شبكة النبأ: من الملاحظ أن إنتاجية
الفرد العراقي قد هبطت الى ادنى مستوياتها، لاسيما في الوقت الراهن،
ولعل الاسباب التي تكمن وراء هذا الهبوط تبدو واضحة ومعروفة، لكنها
تحتاج في حقيقة الامر الى معالجات عميقة ومبرمجة، تقوم بها الجهات
الحكومية ذات العلاقة، وذلك من خلال خطط علمية حقيقية، تضعها لجان
متخصصة وتقوم بتطبيقها جهات تنفيذية متطورة ومتخصصة، تدعمها تشريعات
واضحة تحد من الخلل الخطير المتمثل بتواصل هبوط إنتاجية الفرد العراقي.
ومن أعمق الاسباب التي تقف وراء هبوط الانتاجية، هي البطالة او
العطالة حيث تعني المفردتان عدم توفر فرصة العمل المناسبة للفرد، وفقا
لقدراته ومهاراته المكتسبة او الموروثة.
في هذا الشأن تقول الاكاديمية هدى زوير الدعمي (إن شيوع البطالة
وشحة فرص العمل مقارنة بنسبة الراغبين بالعمل، وتفاقم البطالة يوماً
بعد يوم، سيكون لها آثار وانعكاسات اجتماعية واقتصادية وسياسية سلبية،
ودون أدنى شك تشكل هذه الآثار خطرا على المجتمع عند ارتفاع نسبة
العاطلين).
ولعل الخطر يتمثل بتدني الانتاجية للفرد والتي ستنعكس سلبا بصورة
مباشرة على الاقتصاد العراقي، وطالما أن العراق يعد من الدول الزراعية
بسبب كثرة أراضيه الخصبة، وتجذّر هذه المهنة بين سكانه منذ آلاف السنين،
فإن الاهتمام بالزراعة ينبغي أن يحتل اسبقية في اهتمامات الدولة، خاصة
أن هناك ايدي عاملة (فلاحية) متمرسة اكتسبت المهنة أباً عن جد، وتطورت
مع مرور الوقت لتصبح إنتاجية العراق الزراعية في بعض العقود، عالية حتى
تكاد تصل الى الاكتفاء الذاتي، خاصة في انتاج محصول الطماطم والبطاطا،
كما اشار الى ذلك بعض الخبراء المختصين، وبقيت انتاجية الزراعة في
تذبذب بين القبول والتدني منذ عقود.
فقد أشارت الدكتورة سهام كامل الخبيرة الاقتصادية في جامعة بغداد
الى (ان إنتاج محصولي البطاطا والطماطة عانى كثيرا من التذبذب الواضح
خلال الفترة من 1990 ولحد الان، مما اثر على حصة الفرد من الإنتاج
المحلي والذي تسبب بجعل حصة الفرد العراقي ضعيفة مقارنة بالمنتج
المحلي).
الامر الذي يفاقم من ظاهرة البطالة، إذ يتفق الجميع على ان هناك
نوعا من الترابط بين تدني الانتاجية والبطالة، فإذا تدنت انتاجية
الفرد، سنعرف بأن البطالة متفاقمة ويصح العكس بطبيعة الحال، لهذا لابد
أن تكون هناك خططا رصينة تعالج هاتين الظاهرتين المترابطتين.
فقد ذكرت الاكاديمية هدى زوير (ان عدم وجود معالجة حقيقة وملموسة
لتشغيل العاطلين وانقاذهم من ضنك العيش وخلق مصدر مستقر للرزق لهم، إلا
إن ذلك لم ياتي بمعالجات سريعة وملموسة في تطويق البطالة، حتى وصل
الحال إلى أزمة بطالة تخيم على المجتمع العراقي باسره، والسؤال الذي
تمليه هذه الظاهرة يتعلق بالأسباب الحقيقية والانعكاسات الكامنة
وراءها).
لذلك يبرز هنا دور الدولة في مجال التخطيط والتنفيذ، بسبب الامكانات
الكبيرة المتوفرة للدولة في مجال توافر الكفاءات المتخصصة في الاعداد
والتخطيط والتنفيذ معا، لكن تبقى سبل التنفيذ هي الاهم بعد التخطيط، إذ
يستدعي الامر وجود تشريعات مشجعة ورادعة في آن، ولعل الدولة والمؤسسة
المختصة بالتشريع هي الجهة الوحيدة القادرة على معالجة تدني انتاجية
الفرد في العراق.
فقد أشار الخبير الاقتصادي جان سيريل قائلا في احد بحوثه في هذا
الشأن (على الرغم من أن اتجاه العراق نحو اقتصاد السوق إلا إن دور
الدولة يجب أن يكون من خلال سياسة زراعية متطورة وإتباع أنظمة زراعية
حديثة لغرض تنمية القطاع الزراعي وتمكينه من منافسة السلع المستوردة
والتي تشبعت بها الأسواق المحلية، مع ضرورة رفع نسبة التخصيصات المالية
موجهة للقطاع الزراعي).
وهكذا نستطيع أن نحدد مكامن الخلل، ومن ثم البدء بمعالجتها بطريقة
سليمة، يمكن حصرها بضرورة أخذ الدولة (الحكومة ومؤسسة التشريع ووزارة
الزراعة) في معالجة هذه الظاهرة، من اجل القضاء على تدني إنتاجية
الفرد العراقي، التي لم تعد تنسجم مع تطلعات الجميع لبناء الدولة
المعاصرة. |