الحسن والحسين ومعاوية

عباس عبود سالم

اتذكر جيدا مدرس التاريخ في الثاني المتوسط، مطلع ثمانيات القرن الماضي، حين سألته لماذا ندرس العصر الراشدي، والاموي، والعباسي، ولا ندرس ثورة الحسين عليه السلام؟ من حسن حظي انه لم يتهمني بالشعوبية او الزندقة كما كان سائدا يومها، وقال بعد ان زينت وجهه ابتسامة خجلة.. كانت تدرس في الستينات.. ايام عبد الكريم قاسم.. بواقع فصل في كتاب التاريخ، وتجرأت اكثر وقلت له لماذا الغيت الآن؟ ضحك وقال اترك هذا السؤال يابني الامر يثير خلافات وفتن، والعراق فيه طوائف كثيرة.

عجبت لمن يختلف على مقتل الحسين (ع)، لكني عرفت الاجابة فيما بعد.. مثلما كان يعرفها غيري، فالتناقض في الروايات هو سمة تعاطينا مع التاريخ، وهو ما دعا المخرج العالمي الراحل مصطفى العقاد الى الاعتماد على نص وسطي جديد يتحدث عن قصة الاسلام.

في عقد التسعينات ومع انتشار الفضائيات والانترنت، وتكسر ادوات السلطة في حجب المعلومات، وصعود السمعي والمرئي، اي صعود الصورة وسقوط الكلمة كما يشاع، شجع ذلك على انتشار اقراص مدمجة، وافلام، واعمال درامية اكثر جرأة في التعاطي مع التاريخ نجح بعضها في سد شيء من ثغرات فهم التاريخ، واثار بعضها الاخر جدلا بين الناس.

اما اليوم فنحن امام محاولة من نوع جديد، نحن امام عمل يتجاوز الجرأة ليؤسس مرحلة جديدة من تزوير التاريخ واعادة صياغته وتوظيفه، العمل بعنوان (الحسن والحسين ومعاوية) بواقع ثلاثين ساعة تلفزيونية انتجتها شركة كويتية تدعى شركة المها لمخرج اردني هو عبد الباري ابو الخير، ونص لكاتبين سوريين، وبتكلفة 8 ملايين دولار توزعت بين مساهمات متعددة.

هذا العمل اثار ردود فعل وضجة كبيرة وانقسم علماء ومشايخ العالم الاسلامي الى رافضين، وموافقين.

مؤيدو العمل يقف في مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي، والباحث السعودي الدكتور سلمان العودة، والداعية الكويتي الدكتور طارق السويدان.

اما رافضو العمل فهم الاكثر يقف الازهر الشريف في مقدمتهم حيث اعلن موقفه منذ البداية، بالاستناد الى قرار مجمع البحوث الإسلامية بتحريم تصوير أو تجسيد الأنبياء، واهل البيت، والعشرة المبشرين بالجنة، اما اشراف مصر، فقد كان لهم رأي واضح منذ البداية ووقفوا ضد المسلسل بقوة، وعلى اعتبار ان الفكرة انطلقت من الكويت، انطلق صوت حجة الاسلام السيد محمد باقر المهري للاحتجاج ضد هذا العمل، ووافقه على فتوى التحريم خمسة من كبار مراجع الدين في قم.

سبب الرفض من قبل مؤسسات دينية من وزن الازهر الشريف، ينصب على الناحية الشكلية  لان تجسيد مثل هكذا ادوار سيعيش في بواطن الذاكرة، نستعيد صورته كلما ذكرنا هذه الشخصية، والغريب ان المخرج اسند دور الامامين المعصومين الى ممثلين اردنيين، انا شخصيا لا ارى انهما يمتلكان اقل قدر من التأهل من الناحية الفنية الشكلية، ويقال ان احدهما اشترك بتمثيل مسلسل عن الغجر في وقت سابق، فكيف يمكن ان يعيش هذا الشخص ليجسد شخصية بوزن الحسن او الحسين عليهما السلام، مثلما الفنان عبد الله غيث الذي جسد دور حمزة بن عبد المطلب(ع) في فيلم الرسالة.

هذا من ناحية الشكل اما المضمون للاسف اصوات قليلة هي من اعترض على ذلك باعتباره محاولة سيئة لاعادة انتاج التاريخ، والعودة الى الديماغوجية السياسية والفكرية، وانكار وجود احداث جسيمة يحملها التاريخ، والجديد اليوم الاعتراف بهذه الاحداث لكن اعلان براءة الجناة وتسجيل الكارثة ضد مجهول، وهو ما عمد اليه صانعوا العمل، حيث القوا كل اللوم على (عبد الله بن سبأ) على انه من اثار الفتنة الكبرى، متناسين ان السواد الاعم من العلماء والمؤرخين لاسيما الشيعة منهم يرون ان (بن سبا) شخصية وهمية لاوجود لها.

والاغرب والاخطر من وجهة نظري هو اعتبار، او الايهام بأن معاوية بن ابي سفيان، وابنه يزيد ممثلين لطائفة، والحسن والحسين لطائفة اخرى، وسبب خلافهما ادى الى انشقاق المسلمين الى سنة وشيعة، ويحاول صناع المسلسل الوقوف على الحياد بين الطائفتين، وعقد مصالحة بين الفريقين!!! يالها من سذاجة.. ويا لها من سقطة.. ومن مقارنة خاطئة من اساسها...

فالحسن والحسين بضعتا رسول الله، وسيدا شباب اهل الجنة هما الاسلام، ومعاوية متمرد خارج عن ولي الامر، اغتصب الاسلام لصالح اغراض شخصية، وحارب وابنه يزيد اهل بيت الرسول كما حارب رجال وعلماء وفقهاء السنة والشيعة على السواء، فمن الذي تنكر للشورى واسس دولة ازالت اسم الاسلام ورفعت اسم امية، وكانت بحق اعادة انتاج دولة المشركين، ومن الذي حرق الكعبة وقذفها بالمنجنيق واستباح اهلها ثلاثة ايام، ومن فتك باهل بيت الرسول بواقعة الطف.

ان تحميل عبد الله بن سبأ خطايا ماحصل، امر مضحك للغاية ويذكرنا بخطاب البعث والزعامات العربية التي ما انفكت تحمل الاستعمار والصهيونية والامبريالية اسباب التخلف والجوع والاستبداد وتبين فيما بعد انها مارست ابشع اكذوبة في التاريخ.

واقول وانا على يقين ان السكوت عن مثل هكذا تجاوزات سيمهد الطريق لانتاج اعمال تاريخية تبريء ابو سفيان وابو جهل من محاربة الرسول(ص)، وسيلقى اللوم على شخصية جديدة ربما فارسية، او تركية، او هندية، او من المحافظين الجدد، سيقال حينها انها حرضت على اقتتال ابناء العم اي بني هاشم، وبني عبد شمس، وليذهب المدون من التاريخ الى رفوف المكتبات حيث يغطيه الغبار، لان الذي يفهم منه (بضم الياء) هو الذي تحول الى مادة سمعية بصرية، كونها الاقدر على اختراق الحواجز والتأثير على الناس والمكوث ذاكرتهم وعقلهم الباطن.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/تموز/2011 - 19/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م