان 2011" يدرك الجميع ان امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية اوالتسابق للتسلح النووي لأغراض حربية والذي بدءت بوادره المأساوية بعد امتلاك الولايات المتحدة للقنبلة النووية واستخدامها فعلياً ضد اليابان في الحرب العالمية الاولى، اصبح من اكبر الهموم التي تواجه البشرية ولاتعرف سبل الخلاص منه، فوسط الاف الرؤوس النووية الجاهزة للاطلاق والقادرة على اذابة الكرة الارضية بمن فيها لعدة مرات، ومخاطر تكرر الكوارث النووية التي هزت العالم المتطور مع تزايد الضغوط الشعبية من اجل عالم خالي من هذه الطاقة، ومشكلة التخلص من النفايات السامة للمفاعلات النووية في ظل معاناة البيئة من التلوث الشديد، تقف الحكومات والدول النووية حائرة وهي تبحث عن مخرج يلبي الطموح.

فرصة فريدة للسلامة

فقد قال خبراء بالامم المتحدة في تقرير يصوغ دروسا اوسع من الازمة النووية اليابانية ان محطات الطاقة النووية يجب ان يتم تصميمها وان يتم تحديد موقعها بحيث يمكن ان تقاوم "تمازجا معقدا" ونادرا من التهديدات الخارجية، وقال فريق يتكون من 18 عضوا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التقرير الذي يعد اول عرض خارجي لكارثة فوكوشيما ان حادثة اليابان النووية خلقت "فرصة فريدة" للسعي للتعلم ولتطوير السلامة في جميع انحاء العالم، والوثيقة التي تتألف من 160 صفحة اعدت لاجتماع دولي ضخم الاسبوع المقبل سيعطي دفعة لتعزيز معايير المفاعلات في مواجهة القلق العام المتزايد حيال المخاطر التي تفرضها السلامة النووية، وتم اصدار ملخص من ثلاث صفحات في ختام بعثة مراجعة الفريق لليابان في وقت سابق، ويقول ان الدولة استخفت بتهديد موجات المد لمحطة فوكوشيما ويحث على اجراء تغييرات شاملة للنظام التنظيمي، وادرج التقرير الكامل قائمة من 16 درسا من اسوأ ازمة نووية في العالم منذ تشيرنوبل منذ ربع قرن مضى بشأن كيفية الاستعداد الافضل والتعامل مع هذه الانواع من الاحداث غير الطبيعية. بحسب رويترز.

وتتضمن اجراءات لكل من المساعدة في منع اي تكرار لكارثة فوكوشيما التي نتجت عن زلزال ضخم وامواج مد في 11 مارس اذار بالاضافة الى العمل بشأن الاستجابة للطوارىء والتأهب، وتعرض مسؤولون يابانيون للانتقاد لفشلهم للتخطيط لموجات مد تجاوزت حائط طوله 5.7 متر في المحطة في شمال شرق البلاد على الرغم من تحذيرات من ان مثل هذا الخطر يلوح في الافق، وقال تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية "كان هناك احتياطات دفاعية عميقة غير كافية لمخاطر موجات المد"، هناك حاجة الى ضمان انه في دراسة المخاطر الطبيعية الخارجية، يجب ان يتضمن تحديد موقع وتصميم المحطات النووية حماية كافية ضد تمازج معقد ونادر للاحداث الخارجية"، وقال انه يجب ان تتم مراجعة اي تغيرات في مثل هذه المخاطر بانتظام لتأثيرها على شكل المحطة واضاف انه يجب انشاء نظام تحذير موجات مد فعال "مع النص على التحرك الفوري من قبل الشركة المشغلة"، ودفعت ازمة فوكوشيما الى اعادة التفكير في سياسة الطاقة في اليابان وحول العالم واكدها قرار المانيا باغلاق جميع مفاعلاتها بحلول 2022 وتصويت ايطالي بحظر الطاقة النووية لعقود.

سباق التسلح النووي

على صعيد اخر حذر معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام في تقريره السنوي لعام 2011 من ان خطر الاسلحة النووية مازال يهدد العالم، موضحاً ان التخفيضات المعلنة لهذا النوع من الاسلحة عوض عنها تحديثها وتنويع الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، فيما باتت الموارد الطبيعية مصدر توتر رئيس، وذكر تقرير المعهد انه من اصل ما يزيد على 20 ألفاً و500 رأس نووي تملكها ثماني دول هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وإسرائيل، فإن «ما يزيد على 5000 سلاح نووي نشرت وهي جاهزة للاستخدام، و2000 منها تبقى في حال تأهب متقدمة للعمليات»، كما لفت المعهد الى ان الدول الخمس المعترف بها رسميا على انها قوى نووية والموقعة على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية عام 1968 وهي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين «اما تنشر انظمة اسلحة نووية جديدة، أو اعلنت نيتها في القيام بذلك»، وقال مساعد مدير المعهد دانيال نورد، ان «الدول النووية تعمل على تحديث ترسانتها من الاسلحة النووية وتستثمر فيه، وبالتالي يبدو من غير المرجح ان تتم عملية نزع سلاح نووي فعلية في مستقبل منظور»، رغم معاهدة ستارت الاميركية الروسية لخفض الترسانة النووية للبلدين، ورأى التقرير ان اتفاقات ستارت الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في فبراير لن تقود على ما يبدو الى «مفاوضات على المدى القريب حول تخفيضات جديدة للقوى النووية الروسية والاميركية»، وقال نورد في هذا الصدد، ان المخاطر الايرانية «تنجم عن عواقب» برنامجها النووي اكثر منها عن قدرتها على حيازة السلاح النووي في المستقبل، وهو يخشى الوقت الذي «تقرر فيه اسرائيل او الولايات المتحدة ان عليها التدخل» ضد برنامج طهران النووي.

وفي مايو 2010 شدد المؤتمر التاسع لمتابعة معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية على ضرورة مواصلة منع الانتشار وأوصى بصورة خاصة بإنشاء منطقة منزوعة السلاح النووي في الشرق الاوسط، غير ان معهد استوكهولم لفت الى ان الخلافات المعلنة بين الدول المشاركة في المؤتمر، وتحديداً بين الدول التي تملك السلاح النووي وتلك التي لا تملك هذا السلاح «تحد من الآمال بتحقيق تقدم في تطبيق القرارات الاكثر تواضعاً» حتى في النص الختامي الذي صادق عليه المؤتمر، كما لفت التقرير الى ان «الهند وباكستان اللتين تعتبران مع اسرائيل قوى نووية بحكم الامر الواقع، ولم توقعا على معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، تواصلان انتاج الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية»، كما يعمل البلدان المتخاصمان على «زيادة قدراتهما على انتاج المواد الانشطارية للاستخدام العسكري»، وقال نورد إنه «المكان الوحيد في العالم الذي يجري فيه سباق حقيقي على السلاح النووي»، وحذر من ان ما يزيد الوضع خطورة ان باكستان تنشط فيها «اطراف غير حكومية»، وتساءل التقرير «ما الذي سيحصل ان فقدت باكستان السيطرة على قسم من ترسانتها النووية» في اشارة الى مخاطر الارهاب الدولي، واخيراً ذكر المعهد انه «من المعروف ان كوريا الشمالية انتجت ما يكفي من البلوتونيوم لصنع عدد ضئيل من الرؤوس النووية»، غير انه لا يمكن التثبت مما اذا كانت تملك فعليا اسلحة نووية، كما شدد مدير برنامج النزاعات المسلحة وإدارة النزاعات في المعهد نيل ملفين على دور النفط في التوتر القائم في السودان وليبيا، مشيراً الى ان الثروات النفطية أسهمت في اثارة حرب اهلية، وقال ملفين، أن التزايد المفاجئ في الطلب مع وصول الاستهلاك الهندي والصيني الى الاسواق اثار منافسة متزايدة في البحث عن موارد جديدة يمكن استغلالها بما في ذلك في القطب الشمالي، وأدى الى ارتفاع في الاسعار طاول بصورة خاصة المجال الغذائي، وقال ملفين «لدينا توقعات تفيد بأن اسعار المواد الغذائية قد تتضاعفت بحلول 2020 نتيجة النقص والتغيير المناخي».

جاهزة للإطلاق

الى ذلك كشف تقرير نشره المعهد السويدى لـ"البحوث الدولية للسلام" أن 6 دول تمتلك أكثر من 5000 رأس حربى نووى على أهبة الاستعداد والانطلاق لاستخدامها فى مختلف أرجاء العالم، موضحاً أن هذا الرقم يستثنى روسيا والولايات المتحدة، وأكد التقرير أن إسرائيل لم تعلن حتى الآن عن قدراتها النووية العسكرية، وهى تراقب تطور البرنامج النووى الإيرانى، حيث أبدى مدير المعهد دانيال نورد خشيته من اتخاذ إسرائيل والولايات المتحدة خطوات عسكرية لإيقاف البرنامج النووى الإيرانى، الأمر الذى سينعكس سلبا على المنطقة.وأوضح التقرير الذى نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية والإذاعة العامة الإسرائيلية أن الدول الست على رأسها إسرائيل ثم بريطانيا والصين وفرنسا والهند وباكستان، وأضاف التقرير أن روسيا وحدها تمتلك نحو 11 ألف رأس نووى حربى، منها 2427 جاهزة للاستخدام، بينما تمتلك الولايات المتحدة حوالى 8500 رأس نووى منها 2150 جاهزة للاستخدام، ويبلغ مجموع الرؤوس النووية التى تمتلكها الدول نحو 20.500 رأس حربى نووى منتشرة فى جميع أنحاء العالم، وجاء فى التقرير أن الهند وباكستان هما الدولتان الوحيدتان فى آسيا اللتان يجرى بينهما سباق تسلح نووى، وتعملان على زيادة قدراتهما لإنتاج مواد قابلة للانشطار تستخدم لأغراض عسكرية.

تجاوزت روسيا

من جهتها اعلنت السلطات الاميركية ان الصواريخ البالستية والرؤوس النووية التي تنشرها الولايات المتحدة حاليا تتجاوز تلك التي تنشرها روسيا، وذلك بحسب معطيات رسمية نشرت مؤخراً تطبيقا لمعاهدة ستارت التي دخلت حيز التطبيق في الخامس من شباط/فبراير الماضي، وبحسب المعطيات الصادرة عن وزارة الخارجية الاميركية، فان واشنطن تملك 822 صاروخا بين صواريخ بالستية عابرة للقارات وصواريخ بالستية تطلق من غواصات وقاذفات استراتيجية جرى نشرها، مقابل 521 لروسي، وقال المصدر نفسه ان الولايات المتحدة تنشر 1800 رأس نووي، في حين تنشر روسيا 1537 رأس، وتعكس هذه الارقام حالة مخزون البلدين في الخامس من شباط/فبراير تاريخ دخول معاهدة ستارت حيز التطبيق، والمعاهدة التي تم توقيعها لفترة عشرة اعوام، تنص على حد اقصى من 1550 رأسا نوويا منتشرا لكل من الدولتين مقابل 2200 حاليا، اي بتخفيض نسبته 30%، وتحد المعاهدة ايضا عدد الصواريخ المنتشرة ب700، وبموجب بنود المعاهدة، يتعين على واشنطن بالتالي ان تخفض ترسانتها بواقع 182 صاروخا و250 رأسا نوويا منتشرا، بينما يمكن ان تزيد موسكو ترسانتها بمقدار 13 رأسا نوويا و179 صاروخا. بحسب فرانس برس.

النفايات النووية

بدورها قالت صحيفة ماينيتشي اليابانية يوم الاثنين ان اليابان والولايات المتحدة تعتزمان بناء منشأة لتخزين الوقود النووي المستنفد في منغوليا لخدمة زبائنهم في مجال الطاقة النووية رغم الازمة النووية في اليابان، وصرح مسؤول في وزارة التجارة اليابانية ان مسؤولين من اليابان والولايات المتحدة ومنغوليا اجتمعوا قبل وقت قصير من وقوع الزلزال الذي ضرب اليابان في 11 مارس اذار وناقشوا بشكل غير رسمي امكانية بناء منشأة لتخزين الوقود النووي المستنفد تستخدمها الدول التي لديها محطات للطاقة النووية ولا تملك القدرة على تخزين الوقود المستنفد، وتسبب الزلزال وأمواج المد المصاحبة في شمال شرق اليابان في تعطيل نظام التبريد في محطة فوكوشيما النووية مما أدى الى تسرب اشعاعي في الجو والبحر في المناطق القريبة، وقال مسؤول وزارة التجارة اليابانية انه لم تكن هناك خطط ملموسة وقت الاجتماع الذي عقد قبل الزلزال لكن وزارته ستبحث مثل هذا المشروع اذا كانت منغوليا مستعدة لذلك، وقالت صحيفة ماينيتشي ان المنشأة ستعطي مصدري المحطات النووية في الولايات المتحدة واليابان القدرة على منافسة المصدرين  من الروس الذين يوفرون خدمة تخزين الوقود المستنفد في اطار عروض متكاملة. بحسب رويترز.

التخلص من الطاقة النووية

من جهة اخرى وافق مجلس النواب الالماني باغلبية ساحقة على التخلص من الطاقة النووية بحلول عام 2022 ليصدق بذلك على سياسة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل المدفوعة بكارثة مفاعل فوكوشيما باليابان، وانضم نواب المعارضة من الحزب الديمقراطي الاشتراكي التابع ليسار الوسط وحزب الخضر الى اعضاء ائتلاف يمين الوسط بزعامة ميركل في دعم الجزء الرئيسي في مشروع قانون اصلاح الطاقة وذلك في القراءة الثالثة والاخيرة، وقال الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر قبل التصويت ان التخلص التدريجي من الطاقة النووية أثبت صحة معارضتهما للطاقة النووية في ألمانيا ووصفا ذلك بانها "هزيمة مدوية" لميركل، لكن الصناعة الالمانية وجيران ألمانيا يخشون من ان تغير موقف ميركل بشأن المحطات النووية التي وصفتها العام الماضي بانها امنة وايدت بقاءها لفترة اطول قد يزيد من تكلفة نفقات الطاقة ويعرقل امدادات الطاقة في اكبر اقتصاد باوروب، وسيكون نقاش مجلس الشيوخ الالماني لمشروع القانون في الثامن من يوليو تموز اجراء شكليا حيث ان المجلس الذي يمثل الولايات الالمانية لا يمكنه اعاقة مشروع القانون الا باغلبية الثلثين وهذا ليس مرجحا في مجلس لا تتفوق فيه الاغلبية على حزب ميركل الا بفارق ضئيل. بحسب رويترز.

الى ذلك تظاهر آلاف الأشخاص في ألمانيا وفرنسا مطالبين بالتخلي عن استخدام الطاقة النووية وذلك لذكرى مرور 25 عام على كارثة تشرنوبيل، وخرجت مسيرات حاشدة فوق عدة جسور على نهر الراين بين ألمانيا وفرنسا بينما حرجت تظاهرات أخرى القرب من مواقع نووية ألمانية، وفي ستراسبورغ تمدد المتظاهرون على الارض والقوا الورود في نهر الراين في ذكرى ضحايا الحوادث النووية في العالم، وحمل معظم المتظاهرين اعلاما صفراء وحمراء ورفعوا شعار الطاقة النووية؟ لا شكرا وردد المتظاهرون هتافات تشرنوبيل و فوكوشيم، ليس مرة أخرى، ونشطت حركة الدعم لمكافحة استخدام الطاقة النووية اثر حادث محطة فوكوشيما اليابانية التي تضررت في 11 مارس/آذار نتيجة الزلزال العنيف الذي اعقبه تسونامي، وفي ألمانيا طالب المتظاهرون المستشارة انجيلا ميركل للتخلي نهائيا عن استخدام الطاقة النووية، وقال جوشن ستاي المتحدث باسم منظمة اوسغيسترالت لمناهضة الاستخدام النووي ان المشاركة المهمة في هذه التظاهرات تدل على ان السكان لا يثقون بالحكومة في مجال السياسة النووية، وأضاف المطلب الذي كرر اكثر من 100 الف مرة اليوم هو ضرورة وقف كافة المحطات النووية، وكانت الحكومة الألمانية قد قررت منذ ثلاثة أشهر مد عمل المفاعلات النووية داخل البلاد والتي كان من المفترض اغلاقها بحلول 2020، وامتدت التظاهرات المناهضة للطاقة النووية إلى خارج القارة الأوروبية ففي الهند شددت السلطات من اجراءتها الأمنية استعدادا لخروج تظاهرات حاشدة معارضة لبناء ستة مفاعلات نووية في موقع جايتابور غرب الهند.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/تموز/2011 - 28/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م