من وصايا المرجع الشيرازي وارشاداته

الى المؤمنين في شهري رجب وشعبان

شبكة النبأ: هذا التقرير يمثل مجموعة مقتطفات من توجيهات وارشادات المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف لمجموعات العلماء والمثقفين والاكاديميين والزوار والمقلدين، حول مختلف الموضوعات في شهري رجب وشعبان 1432، اقتبسناها من موقع مؤسسة الرسول الاكرم (ص) www.s-alshirazi.com.

بفكر أهل البيت وأخلاقهم يصلح العراق والعالم

قرأت قبل مدّة في إحدى الإحصائيات أن شباب العراق (بنين وبنات) يشكّلون نسبة إربعين بالمائة من مجموع سكان العراق، وهذه النسبة في دنيا اليوم هي نسبة رفيعة وجيّدة ومهمة جدّاً.

هذا الكمّ الكبير من الشباب إذا ربّي تربية صحيحة، خصوصاً في مجال العقيدة الصحيحة المستمدة والمأخوذة من عقيدة أهل البيت صلوات الله عليهم، وفي مجال الأخلاق، أي أخلاق الإسلام المتمثّلة بأخلاق أهل البيت صلوات الله عليهم، فإنه سينوّر وجه العراق، وسيغيّر المنطقة كلّها، بل سيؤثّر على العالم كلّه أيضاً.

يقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الأقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ». ومعنى هذا إن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه لو أعطيت له الأرض كلها وما عليها وفيها على أن يعصي الله تعالى في أن يسلب قشرة شعيرة من نملة فإنه لا يفعل ذلك أبداً. وهذه هي من عقيدة وأخلاق أهل البيت صلوات الله عليهم، فهل تجدون مثل ونظير هذه العقيدة وهذه الأخلاق عند غير أهل البيت صلوات الله عليهم؟

أما عقيدة وأخلاق المنحرفين عن أهل البيت صلوات الله عليهم فهو التكفير والتفجير وإرسال المفخّخين من السذج والجهلة وتفجيرهم وسط الأبرياء والعزل من النساء والأطفال والزوّار.

من المسؤول عن بيان ذلك لشعب العراق ولغيرهم من الشعوب في العالم؟

إن الجميع مسؤولون عن زرع فكر أهل البيت وعقائدهم وأخلاقهم صلوات الله عليهم التي هي بحقّ هي عقيدة الإسلام وفكر الإسلام وأخلاق الإسلام، حتى المرأة الأمية التي تمارس مهنة ربّة البيت، وحتى العامل الأميّ الذي يعمل في المصانع والورش.

إنّ المسؤول الأكبر في هذا المجال هي الحوزات العلمية والجامعات. فالمسؤولية على هاتين الطائفتين من المجتمع أكبر من غيرهم، لأنه بتخصّصهم وممارساتهم يستطيعون أن يتعلّموا علوم أهل البيت صلوات الله عليهم ويعلّمونها للآخرين أكثر من غيرهم. وهذا الأمر بحاجة إلى العزم والهمة.

قال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «المرء بهمته لا بقنيته». فالإنسان لا يستطيع أن يطير بماله إذا لم تكن عنده همّة، ولا يطير بعلمه إن لم تكن عنده همّة، وكذلك لايمكنه أن يطير بشخصيته ولا بعيشرته ولا بحزبه إذا لم تكن عنده همّة. وأما إذا كان صاحب همّة فإنه يطير حتى وإن لم يكن عنده مال أو شخصية أو عشيرة أو حزب.

أنتم، سواء كنتم دكاترة أو عمداء أو أساتذة أو طلبة، حاولوا أن تكونوا عند مسؤوليتكم، وذلك بأن تتعلّموا علوم أهل البيت وفكرهم وعقائدهم وأخلاقهم صلوات الله عليهم، وأن تنقلوا ما تتعلّمونه إلى غيركم وإلى الآخرين، كل في مجاله وبمقدار طاقاته وبكل ما تستطيعون، حتى يُصنع ـ بسببكم ـ بالمستقبل القريب في العراق شعب يحمل فكر أهل البيت صلوات الله عليهم ويقوم بنشر هذا الفكر. وحتى يكون العراق في المستقبل عراقاً صالحاً في نفسه، ومصلحاً لغيره.

التعبئة العلمية والتقوى أساس التوفيق والخلود

قال الله تعالى: «مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ»

هذه الآية الكريمة هي خطاب قرآني لكل البشر. فكل واحد منّا مخاطب بهذا الكلام الإلهي، سواء كان رجلاً أو امرأة. ومعناه أن كل شيء في هذه الدنيا ينتهي إلاّ ماكان لله تعالى. فالإنسان يعيش في هذه الدنيا لفترة ما، كأن يعيش خمسين سنة أو مائة أو أكثر، وكل ما يرجع إليه وما يخصّه وما يصرفه شخصياً سينتهي، فالشهوات تنتهي، وصحّة البدن تنتهي، وهكذا حبّ المال وحبّ الظهور والغضب والحسد. ولكن إذا صرف الإنسان كل تلك الأمور التي مرّ ذكرها وغيرها، إذا صرفها لله تبارك وتعالى، فإنه سيبقى ذكره ويخلد إلى ما شاء الله تعالى.

إن الله عزّ وجلّ جعل محمّداً وآل محمّداً صلوات الله عليهم أجمعين، جعلهم الوسيلة إليه، فاصرفوا حياتكم لهم صلوات الله عليهم، فما كان لأهل البيت فهو لله تعالى.

على المؤمنين جميعاً بالأخصّ طلاّب العلوم الدينية أن يحاولوا بأن لا يصرفوا لغير الله تعالى حتى دقيقة واحدة من حياتهم ومن عمرهم، إلاّ ما كان للضروريات، أي للأكل والنوم والاستراحة الضرورية. أي أن تكون عندهم تعبئة علمية جيّدة. هذا أولاً.

ثانياً: عليكم جميعاً أن تلتزموا بتقوى الله تعالى، وأن تكون هذه التقوى تقوى حقيقية، بأن تقطعوا ارتباطكم وعلاقتكم بالدنيا وما فيها من الشهوات والرغبات واللهو ونحو ذلك.

كلّ من ازداد التزاماً بالتقوى ازداد توفيقاً من الله تعالى، وازداد نصيبه لهداية الآخرين، وستكون صحيفة أعماله يوم القيامة أكثر نوراً.

عراق الغد هو عراق عليّ والحسين

إن الدول الكبرى بالأخصّ دول الغرب تتنازع على العراق، فكل يريد بسط سيطرته ونفوذه وثقافته وأفكاره على هذا البلد الجريح. ولهذا فنحن جميعاً تقع علينا مسؤولية كبيرة وخطيرة، فعلينا أن نسعى ونبذل الجهود الكبيرة لأجل إنقاذ العراق.

إنّ من أبرز وأهم مصاديق إنقاذ العراق الجريح هو العمل على توعية الشعب العراقي الأبي وتثقيفه بالثقافة الإسلامية، بالخصوص جيل الشباب الذين يبلغ عددهم أكثر من عشرة ملايين من مجموع تعداد سكان العراق.

 كل واحد من أبناء الشعب العراقي الجريح وبالأخصّ أهل العلم والمثقّفين والمفكّرين يتحمّلون مسؤولية ذلك، كل من موقعه ودوره، وحسب طاقاته وإمكاناته وقدراته. واعلموا أن ما تبذلونه من الجهود والمساعي في سبيل تثقيف وتوعية الشعب العراقي، بأي مقدار كان، سيكون مؤثّراً ومهماً في عملية إنقاذ الشعب العراقي الأبي.

لا شكّ إن عراق الغد هو عراق أهل البيت الأطهار، عراق عليّ والحسين صلوات الله عليهم أجمعين، وعراق المستقبل يحمل الكثير من بشائر الخير، فيجدر بمثقفيه ومفكّريه أن يسعوا إلى أن يكون لهم نصيب من هذا الخير وذلك بالمساهمة بجدّ واجتهاد في إنقاذه.

قيمة المرء ما يتعلّمه من أهل البيت

إن قيمة الإنسان ليست بماله أو بفقره للمال، ولا بصحته أو بمرضه، ولا بشخصيته الاجتماعية أو مقدار هذه الشخصية، ولا بشخصيته السياسية ولا بمقدار هذه الشخصية، لأن هذه القيم هي قيم الدنيا، وهي زائلة. فالإنسان في يوم ما تراه غنياً وفي يوم فقيراً، وفي يوم سليماً ومعافاً وفي يوم مريضاً.

أما القيمة الحقيقية والباقية ما ذكره الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وهي: ما يحسنه المرء.

إنّ كل واحد منكم وبعد خمس سنوات أو عشر أو أكثير، ستكون قيمته بما سيحسنه من العقائد الحقّة، عقائد أهل البيت، وما يحسنه من الأخلاق الفاضلة، أخلاق أهل البيت، وما يحسنه من الأحكام الشرعية التي بيّنها أهل البيت صلوات الله عليهم.

أي إن قيمة كل واحد منكم ستكون بمقدار ما تعلّمه من تلك الأمور الثلاث، وهي: العقائد، والأخلاق الحسنة، والأحكام، المستمدة والمأخوذة من تعاليم أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم.

لقد قضى الكثير من أمثالكم، من الماضين، حياتهم بجوار الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فصار أحدهم الشيخ الأنصاري، وصار أحدهم السيد بحر العلوم، وأحدهم الآخوند الخراساني، وأحدهم السيد كاظم الطباطبائي صاحب العروة. فأولئك رضوان الله تعالى عليهم كانوا ذات يوم مثلكم شباباً، ولكن صاروا عظماء بما أحسنوه.

أنتم الآن حيث تقضون حياتكم بجوار الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه أيضاً، حاولوا أن ترتفعوا بقيمتكم، وذلك بأن تجدّوا وتجتهدوا، وتقوّا عزيمتكم وتصمّموا على الدراسة، وعلى الالتزام بالتقوى. وحتى توفّقوا أكثر إن شاء الله تعالى.

بالنيّة والعمل الصالحين ننال رضا الله والمعصوم

إن الإمام المعصوم سلام الله عليه بإذن الله تعالى وقدرته يعرف كل شيء، وله دراية بكل شيء ويعرف كل شيء عن كل إنسان. فالذي يصل لزيارة الإمام المعصوم سلام الله عليه، سواء كان رجلاً أو امرأة، وعالماً أو جاهلاً، سيستفيد أكثر وأحسن من الزيارة إذا كانت نيّته صالحة وأعماله صالحة. وهكذا سيكون عندما يزور السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام أيضاً حيث هي من المفضّلات في بنات أهل البيت صلوات الله عليهم.

النيّة الصالحة: يعني أن ينوي الإنسان ويعزم ويصمّم على اجتناب المحرّمات، سواء المحرّمات التي بينه وبين الله تعالى، أو التي بينه وبين عباد الله كالأرحام والجيران وغيرهما.

أما العمل الصالح: فمعناه أن يحاول الإنسان في مثل هذه السفرات، أو يبدأ، بأن يصمّم على أن لا يمارس حراماً ولا يصنع حراماً ولا يعمل حراماً، بأن لا يكذب، ولا يستغيب، ولايهين مؤمناً أو مؤمنة، ولا يتّهم أحداً، وغيرها من المحرّمات. وهذه هي الخطوة الأولى التي يجدر بالمؤمنين والمؤمنات بالأخصّ زوّار أهل البيت صلوات الله عليهم أن يخطوها.

إنّ مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله في الخطبة التي ألقاها في استقبال شهر رمضان المبارك، ذكر العديد من الفضائل والمثوبات التي ينبغي على المؤمنين والمؤمنات أن يمتثلوا لها في هذا الشهر الفضيل، حيث ذكر صلة الرحم وقراءة القرآن، وإفطار الصائم، وإطعام الفقراء، ونحوه. وبعد ذلك سأله الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ماأفضل الأعمال في هذا الشهر؟ وكان سؤال الإمام سلام الله عليه لكي يعرف المؤمنون في ذلك الزمان وإلى يوم القيامة جواب الرسول صلى الله عليه وآله بهذا الخصوص. فقال النبي صلى الله عليه وآله: «ياأبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله». والورع يعني التورّع عما حرّمه الله تعالى، أي الاجتناب والترك.

أما الخطوة الثانية: وهي الدرجة الأرفع من الخطوة الأولى، ما ورد متواتراً في الروايات الشريفة عن المعصومين صلوات الله عليهم، بأن ينبغي للإنسان أن يعيش بين الناس بهذه الحالة وهذه الصفة، وهي ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة». ومعناه أن يحاول الإنسان بأن يتحمّل العناء والتعب بنفسه ولا يحمّله الآخرين. فالزوج مثلاً عليه أن يتحمّل التعب ولا يحمّله زوجته، والزوجة عليها أن تتحمّل التعب ولا تحمله زوجها. وهكذا يجدر بالإنسان أن يكون إن كان بين الأرحام والأصدقاء وزملاء الدراسة، وفي المسجد والحسينية. وهكذا يجدر بالمؤمنات أن يقمن به أيضاً.

جنّات الفردوس أجر من يخدم القضية الحسينية

إنّ كلّ ما يقدّمه المؤمنون والمؤمنات في سبيل خدمة القضية الحسينية والشعائر الحسينية المقدّستين، كالخدمة على المنبر الحسيني وعلى القنوات الفضائية والتلفاز والإذاعة والانترنت وفي الصحف والمجلاّت والكتب وغيرها من وسائل الإعلام، وكالخدمة في الحسينيات مثلاً والمساجد والهيئات والمجالس وحتى في بيوتهم، فإنه يسجّل في صحيفة أعمالهم مهما كان صغيراً، حتى ما لا يخطر على أذهانهم. فجمع أواني الشاي الفارغة يؤجرون عليه، وإناء السُكّر يجدونه بعيداً عن أحد المشاركين في مجلس العزاء فيقرّبونه له، يُحسب لهم، بل الغبار الذي يقع عليهم ولا يحسّون به، يثابون عليه أيضاً، ما دام في مجلس الإمام الحسين سلام الله عليه وفي سبيله. وكل شيء يقدّمه المؤمنون في طريق الإمام الحسين صلوات الله عليه، في كل المجالات، يثبّت في صحيفتهم ويكافؤون عليه بالدنيا والآخرة.

علينا أن نسعى إلى خدمة الإمام سيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه بقلوب مفعمة بالإخلاص والمحبّة والرأفة، وبالتحلّي بالأخلاق الحسنة الفاضلة وبالصبر والتحمّل. وهنيئاً لمن يستطيع أن يقدّم خدمة للإمام الحسين صلوات الله عليه ولا يتقاعس، وتعساً لمن يستطيع أن يعمل شيئاً في هذا المجال ولا يعمل، لأنه سيندم ويتحسّر يوم الحسرة والندامة. 

اقتدوا بالعلماء الصالحين لخدمة الإسلام

إن كبار المراجع والعلماء والفقهاء من السلف الصالح الذين خدموا الإسلام وخدموا أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، وبقى اسمهم وذكرهم خالداً إلى الآن وإلى ما شاء الله تعالى، إن أولئك رضوان الله تعالى عليهم كانوا مثلكم شباباً، لكن الذي خلّدهم وخلّد ذكرهم هو عزمهم على الاستفادة من الوقت كلّه واغتنام الفرص كلها في خدمة الإسلام، فكان مما نالوه من الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا هو خلود ذكرهم، فضلاً عما لهم من الثواب العظيم والأجر الجزيل في الآخرة.

أنتم إن أردتم أن تكونوا كأولئك، أي من العلماء الصالحين، وإن أردتم أن يبقى ذكركم خالداً مدى الدهور فعليكم أن تعزموا وتصمّموا بأن تقتدوا بأولئك الصالحين بالعمل على خدمة الإسلام وخدمة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم. ومن لوازم ذلك وضرورياته الاستفادة من الوقت كله ومن العمر كله ومن كل الفرص في التعلّم والتعليم.

فضائيات لنشر ثقافة اهل البيت

إن أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم هم النور والخير والأخلاق الفاضلة، ولكن العالم اليوم لا يعرف ذلك. وبالمقابل هناك المئات من الفضائيات لأهل الباطل ولأهل الفساد تقوم بنشر الفساد والضلال. فيجدر تأسيس قنوات فضائية تقوم بتعريف أهل البيت ونشر فكرهم وثقافتهم وأخلاقهم للبشرية جمعاء.

قبل أربعين سنة تقريباً عندما كنّا في كربلاء المقدّسة قرأت في مجلة دينية أن أحد علماء الأزهر قد استبصر بنور التشيّع، وكان قد أعلن أن سبب استبصاره وتشيّعه هو جملة قصيرة من دعاء للإمام زين العابدين صلوات الله عليه، وهي: «اللهم اجعلني أصول بك عند الضرورة». فقد أكّد بقوله: إن هذه الجملة القصيرة فتحت عليّ وأمامي آفاق في الدّقة العلمية، فشرعت بالبحث، وبحثت حتى وفّقت للتشيّع.

ربّ كلمة واحدة عن الإمام الكاظم أو الإمام الجواد صلوات الله عليهما تنقلونها على الفضائية فتكون سبباً في تغيير أمة تغييراً كاملاً.

أجر العمل لأهل البيت على قدر المشقّة فيه

إنّ الدنيا فيها المشاكل والمتاعب، وكل عمل في الدنيا فيه مشقات ومتاعب أيضاً، ويواجه سلبيات وإيجابيات، وتارة يستمر العمل وتارة يتوقّف. وهكذا حال الإنسان في الدنيا أيضاً. فترى الإنسان في يوم غنياً وفي يوم آخر لا يملك شيئاً أو فقيراً، وفي يوم معافى وفي آخر مريضاً، وفي يوم سعيداً وفي آخر حزيناً أو مهموماً. وهذه الأمور هي من السنن التي جعلها الله تبارك وتعالى في الدنيا، وتنطبق على كل شيء في الدنيا، وعلى كل إنسان. فالشاب الأعزب مثلاً تراه يعاني من مشاكل، والشاب المتزوّج يعاني من مشاكل، وهكذا الأمر بالنسبة لباقي الناس.

يقول الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «ثواب العمل على قدر المشقّة فيه».

كل من يعتقد ويؤمن بهذا الحديث فسوف لا يعرف للتعب معنى، وسوف لا يخطر في مخيلته أن يترك العمل أو يتوانى فيه أو يتذمّر منه، سواء كان عمله في المجال السياسي، أو المالي، أو الاجتماعي أو الديني وغير ذلك، بل حتى فيما يخصّ العائلة والمعيشة.

إن النموذج الأحسن والأفضل والأرفع في تحمّل المشاكل والمصاعب والمتاعب والآلام هو مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه وأخيه سيدنا العباس سلام الله عليه، حيث كانا صلوات الله عليهما يتحملاّن المصاعب والمصائب، الواحدة تلو الأخرى، فكان وجههما يزداد نوراً وعظمة وهيبة كلما نزلت بهما صلوات الله عليهما مصيبة أو تعب أو ألم.

إذن كل عمل لا يخلو من المشاكل والابتلاءات، ومن الزيادة والنقصان، ونحو ذلك، لكن المهم في ذلك هو أن أجر العمل وثوابه والهدايا التي سينالها العامل من الله تبارك وتعالى ستكون على قدر تحمّله للمشاكل والمشقّات.

إن الذين يوفّقون للعمل في سبيل خدمة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، بالأخصّ الذين وفّقوا للعمل باسم سيدنا العباس سلام الله عليه، عليهم أن لا يستسلموا للمشاكل والمتاعب والمصاعب أبداً، وأن لا يتوانوا ولا يتذمّروا، كي يزدادوا توفيقاً في الدنيا، وينالوا الأجر الكبير والثواب العظيم في الدار الآخرة.

الدنيا خير مكان لنيل رضا الله تعالى

إنّ الحياة الدنيا خير مكان لنيل التوفيق، ولنيل رضا الله تبارك وتعالى، فالصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه صار أباذر ونال المراتب الرفيعة لما عمله في الدنيا لله سبحانه. وإن حبيب بن مظاهر عليه السلام صار من خيرة الأصحاب والشهداء لما عمله في الدنيا أيضاً.

إن نيل التوفيق، ونيل رضا الله تعالى بحاجة إلى أمرين:

الأول: الإخلاص في النيّة.

الثاني: صحّة العمل. أي أن يكون العمل على خطى أهل البيت صلوات الله عليهم. فعلى المرء أن تكون له النيّة الخالصة لله تبارك وتعالى في كل خطوة يخطوها، وفي قيامه وقعوده، وفي كلامه وعمله.

الحفاظ على الشباب والشابات بالتثقيف

قال الله تبارك وتعالى في القرآن الحكيم: «ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»(سورة يونس: الآية 14). فيجدر بالمؤمنين بالعراق بالأخصّ رجال الدين وأهل العلم أن يزيدوا من جهودهم في سبيل تثقيف الناس بثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم. ففي هذه الحقبة المهمة وهذا الوقت العصيب من تاريخ العراق الجريح حاولوا وبشتى الوسائل أن تحافظوا على جيل الشباب والشابات، عن أن ينزلقوا في دوامات التيارات الفكرية الضالة والمنحرفة عن أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، بالأخص الشباب والشابات في معارفكم وأرحامكم وجيرانكم وغيرهم. واسعوا إلى أن تجذبوهم إلى طريق أهل البيت صلوات الله عليهم، وإلى زيارات أهل البيت، وإلى مجالس الأفراح والأحزان الخاصّة بأهل البيت صلوات الله عليهم.

مرارة الدنيا حلاوة الآخرة

يقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «مرارة الدنيا حلاوة الآخرة».

إنّ هذه الكلمة هي نِعم المنجد في الضراء وليس في السرّاء، وهي نعمة المواساة في المشاكل، وهي لا تهون المشاكل فحسب، بل تجعل الإنسان يشتاق إلى المشاكل.

كلما مررتم به من مراراة ومشكلة في سبيل الله تعالى وفي سبيل الحقّ، فإن هذه المرارات ستسرّكم وتفرحكم في الآخرة، فهنيئاً لكم هذه المشاكل وهذه المرارات. واعلموا أنه قد سبقكم لهذه المرارات وأضعافها، وأضعاف أضعافها، ومئات أضعافها، وألوف أضعافها، من المؤمنين الذين شدّوا أنفسهم إلى أهل البيت صلوات الله عليهم.

استثمار التغيير والحرية

إن شاء الله تعالى ستعم الحرية في كل مكان، ولكن يجب الحذر واليقظة، فإن المستفيد الأكبر من الحرية هم الغربيون والعلمانيون والشيوعيون والوهابيون والصوفيون، فيجب على المؤمنين أن يكونوا هم المستفيد الأكبر والأول من الحرية في طريق الحقّ. ومن أبرز وأهم مصاديق ذلك هو الامتثال لقول مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه، حيث قال: «يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس». فعليكم أن تهتموا بالشباب، بنين وبنات، في المدارس والجامعات وفي كل مكان، بأن تسعوا إلى جذبهم وتربيتهم تربية إلهية مستمدة من تعاليم أهل البيت صلوات الله عليهم بالأخصّ في مجالي العقائد والأخلاق.

إن العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة هي التي جعلت من رسول الله صلى الله عليه وآله أكبر زعيم على وجه الأرض، بعد أن كان مشرّداً وطريداً ومعذّباً من قبل قريش. فاسعوا إلى انتهاج هذا النهج الصحيح مع الناس، بالأخص جيل الشباب، والله تعالى هو المعين لكم وأهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

اجتناب الغضب سبب للسعادة في الدارين

عن مولانا الإمام الصادق صلوات الله عليه: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَارَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عِظَةً أَتَّعِظُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ وَلا تَغْضَبْ. ثُمَّ أَعَادَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ وَلا تَغْضَبْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ».

إن هذه الكلمة «لا تغضب» هي سبب لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وهي وصية من رسول الله صلى الله عليه وآله للجميع، رجالاً ونساء. فعلى الرجال أن يصمموا ويعزموا على أن لا يغضبوا، في البيت، وخارج البيت. وعلى النساء أيضاً أن يعزمن ويصمّمن على أن لا يغضبن في البيت وخارجه.

نشر الإسلام بحاجة إلى همم المؤمنين

إن رسول الله صلى الله عليه وآله تمكّن في المدينة المنوّرة من تطبيق الإسلام وتعاليمه وأخلاقه، فلما رأى الناس عظمة الإسلام وما فيه من القوانين والتعاليم التي تصبّ كلها في سعادة الإنسان، ولما رأوى عظمة خلق النبي صلى الله عليه وآله ورحمته وشفقته حتى بالأعداء، آمنوا بالإسلام، وخصوصاً في السنة الأخيرة من حياة النبي صلى الله عليه وآله التي سميّت بعام الوفود، حيث كان الناس يقدمون يومياً بالمئات وعلى شكل جماعات على النبي وكانوا يسلمون على يديه صلى الله عليه وآله، وذلك قوله تبارك وتعالى: «ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً».

إن البشرية اليوم لو تتعرف على الإسلام الحقيقي المتمثّل بإسلام رسول الله وإسلام الإمام أمير المؤمنين والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، فإننا سنرى يومياً دخول الملايين منهم في الإسلام، وهذا بحاجة إلى همم المؤمنين وبذلهم الجهود من أجل تعريف الإسلام للبشرية جمعاء.

إن الهند بلاد شاسعة وكبيرة ونفوسها كثيرة أيضاً، فيجدر بأتباع أهل البيت صلوات الله عليهم في الهند، بالأخصّ المنتشرين منهم في البلاد الأوروبية والأميركية وفي دول الخليج وغيرها من البلدان، أن يقوموا بتعريف ثقافة وفكر وسيرة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم للعالمين، وأن يعكسوا الصورة الحقيقة للإسلام كما عمل مولانا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، حتى يعرف الناس الإسلام ويدخلون فيه، ويسعدوا في دنياهم واُخراهم.

أفضل الأعمال وأحسنها تعلّم علوم أهل البيت

أنتم الآن شباباً وفي مقتبل عمركم، ووسائل التعلّم اليوم أكثر وأوفر وأسهل تحصيلاً من الماضي، فصمموا واعزموا على أن تكونوا كالشيخ الصدوق رضوان الله تعالى عليه، أي صمموا على سلوك طريق تعلّم علوم آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا بحاجة إلى أمرين:

الأول: الاستفادة من الوقت كلّه في التعلّم. فعلوم أهل البيت صلوات الله عليهم واسعة جدّاً وعميقة جدّاً، وبحاجة إلى المزيد من الجهود والسعي، فعليكم أن تأسسوا الأرضية الأساس والمقدّمة لتعلّم علوم أهل البيت صلوات الله عليهم، وهذه الأرضية هي إتقان العلوم الخمسة التالية: النحو، والصرف، والمنطق، ومعاني البيان، واللغة.

الثاني: الالتزام بتقوى الله تبارك وتعالى، في كل صغيرة وكبيرة.

إن أفضل وأحسن عمل يعمله الإنسان في هذه الدنيا وأفضل طريق يسلكه هو تعلّم علوم أهل البيت صلوات الله عليهم، فإني خلال حياتي لم أجد أحسن وأفضل من هذا الطريق. فعليكم بهذا الطريق، وجدّوا واجتهدوا فيه وابذلوا أقصى جهودكم وطاقاتكم، وحاولوا أن تشجّعوا وتحثّوا أقرانكم والآخرين على سلوك هذا الطريق، سواء من الأقارب والجيران وغيرهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/تموز/2011 - 22/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م