فائق الشيخ علي وأطروحته الجديدة

علاء الخطيب – لندن

يتجدد اللقاء برواد الملتقى العراقي للحوار والثقافة في لندن في حوار يغني الفكر والثقافة ويغني مسيرتنا ويثبت وجودنا الإنساني. وما لقاءنا في هذه الشهر الا لنتداول فيه موضوع حيوي هو العراق الحاضر الوجداني الأكبر, وحرصاً من الملتقى العراقي للحوار والثقافة ومن أجل خلق فضاءات ثقافية وضمن نشاطاته في لندن لهذا الشهر استضاف الملتقى السياسي العراقي الاستاذ فائق الشيخ علي في ندوة حضرها نخبة من المثقفين والإعلاميين والسياسيين والكتاب العراقيين والعرب المتواجدين في لندن.

 وإنعقدت الندوة تحت عنوان (العراق... الأزمة... المشاكل.. الحلول) وقد حاوره في هذه الندوة الإعلامي العراقي القدير الأستاذ فراس الحمداني. مستعرضاً بعض من السيرة الذاتية للضيف الشيخ علي وعبر مسيرته في معارضة الدكتاتورية منذ إنتفاضة العام 1991م وحتى سقوط النظام , ثم قدم أهم محاور النقاش.

 تحدث الشيخ علي في الندوة عن حالة الفساد المستشري في الدولة العراقي فقدم ارقاماً مذهلة لحجم السرقات والاختلاسات, وتحدث عن المحسوبيات والمحاباة الحزبية والعائلية والطائفية في التعيين الوظيفي دون النظر الى الكفاءة,وقال أن تكريس الطائفية في المجتمع العراقي تعتبر من أهم اسباب تدمير البلد , وعزا قوة العامل الخارجي الى وجود أذرع داخليىة تعمل على تنفيذ أجنداته في الداخل العراقي , وأشار الشيخ علي في هذا السياق أن معادلة غريبة نشأت في السياسة العراقية الحالية وهي اما ان تكون عميلاً لإيران أو عميلاً للولايات المتحدة,ثم تحدث عن الفرق بين الواجبات والانجازات للدولة معتبراً أن كثير من الانجازات التي يتبجح بها السياسيون العراقيون هي واجبات وليست إنجازات وتسائل هل يمكن إعتبار بناء مدرسة على سبيل مثال أو تبليط شارع أو تشيد جسر إنجاز ام واجب. وأشار الى غياب فكر ومشروع الدولة لدى السياسيين وهو يرى ضرورة تبني طرح جديد لحل المشكلة السياسية في العراق.

 قال الشيخ علي أن الساحة العراقية اليوم تحتاج الى طرح جديد قادر على تجاوز الأزمة الحالية التي تعصف بالبلد. وأن يكون الإنسان في هذا الطرح هو المقدم على الوطن بعد الله فيكون الشعار الجديد (الله – الشعب – الوطن) وأضاف أن العراق يحتاج الى فلسفة جديدة باستطاعتها ان تمد جسورها الى ابناء البلد على إختلاف مشاربهم االفكرية لأن العراق يتكون من خليط فكري تجد فيه اقصى اليسار كما تجد فيه أقصى اليمين ففيه العلماني والاسلامي فليس بمقدور أحد أن يلغي الآخر من هنا تنشأ الحاجة الى أطروحة تلائم الاثنين أطلق عليها (الديلمانية) التي تجمع طرفي المعادلة العراقية, لذا يعتقد الشيخ علي بضرورة نظريته التي تقدم أُسساً، يمكن وصفها بالمتينة لتأسيس حزب. حزب يهتم بالشعب أولاً وأخيراً.. لا بغيره. واسمه المقترح «حزب الشعب» يكون شعاره الله ـ الشعب ـ الوطن.

 ويؤكد ضيف الملتقى أن التركيز على مفهوم «الشعب» لاعتبار أن الحديث عن «الله» جلّ جلاله و«الوطن» أمر مفروغ منه في شعارات الدول. فإن «الشعب» في هذه الثلاثية، ليس فقط أزاح القائد أو الملك أو الرئيس وحلّ مكانه كما في الشعارات المتواجدة في الدول الأن عند دخولك المطارات او مرورك بالساحات العامة او على شاشات الفضائيات المملوكة للحكام، إنما جاء تسلسله ثانياً بعد الله (سبحانه وتعالى) وقبل «الوطن» الذي صار ترتيبه ثالثاً وفق هذه النظرية.

هذا هو ما يجب أن يكون عليه الشعار. فبعد الله (عزّ شأنه) يأتي الإنسان وليس الوطن.. بل إن الإنسان أكرم وأسمى عند الله (جلّت قدرته) من السماوات والأرض، وليس من الوطن فقط، الذي لا يشكل إلا جزءاً محدوداً من الأرض، والتي هي بالتالي لا تشكل إلا كوكباً في السماء، والسماء نفسها ما هي إلا واحدة من سبع سماوات طباق.

 ثم قال: لا يتوجب على انسان أن يموت من أجل وطن لا يمنحه كرامة أو خبزاً أو سكناً أو رعاية أو ضماناً، هذا فضلاً عن أن يموت من أجل قائد أو زعيم أو رئيس لا يستحق الحياة أصلاً، كونه عدو شعبه ووطنه. والوطن الذي لا يجد فيه الإنسان ما يحفظه ويُبقيه.. على هذا الإنسان أن يركله بقدمه، ويرحل عنه إلى وطن آخر، فالأرض وسيعة ورحبة.

وقد إنتزع ضيفنا هذا المبدأ من السنن الإلهية والمبدأ القرآني كما في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) النساء: 97

 أما أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم العيش بذُلّ وهوانٍ وامتهانٍ، تحت ظل الديكتاتوريات في بلدانهم، فهو ليس كما يزعمون ـ خطأ ـ حُباً واعتزازاً بوطنهم، وإنما خوفاً من الغُربة ومفارقة الأهل والأحبة، حيث لا أناس يعرفونهم في وطنهم البديل، فهم كما يصفهم القرآن بانهم ظلموا أنفسهم وظلموا الآخرين , وعلى هذا الأساس صار الشعب مقدماً على الوطن. ويحدد الاستاذ فائق أسس الحزب بثلاثية يبتكرها هي: (الديلمانية ـ الإشتمالية ـ القطمية).

الديلمانية في الحكم:

هي جمع لـ «الديني ـ العلماني» ومزاوجة بينهما، وهي تدعو إلى الأخذ بأنصاف المنهج «الديني» و«العلماني». هي ضرورة يحتمها الواقع العربي الذي نعيشه في دولنا. فمجتمعاتنا العربية مسلمة في أغلبها.. ولكن هذه الأغلبية ليست متدينة كلها، ولا مبتعدة عن الدين كلها. بعضها يجد في الدين ضرورة للمحافظة على القيم والأخلاق والتعامل في المجتمع، وبعضها يجد الدين خصوصية شخصية بين المرء وربه، والحياة يجب أن تسير بعيدة عن مظـاهر التدين والمحافظة والتزمت أحياناً.

 الإشتمالية في السياسة:

هي إدماج لـ «الإشتراكية ـ الرأسمالية» في السياسة الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعنا، وهي تدعو إلى الأخذ بمبادئ الاشتراكية كنظام اجتماعي، ومبادئ الرأسمالية كنظام اقتصادي.

 القُطمية في العلاقات:

ظلت دولنا العربية تعاني على مدى عهود من موضوع انتمائها، لدرجة أضاعت شعوبها معها، ليس تحديد هويتها فقط، وإنما ولائها أيضاً. فتارة نكون قطراً في منظومة، وأخرى منظومة في قطر. ومرة نرتمي طوعاً أو قسراً في أحضان قوى عظمى (الدولة العثمانية، بريطانيا، فرنسا، الولايات المتحدة.. الخ) وأخرى ننكفئ وننزوي لنبني دولتنا القطرية المستقلة، فنجد أنفسنا لا نستطيع الصمود والمقاومة أمام الآخرين، فنعود إلى حضن الدولة العربية الواحدة أو القوى العظمى. هذه الإشكالية ولّدت اضطراباً في سياسات دولنا العربية.

القُطمية هي خليط لـ «القطرية» و«القومية» في العلاقات الداخلية والخارجية. فعلى مستوى الداخل علينا أن نبني دولتنا «القطرية» كأبناء دولة واحدة. نتقاسم العيش المشترك، ويقبل أحدنا بالآخر، إذا ما كنا متعددي الطوائف والإثنيات. لا يعتدي أحدنا على الآخر، كي يبرر التدخل الخارجي لحماية المُعتدى عليه. أن لا يستقوي أحدنا بالخارج على ابن الداخل، كي يصادر حقه في الحياة والحرية والكرامة وممارسة حقوقه السياسية والمدنية، فيضعف من ولائه ومواطنته «القطرية». علينا أن نصنع دستورنا «القطري» بأيدينا، نضع فيه كل الكفالات والضمانات لأبناء الشعب الواحد في البلد الواحد. لا أن نستورد الحلول والفكر والزعامات من خارج بلداننا. نقرُّ ما يتلائم كل مع بلده، وتوزع السلطات والثروات بشكل عادل ومتوازن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/تموز/2011 - 18/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م