الأمن الغذائي... طموح مستبعد في ظل أزمات متجددة

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: تشير العديد من الاحصائيات والدراسات المقدمة حديثاً من منظمات متخصصة في مجال الامن الغذائي الى ان القادم من السنين قد يحمل بين طياته انباء غير سارة للبشرية، فمع وصول عدد سكان العالم الى رقم المليار السابع وسط توقعات بأرتفاع يفوق التسعة مليارات على المدى القريب، وزيادة في موجات الحرارة والجفاف في ظل التغيرات المناخية التي تعاني منها الكرة الارضية، والهدر الشديد للموارد المحدودة من قبل العديد من سكان العالم المتطور لاسيما على مستوى هدر المواد الغذائية بجانب ازمة جوع خانقة يذهب ضحيتها الملايين من الفقراء في كل عام، ووسط هذه المخاوف والتوقعات يبحث الجميع "دول ومنظمات ومؤسسات" عن امنه الغذائي المفقود، ويسارع الخطى نحو الاصلاح الغذائي عله يحضى بشيء من الاطمئنان.

أزمة الجوع

فقد قالت منظمة أوكسفام البريطانية الخيرية ان أسعار الغذاء قد تزيد الى مثليها في 20 عاما وان الطلب في 2050 سيكون أزيد بنسبة 70 بالمئة عنه الان محذرة من تفاقم الجوع مع تهاوي الاقتصاد الغذائي العالمي مقتربا من الانهيار، وقالت باربرا ستوكينج الرئيسة التنفيذية لاوكسفام للصحفيين لدى اعلانها بدء حملة (جرو) أي (نمو) "النظام الغذائي معيب بدرجة كبيرة في العالم"، وأضافت ستوكينج مع دخول 925 مليون نسمة دائرة الجوع كل يوم "كل الدلائل تشير الى أن عدد الذين يدخلون في دائرة الجوع يتزايد"، ويتزايد الجوع بسبب تضخم أسعار المواد الغذائية وصعود اسعار النفط والتنافس على الارض والماء اضافة الى التغيرات المناخية، وتوقعت أوكسفام أن ترتفع أسعار الغذاء بما بين 70 و 90 بالمئة بحلول عام 2030 قبل حساب أثر التغير المناخي الذي قد يضاعف الاسعار مرة أخرى، وأضافت في تقرير "الان دخلنا عصر أزمة متنامية والصدمة تلو الصدمة، ارتفاعات متتالية في أسعار الغذاء وزيادات في أسعار النفط وأحداث مناخية مدمرة وانهيارات مالية وانتشار الاثار على مستوى العالم" وما له من اثار سلبية. بحسب رويترز.

ويقول التقرير الذي يحمل عنوان "بناء مستقبل افضل، عدالة الغذاء في عالم محدود الموارد" "نطاق التحدي لم يسبق له مثيل وكذلك المزاي، مستقبل مستدام يحصل فيه كل فرد على ما يكفيه من الغذاء"، وتعتقد أوكسفام أن من سبل الحد من تضخم أسعار الغذاء الحد من المضاربات في أسواق التعاملات الاجلة على عقود السلع الزراعية، وتعارض المنظمة كذلك استخدام الغذاء كعلف أو وقود عضوي، وقالت "لابد من تنظيم المضاربات المالية والتخلص من دعم انتاج الوقود الحيوي الذي يستحوذ على مساحة الاراضي المخصصة لزراعة الغذاء"، وقالت ستوكينج انها تريد ان تفرض الجهات التنظيمية قيودا على معاملات العقود الاجلة للسلع الزراعية مشيرة الى ان المضاربات المالية فاقمت اضطرابات الاسعار، وقال التقرير "لابد من تصحيح الاختلال الكبير في الاستثمار العام في الزراعة باعادة توجيه المليارات التي تضخ الان في الزراعة الصناعية غير المستدامة في الدول الغنية باتجاه تلبية احتياجات صغار منتجي السلع الغذائية في الدول النامية".

بين الهدر والاحتياج

الى ذلك قدرت دراسة حديثة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) حجم المواد الغذائية المهدرة سنوياً بـ 1.3 مليار طن سنوياً، وهو ما أسمته "تبديداً شديداً للموارد"، وتتقاسم الدول الصناعية والنامية كمية الطعام المهدر بالتساوي تقريب، وبينما ترجع خسائر البلدان النامية إلى حد كبير إلى انتشار الآفات والأمراض وسوء التخزين والنقل غير المناسب للمنتجات الزراعية، يرجع الهدر في البلدان الغنية إلى رفض تجار التجزئة للمواد الغذائية الصالحة للأكل أو إلقائها مع النفايات المنزلية، وفي نظرة في مسألة الهدر على كلا الجانبين، ومن اجل المقارنة يمكن اختيار لندن وناميبيا كمثال، فعلى بعد 20 كيلومتراً تقريباً من الحدود مع أنغولا، في شمال ناميبيا شبه القاحلة، تمكن باولوس أموتينيا، وهو مزارع خضروات صغير، من مضاعفة إنتاجه عن طريق الري بالتنقيط واستخدام تقنيات حفظ التربة على مدى السنوات الأربع الماضية، لكن الزراعة ليست سوى جزءاً من المعركة، فهناك أكوام من الجوز والبصل المتعفن ملقاة في فناء منزله، اشترك أموتينيا في مشروع برنامج الأمم المتحدة الانمائي التجريبي الذي يهدف إلى مساعدة المجتمعات المحلية على التكيف مع تغير المناخ، وعلى الرغم من أنه أصبح أفضل حالاً من ذي قبل، إلا أنه خسر خضروات تساوي آلاف الدولارات سنوياً نظراً لعدم توفر مرافق التخزين البارد وافتقاره إلى سبل الوصول إلى الأسواق لبيع الفائض المتوفر لديه، ومع بداية عام 2011، لم يبدُ الوضع مختلفاً، حيث قال، "حاولت حتى في السوبرماركت المحلي في أوتابي "أقرب بلدة، تبعد 45 كيلومتراً"، لكنهم يفضلون جلب الخضروات من الموردين المعتادين في جنوب إفريقيا"، ولكن أموتينيا تواصل بعدها مع 49 من صغار المزارعين الذين استفادوا من مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واتفقوا على تجميع دخولهم بغرض بناء منشأة التخزين البارد وإقامة سوق لبيع الخضراوات، وقام المزارعون بجمع ما يقرب من 19،000 دولار، وساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأكثر من 200،000 دولار، وأضاف قائل، "نأمل في فتح السوق قريباً"، كما يعتزم المزارعون أيضاً تزويد المجتمعات المجاورة عبر الحدود في أنغول، ويعتبر المزارعون البريطانيون توفير المبيدات والبذور المحسنة، التي لا يحلم بها نظراؤهم الناميبيون، أمراً مفروغاً منه، ويملك المزارعون في بريطانيا مجففات لمنع تعفن الحبوب ومخازن غلال يمكن التحكم بدرجة حرارتها لأغراض التخزين، وبالإضافة إلى مرافق التخزين البارد، يملك المزارعون البريطانيون شاحنات مبردة لنقل الحليب والمنتجات الأخرى القابلة للتلف، وبالتالي فإن الخسائر على مستوى المزرعة منخفضة للغاية. بحسب ايرين.

ويتم بيع أكثر من 75 بالمائة من المواد الغذائية البريطانية عن طريق أربع سلاسل سوبر ماركت كبيرة فقط يمكنها فرض الأسعار والمنتجات، ويحدث بعض الإهدار لأسباب تجميلية، حيث يتم التخلص من بعض ثمرات الفاكهة والخضروات لأنها ليست بالحجم المناسب، أو ملتوية جداً، أو مغطاة بالنتوءات، أو لونها غير مناسب.في الوقت نفسه، يقول تقرير الفاو أن القضايا الأساسية، مثل عدم وجود مرافق تخزين وصعوبة الوصول إلى أي سوق تتسبب في جزء كبير من خسائر الأغذية في البلدان النامية، وأفاد شيفاجي باندي، مدير قسم الإنتاج النباتي والحماية في منظمة الفاو، أن البلدان النامية تخسر نحو 630 مليون طن من المواد الغذائية سنوياً، 30 بالمائة منها على مستوى الحقل"، وقال أندرياس شيمبولويني، مدير مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ناميبيا، أن الحد من هذه الخسائر "يجب دمجه في استراتيجيات الحكومات لأن صغار المزارعين لا يستطيعون القيام بذلك بأنفسهم"، وتضطر بلدان نامية عديدة للتعامل مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، مما يزيد من فرص تعرض المحاصيل للآفات والتلف، وقال باندي أن جميع البذور المتاحة للمزارعين تقريباً في البلدان المتقدمة مقاومة للأمراض وتقلبات درجات الحرارة، ولكن نادراً ما تتوفر هذه البذور في البلدان النامية، ومنظمة "براكتيكل أكشن" هي واحدة من العديد من المنظمات غير الحكومية التي تبحث عن حلول للبلدان التي لا تكون فيها الكهرباء والثلاجات في متناول معظم الناس، وقال نيل نوبل المسؤول بخدمة المعلومات التقنية التابعة لها أن المنظمة طورت نوعين من أنظمة التبريد يجري اختبارهما في السودان ونيبال، النظام الأول عبارة عن جرة فخارية تتكون من غرفتين إحداهما ممتلئة بالمياه من أجل الحفاظ على برودة المنتجات المخزنة في الغرفة الداخلية.

وقد تم تقديم هذه الطريقة على مستوى الأسرة في السودان لمساعدة الأسر على تخزين الخضروات والفاكهة لفترات أطول، أما نظام التبريد الآخر فيتم بناؤه على الأرض بالطوب الطيني باستخدام نفس المبد، وأفاد نوبل قائل، "يمكنك تخزين كميات أكبر في هذه الحاويات، بما في ذلك الحبوب الأساسية"، ولكن في بريطانيا، يستطيع المزارعون الهروب من طغيان محلات السوبرماركت، ففي سوق للمزارعين أقيم مؤخراً في شمال لندن، اشتمل كشك غاري كوكس على باقات من البصل الأخضر بأوراق ملتوية وبعض الجزر الأبيض غير المنتظم الشكل، ومع ذلك كان هناك أشخاص راغبون بالشراء، ويرى تقرير الفاو أن هذه المبيعات المباشرة هي إحدى الطرق لإحراز تقدم، لأنه يقول أنه على الرغم من أن محلات السوبرماركت تبدو مقتنعة بأن الزبائن لن يشتروا الطعام ذا المظهر غير المناسب، إلا أن الدراسات تشير إلى أن الناس في الواقع أقل تدقيقاً من ذلك، وقال كوكس "نحن واعون جداً للهدر"، ويبيع كوكس بعض المنتجات مباشرة إلى المطاعم، ويتم تسليم البعض الآخر إلى المنازل، وتذهب أي كميات لا يتم بيعها في سوق الأحد إلى متجر التخفيضات حيث تباع بأسعار زهيدة، وأضاف قائلاً "وما لا يتيسر بيعه، يتم تحويله إلى سماد ووضعه مرة أخرى في التربة، وبالتالي لا يُهدر"، هناك دلائل على أن محلات السوبرماركت الكبيرة آخذة في التغير، إذ تملك إحدى سلاسل السوبرماركت، وتدعى "سينسبري"، الآن مجموعة من المنتجات "الأساسية" الأرخص سعراً، ويتم الإعلان بصراحة عن عيوبه، فهناك البطاطس المشوهة الشكل من الخارج، والجزر غريب الشكل، مع ذلك، ما زالت بعض المنتجات الجيدة تماماً تُقابل بالرفض، فعلى سبيل المثال، جلب الربيع الدافئ لأحد المزارعين بعض ثمار الخيار الرائعة للغاية.

وانتهى المكان بهذا المحصول في "بيبلز سوبر ماركت" في بلومزبري، بوسط لندن، وقال توم سميث، المدير المناوب هناك أن الخيار الضخم يُباع بشكل جيد، "كما يوفر لنا المزارع ثمار الخيار الملتوية التي تحصل عليها في المحصول الثاني، لا تقترب محلات السوبرماركت الكبيرة مثلاً من هذا الخيار ولكننا نجد أنه يحظى بشعبية كبيرة"، وأخبر باندي من منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن الخضروات والفواكه الغضة ذات نسبة السكر المرتفعة هي الأكثر عرضة للتعفن والتي تمثل أكثر الأطعمة التالفة في البلدان النامية، وأشار سميث إلى أنه من حيث الحد من الهدر، كانت الانطلاقة الحقيقية هي قرار الشركة فتح مطبخ في المتجر لاستخدام المنتجات التي لا تُباع، ويعد قسم الأطعمة المطهية أحد أكثر الأقسام ربحية، وبذلك لا يتم التخلص سوى من حوالي 2 بالمائة من المنتجات الطازجة، ويبيع سميث أيضاً المنتجات الطازجة غير المعبأة، بدلاً تعبئتها مسبقاً، وبالتالي يمكن للعملاء شراء ما يحتاجون إليه فقط، ولا يوجد تاريخ يتوجب البيع قبله، وبالتالي لا يتم التخلص من المواد الغذائية قبل الأوان، وقد تناول تقرير الفاو كلتا النقطتين، وانتقد أيضاً محلات السوبرماركت لتقديمها عبوات أكبر حجماً، أو عروض "اشتري واحدة، واحصل على الثانية مجاناً"، التي تشجع الزبائن على شراء أكثر من حاجتهم، بدلاً من مجرد خفض الأسعار، ويبدو أن المهدرين الحقيقيين للمواد الغذائية في المملكة المتحدة هم الزبائن، وليس أصحاب المتاجر، إذ تتخلص الأسر البريطانية من 8.3 مليون طن من الأغذية كل عام، مقابل 6.5 مليون طن تُفقد في سلسلة التوريد، وفقاً للأبحاث التي قامت بها خطة الحد من النفايات، وتقيم سيان في لندن ولديها ثلاثة أطفال تقل أعمارهم عن ست سنوات، وقالت عن محاولتها الحد من هدر الطعام "إذا لم يأكل الأطفال ما يوضع أمامهم، أشرح لهم أن ما يقومون به هدر للطعام وأن هناك أناس في العالم ليس لديهم ما يكفي من الطعام، ولكن حتى أكبر أبنائي الذي يبلغ من العمر خمس سنوات يعتقد أن كل مكان في العالم يشبه هذا المكان، فهم لا يستطيعون تصور حالة عدم وجود ما يكفي من الطعام"، لكن في نهاية المطاف، وكما جاء في تقرير منظمة الأغذية والزراعة، فإن "أهم سبب لإهدار الطعام على مستوى الاستهلاك في الدول الغنية هو أن الناس ببساطة يستطيعون تحمل نفقات إهدار الطعام".

العالم يرمي ثلث الطعام

في سياق متصل يعاني الملايين حول العالم من مجاعات قاتلة، بينما ترتفع أسعار الأغذية وتتضخم بشكل شبه يومي تقريباً، الأمر الذي يقلق الحكومات، وخاصة في الدول النامية، التي بات أمنها الداخلي مهدداً جراء الفقر المتزايد، ولكن الحقيقة الصادمة التي أعلنها تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة هي أن العالم يرمي سنوياً ثلث إنتاجه من الطعام، فبحسب التقرير، يتخلص البشر، وخاصة في الدول المتقدمة، من 1.3 مليار طن من الأغذية سنوياً، ولتقريب الصورة إلى الأذهان، يمكن للناس التخيل أن كل مواطن من الشعب الصيني الذي يبلغ تعداده 1.3 مليار شخص يقوم سنوياً برمي طن من الأطعمة بسلة المهملات، وبحساب الأرقام، فإن الدول الغربية الصناعية ترمي أكبر كمية من لأغذية نسبة لأعداد السكان، بحيث يتخلص كل فرد من كميات تتراوح بين 95 و115 كيلوغرام من الأطعمة سنوي، في حين أن الدول النامية، وخاصة في آسيا وفي جنوبي الصحراء الأفريقية، وهي من بين الأفقر في العالم، فلا تتجاوز حصة الفرد فيها من الأغذية المرمية سنوياً إلا 11 كيلوغرام مقارنة بغيرها من الدول. بحسب السي ان ان.

وترمي مجموعة الدول الأكثر ثراء في العالم سنوياً 222 مليون طن من الأغذية، ما يعادل تقريباً كامل إنتاج دول جنوبي الصحراء الأفريقية البالغ 230 مليون طن من الأغذية سنوي، وتأتي هذه الأرقام في وقت يشتكي فيه العالم من ارتفاع مفرط وتضخم في أسعار الأغذية، فقد أعلنت الصين أن تلك الأسعار ارتفعت 11.5 في المائة بأسواقها مقارنة بالعام الماضي، بينما ارتفع الأسعار بنسبة 8.5 في المائة في الند بالفترة نفسها، وستة في المائة بالولايات المتحدة مقابل 15 في المائة بجنوب أفريقيا، ما يظهر الحاجة لتوفير الغذاء، وتقدم منظمة الأغذية العالمية التابعة للأمم المتحدة مجموعة من النصائح لمواجهة هذا الواقع، بينها الدعوة إلى عدم تشديد القيود المتعلقة بشكل ومنظر الفاكهة والخضار المعدة للتصدير، إذ غالباً ما يصار إلى التخلص من المنتجات الزراعية التي تظهر بعض الخدوش على قشرتها الخارجية لمجرد أن الدولة المستوردة سترفضها.

الغذاء أسعار ومفاهيم

من جانب اخر تتاقص المواد التي تضعها ببانو بيبي في سلة التسوق الخاصة بها مرة بعد مرة، فعندما تذهب للتسوق الآن في العاصمة البنغالية دكا، تنفق أكثر مما كانت تنفقه منذ عام، ولكن هذا المال يشتري سلعاً أقل، ففي عام 2010، كانت بانو بيبي تستطيع شراء العدس وصابون الغسيل والأسماك المفضلة لدى أفراد أسرتها مقابل 134 تاكا (1.80 دولار)، أما هذا العام فتضطر لإنفاق 185 تاكا (2.50 دولار) لشراء السلع الأساسية فقط، وهي المزيد من الأرز للتعويض عن عدم وجود غيره من المواد الغذائية، والخضروات الأرخص ثمن، وتسكن بانو بيبي في واحد من بين ثمانية مجتمعات وقع عليها اختيار فريق البحث التابع لمعهد الدراسات الانمائية في المملكة المتحدة لتتبع آثار ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وبمساعدة المنظمات الشريكة في بنجلاديش وزامبيا وإندونيسيا وكينيا تحدث الفريق على مدى ثلاث سنوات إلى الناس في مجموعة مختارة من المجتمعات الريفية والحضرية حول كيفية تأثير ارتفاع الأسعار على حياتهم، وتجربة بانو بيبي نموذجية إلى حد بعيد، فأسرتها لا تتضور جوعاً، إذ لا يزال لديها طعام، ولكنه ليس الطعام الذي تحبه، كما أنه ليس مغذٍ كما يجب، وكانت الأسرة تأكل كمية أكبر وأنواعاً أفضل قبل صدمة أسعار الغذاء والأزمة المالية في عام 2008، وفي جميع أنحاء العالم، يضطر أرباب الأسر إلى العمل بجدية أكبر، وقضاء وقت أطول في التسوق أو البحث عن الطعام، والتخطيط بعناية أكبر لتعديل ميزانياتهم من أجل إطعام أفراد أسرهم، وقد تكلمت امرأة من لانغو بايا في كينيا، بلسان حال الكثيرين عندما قالت للباحثين، "إنك تذهب إلى متجر لشراء شيء بنفس المبلغ الذي دفعته في اليوم السابق، ولكن يُقال لك أن الأسعار قد ارتفعت"، وعلى الرغم من أن أسعار الغذاء والوقود انخفضت بعد الارتفاع الأولي الذي حدث عام 2008، إلا أنها لم ترجع إلى مستوياتها السابقة، بل ارتفعت مرة أخرى هذا العام، وقد تمكنت دولة واحدة، فقط من البلدان الأربعة التي شملتها الدراسة وهي زامبيا، من تنفس الصعداء هذا العام، إذ لم يزداد سعر الذرة، الغذاء الرئيسي في البلاد.

وبينما ركزت الدراستان السابقتان على الآليات التي استخدمها الناس لمواجهة ارتفاع الأسعار، قرر الباحثون هذه المرة طرح بعض الأسئلة السياسية أكثر مثل، لماذا يعتقد الناس أن الأسعار مرتفعة إلى هذه الدرجة؟، ومن الذي يُفترض أن يقع عليه اللوم؟، وماذا يتوجب عمله حيال ذلك؟، وقالت نعومي حسين، قائدة فريق البحث، مؤخراً في محاضرة لها في جامعة ساسكس، "لقد كان وقتاً مثيراً للاهتمام في ظل الحراك السياسي العربي والاضطرابات المنتشرة في أنحاء مختلفة من العالم، ولذلك أردنا أن نعرف كيف يشعر الناس حيال ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود"، وقد تزامنت محاضرتها مع نشر تقرير أعدته المؤسسة الخيرية البريطانية "كريستيان إيد" حول أسباب ارتفاع الأسعار العالمية، وقد حلل التقرير التحركات الأخيرة في أسواق السلع الأساسية، وخلص إلى أن صناديق الأموال الاحتياطية التي كثيراً ما يقع اللوم عليها لم تكن المذنب الحقيقي، بل تم توجيه اللوم إلى صناديق التقاعد بالتحديد، فهذه الأخيرة تملك مبالغ ضخمة من المال، وكانت تنسحب من الأسهم المتقلبة وتستثمر في صناديق مرتبطة بسلة من أسعار السلع الأساسية، مما اضطر مديري الصناديق لحماية مواقعهم الاستثمارية عن طريق شراء السلع الآجلة بنطاق يسمح بتحرك السوق بأكمله، وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية أصبح الآن ظاهرة عالمية تُذكر على نطاق واسع في وسائل الإعلام، إلا أن الناس الذين تحدثت إليهم حسين وزملاؤها كانوا يبحثون عن أسباب داخل بلدانهم فقط، فذكروا الاكتناز والمضاربة وتغير المناخ والمشاكل البيئية في مناطقهم، كما ألقت الأغلبية الساحقة باللوم على فشل حكوماتهم في الاهتمام بالفقراء، وقال أحد الأشخاص الذين التقى بهم الفريق في بنجلاديش "لا أصدق قصة السوق العالمية هذه على الإطلاق، إنه مجرد عذر تقدمه الحكومة لعدم قيامها بأي شيء"، وتصف حسين "الفشل الحقيقي للمجتمع المدني العالمي في إقناع الناس بكيفية ارتباط سبل معيشتهم بالاقتصاد العالمي"، وأضافت قائلة، "لست مندهشة من أن الناس يفضلون الأسباب المحلية، لأنها تعطيهم شعوراً بالوعي الذاتي، فإذا كانت المشكلة عالمية، فماذا يمكنهم أن يفعلوا؟".

ولكن حسين تُبدي بعض التعاطف مع الحكومات، فعلى سبيل المثال، توجد اليوم خطط للحماية الاجتماعية أكثر من تلك التي كانت موجودة وقت إجراء الدراسة الأولى، على الرغم من أن الحكومات تقلص ميزانياتها، ومع ذلك لا يُنسب إليها إلا القليل من الفضل، ويقترح أولئك الذين يعتقدون أنه يتعين على الحكومة "القيام بشيء ما"، حظر الصادرات والسيطرة على الأسعار ومعاقبة المكتنزين ودعم المواد الغذائية الأساسية، كما وجد الباحثون أن هناك شعوراً بأنه من واجبات الحكومة الأخلاقية أن تُعيل شعبها، ويتم ربط ذلك أحياناً بمفاهيم الديمقراطية، وقد أخبرت امرأة في كينيا فريق البحث أن "الدستور الجديد يعطينا الحق في أن توفر لنا الحكومة المواد الغذائية"، وقد امتد الحس الأخلاقي أيضاً إلى مجتمع الأعمال، فقد أفاد طبيب في منطقة ريفية في بنجلاديش "أن رجال الأعمال يجب أن يكتسبوا بعض التعاليم الأخلاقية، فإذا كانوا يخشون الله ويديرون أعمالهم بأمانة، فإن الوضع سيتحسن"، وتقول حسين أنه بصفة عامة "هناك إجماع شعبي حول ما هو مشروع، فيما يتعلق بالمعايير والالتزامات الاجتماعية، فالناس يضعون حدوداً أخلاقية لحرية الأسواق"، ولكن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ليس خبراً سيئاً للجميع، فقد أشار اكزافيار سيريرا، زميل معهد الدراسات الإنمائية إلى أن ارتفاع الأسعار جاء بعد فترة طويلة من انخفاض أسعار المواد الغذائية، الذي كان قاسياً على المزارعين، وأضاف قائل، "يجب علينا دائماً أن نطرح هذا السؤال، ما هو السعر الحقيقي للغذاء وكيف يمكن للحكومات أن تضمن شبكات أمان أفضل للفقراء، وأن تتأكد في نفس الوقت من أن يعيد التجار فوائد ارتفاع الأسعار إلى المنتجين؟ الدليل على ذلك أن المزارعين يحصلون على بعض الفوائد ويتجاوبون مع هذا التوجه، ولكنهم لا يحققون الاستفادة الكاملة من ارتفاع الأسعار".

ازمة شرق افريقيا

بدورها حذرت وكالة أمريكية عاملة في مجال الإغاثة من تواصل أسوأ أزمة غذائية في العالم في منطقة القرن الافريقي شرقي أفريقي، وقالت شبكة التحذير المبكر من المجاعات (فيوسنيت) إن أكثر الدول تضررا هي اثيوبيا وكينيا والصومال، وأضافت أن هناك حاجة عاجلة إلى دعم كبير لانقاذ الأرواح وعلاج سوء التغذية المزمن، وشددت المنظمة على أن حجم العون الإنساني الحالي غير كاف، وأضافت في بيان إن منطقة القرن الأفريقي شهدت معدلات أمطار أقل من المتوسط بصورة كبيرة لموسمين متتاليين، مما أدى إلى واحدة من أكثر السنوات جفافا منذ عام 1995، وأوضح البيان أن زراعة المحاصيل قد فشلت، بينما ظلت اسعار الحبوب مرتفعة، وخلصت المنظمة إلى أن هذه أقسى أزمة أمن غذائي في العالم اليوم، وحذرت فيوسنيت من أن الأسر الفقيرة "في جنوب اثيوبيا وبعض المناطق الرعوية من الصومال" لا تستطيع الحصول على المواد الغذائية الضرورية للبقاء على قيد الحياة، وأشارت المنظمة إلى أن نسبة سوء التغذية في المنطقة بلغت أكثر من 20 في المئة حسب مسح أجرى مؤخرا، وأن أكثر من سبعة ملايين شخص في حاجة إلى عون إنساني.

اطفال الصومال

من جهة اخرى أطلقت الأمم المتحدة نداء طالبت فيه التحرك سريعا لمواجهة سوء التغذية الذي يصيب طفل صومالي واحد من أصل ثلاثة أطفال بفعل الجفاف وارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية، وحذر مارك بودن منسق الشؤون الإنسانية للصومال في الأمم المتحدة "علينا التحرك سريع، وإذا لم نفعل الآن، فسوف تقضي مزيد من الأرواح بسبب سوء التغذية"، وشرح "نواجه خطر تسجيل ارتفاع غير مسبوق في مستوى الوفيات منذ عشر سنوات"، موضحا أن الصومال تسجل مع 30% من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، المستوى الأعلى في إفريقي، أما أصابع الاتهام فتوجه إلى الجفاف الذي ضرب البلاد العام الماضي والذي ترافق مع ارتفاع في أسعار الأغذية بلغ 270%، فأضاف بودن أن "ذلك خلق وضعا في الصومال عجزت خلاله شرائح واسعة من المجتمع من تلبية حاجاتها الغذائية"، وبحسب ما أشار، فقد تم تلبية 40% من النداءات لتأمين المساعدات، وقد أصاب الجفاف الأسوء منذ 60 عاما في بعض مناطق القرن الإفريقي، أكثر من 10 ملايين شخص، ما جعل مجموعات من أهالي الريف في كل من كينيا والصومال وأثيوبيا تواجه مشاكل خطيرة في سوء التغذية، بحسب ما شرحت الأمم المتحدة معبرة عن قلقه، وبحسب بيانات المنظمة، فإن الجفاف يطال 3،2 ملايين شخص في كينيا و2،6 ملايين في الصومال و3،2 ملايين في أثيوبيا و117 ألف في دجيبوتي. بحسب فرانس برس.

توقعات حول الاسعار

من جانبها توقعت منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (الفاو) في تقريرها نصف السنوي الذي نشر مؤخراً ان تبقى الاسعار العالمية للمواد الغذائية الاساسية "مرتفعة وغير مستقرة" حتى بداية 2012، واوضح تقرير الوكالة الاممية التي يوجد مقرها في روما، "ان الاسعار المرتفعة والتقلبات ناجمة عموما عن عاملين، الانخفاض الكبير للمخزونات الغذائية وضعف زيادة الانتاج بالنسبة لمعظم الزراعات"، وحذرت الفاو من انه على الرغم من الافاق المشجعة في عدد معين من البلدان خصوصا اتحاد روسيا واوكرانيا، الا ان الاحوال الجوية المتوقعة "ندرة الامطار او في بعض الحالات غزارتها" قد تضر بانتاج الذرة والقمح في اوروبا او في اميركا الشمالية، ولفت ديفيد هلام الخبير في المنظمة الى "ان الوضع العام متوتر في ما يتعلق بالمنتجات الزراعية والسلع الغذائية الاساسية، واستمرار المستويات المرتفعة للاسعار العالمية يمثل تهديدا بالنسبة للعديد من الدول المنخفضة الدخل والتي تعاني من عجز غذائي"، والاسعار العالمية للسلع الغذائية التي ارتفعت مطلع العام الى مستويات ملحوظة خلال الازمة الغذائية في 2007-2008، سجلت تراجعا طفيفا (-1%) في ايار/مايو 2011، واثناء الشهر نفسه انخفض مؤشر الفاو لاسعار المنتجات الغذائية الى 232 نقطة، مقابل 235 نقطة في نيسان/ابريل، وفي ما يتعلق بالحبوب تشير التوقعات الحالية للعام 2011 الى محصول قياسي قدره 2،315 مليار طن، اي اكثر بنسبة 3،5% قياسا الى حصاد 2010، ويتوقع ان تصل المخزونات العالمية للحبوب مع انتهاء المواسم الزراعية في 2012 الى 494 مليون طن، اي بارتفاع 2% فقط قياسا الى مستواها عند بدء المواسم الذي كان ضعيفا جد، الا ان الطلب على الحبوب ازداد بشكل كبير بحيث ان محصول 2011 لن يكفي سوى بالكاد الاحتياجات الاستهلاكية ما يؤدي الى استمرار ارتفاع الاسعار. بحسب فرانس برس.

وفي سوق الزيوت فان مخزونات 2011 و2012 ستكون غير كافية لتغطية الطلب المتزايد، ما سيؤدي الى تخفيضات جديدة للمخزونات العالمية.في المقابل فان التوازن بين العرض والطلب العالميين على السكر يبدو على تحسن بسبب وفرة الانتاج المتوقع للعامين 2010 و2011 والذي سيتجاوز حاجات الاستهلاك للمرة الاولى منذ 2007-2008، وبالنسبة للحوم فان ارتفاع اسعار الاعلاف وبؤر الامراض الحيوانية ونفاد مخزونات المواشي حدت بحسب التوقعات من نمو الانتاج الذي يتوقع ان يبلغ 294 مليون طن في 2011، اي بزيادة 1% قياسا الى العام 2010، اما في ما يخص الاسماك بعد سنتين متتاليتين من انخفاض الاسعار، سجلت الاسواق قفزة هذه السنة. وفي العام 2011 سيتجه الانتاج نحو مستوى قياسي لكن الاسعار يتوقع ان تبقى مرتفعة بسبب ارتفاع الطلب للبلدان النامية، الى ذلك يتوقع ان تسجل فاتورة الواردات الغذائية العالمية في 2011 رقما قياسيا جديدا يبلغ 1290 مليار دولار اي بزيادة 21% قياسا الى 2010، وستكون البلدان ذات الدخل المتدني والتي تعاني من العجز الغذائي وكذلك البلدان الاقل تقدما الاكثر اصابة لانها ستضطر على الارجح للانفاق بزيادة نسبتها 27% و30% على التوالي على مستورداتها من المنتجات الغذائية قياسا الى العام الماضي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تموز/2011 - 23/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م