الاتفاق الخجول للكتل السياسية لتمديد بقاء القوات الأمريكية

ناجي الغزي

يتكرر الجدل الحاد والنقاش الجاد بين الكتل السياسية بعد أن أشرفت الاتفاقية الأمنية على الانتهاء المبرمة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية عام 2008 والتي تم بموجبها انسحاب القوات الأمريكية من العراق البالغ عددها 50 ألف جندي نهاية العام الحالي 2011.

ونظرا للرغبة الجامحة والطامعة للقوات الامريكية بالبقاء على أرض العراق, لذا فالتمديد أو الانسحاب هو الجولة الأصعب للمالكي وحكومته بسبب أتساع رقعة الخلافات بين شركاء العملية السياسية, ولعدم جاهزية القوات العراقية ومحدودية التسليح والتجهيز. ونرى السيد المالكي يرمي كرة التمديد بملعب القوى السياسية وينقل الحرج من حدود صلاحياته الى أروقة السياسيين وداخل قبة البرلمان.

والاتفاق حول التمديد يخضع للتوافقات كعرف سياسي عراقي, وعلى الرغم من كون مشروع التمديد وإبرام الإتفاقيات الدولية من حيث المنطق القانوني والدستوري هو مسؤولية الحكومة المتمثلة برئيسها باعتباره القائد العام للقوات المسلحة. يقدم مشروع التمديد كورقة الى البرلمان للمصادقة عليها متضمنة شرح مفصل لعدد القوات الامريكية التي تنوي البقاء والسقف الزمني ومناطق تواجدهم وجدوى بقاءهم على أرض العراق, إضافة الى تقييم جاهزية القوات الأمنية.

ولكن الرجل يخشى من الاتهامات الجاهزة, فضلا عن توظيف تلك الورقة سياسياً وشعبياً ضد سياسته المتوترة مع البعض, وضد حكومته المترهلة التي تعاني من سوء الأداء الخدمي. ولكن مايدور خلف الكواليس السياسية وبين أروقة السفارة الامريكية, قبول ورضى كبير من قبل زعماء وأعضاء القيادات السياسية لتمديد الاتفاقية بصيغة جديدة تؤمن وجود القوات الامريكية وتضمن للطرفين علاقة شراكة على أسس سياسية واقتصادية ودبلوماسية.

ومن خلال زيارة المسؤولين الامريكيين المتسارعة الى العراق هو مؤشر على تمديد بقاء القوات الامريكية في العراق. حيث قال وزیر الدفاع الامریکی الجدید "لیون بانیتا" في زيارة الاولى الى العراق أنه سیضغط على الحکومة فی بغداد کی تقرر مصیر الوجود العسکری الامریکی وملاحقة الجماعات المسلحة الذین یهاجمون القوات الامریکیة بصواریخ ایرانیة. مما اثارت تلك التصريحات التيار الصدري وزعيمه السيد مقتدى الصدر الذي قابلها بتهديد عالي النبرة وتحدي عسكري.

وأمريكا صاحبة مشروع النظام السياسي الجديد في العراق, تريد أن تحافظ على مكتسباتها السياسية والاقتصادية في العراق ومكتسبات العراق في التجربة السياسية. لانها لايمكن أن تترك العراق في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها العالم العربي عامة والعراق ومحيطه الجيوسياسي وأطماع جيرانه, بملء الفراغ الامني في حالة انسحاب أمريكا وقواتها. وهناك مبررات تقوم عليها بقاء القوات الامريكية من وجهة نظر الحكومة العراقية. باعتبار العراق لايزال ضعيف عسكريا ولايملك القدرة على الدفاع عن حدوده وسيادته. أضافة الى أنه لايزال تحت طائلة البند السابع وحماية أموال العراق من الحجوزات القضائية ودعاوى الدائنين, هي مسؤولية الولايات المتحدة الامريكية وهذا لايتم الا ضمن اتفاقية جديدة.

فضلا عن عدم اكتمال قدرات الجيش العراقي على مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية التي ربما يتعرض لها العراق. إلا أن العراق بحاجة ماسة الى مساعدة المجتمع الدولي بما فيها أمريكا, لكون العراق أصبح مصدر طمع لحدوده وموارده من قبل الدول الضعيفة والقوية. فضلا عن موقع العراق الجغرافي وتركيبته الاجتماعية اللذان يشكلان أخطر التحديات لبعض الدول المحيطة التي تريد أن تجعل منه حلبة لصراعها الايديولوجي والعقائدي من خلال حالة التنافر وعدم الانسجام التي تعيشها المنطقة.

والقوى السياسية العراقية رغم مشاركتها في الحكومة, إلا أنها تعيش حالة انقسام حاد وأزمة ثقة خانقة, تركت ظلالها وظلامها على المشهد السياسي وخلقت مشاكل متصاعدة جعلت عدم الاستقرار بين الشركاء السياسيين السمة الغالبة. وهذه الخلافات المتحركة والمتجددة زعزعت ثقة المواطن بالحكومة, وأضعفت هيبة الدولة وسيادة القانون. مما جعل دولة العراق بأن تكون فريسة سهلة لأضعف دول الجوار.

 لذا فأن وجود القوات الامريكية تحفظ العراق من تلك المخالب الطامعة وتحفظ المجتمع العراقي من الانزلاقات المحتملة التي تخلقها بعض الاحزاب وتنقلها الى الشارع. وهنا لانريد أن نبرر تمديد الاتفاقية ولكن تناول هذا الموضوع بتفاصيله الدقيقة تحتم علينا طرح الحقيقة بوضوح.

وإزاء هذا المشهد المتلاطم بكل حيثياته هل نصدق هذه المرة أمريكا ونحسن الظن بها بعد أن أخفقت بكل التزاماتها؟. فهي متهمة من قبل المثقف العراقي قبل غيره بتدمير العراق وبنيته المادية والبشرية, وجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات مع الجماعات الارهابية. وهنا من حقنا أن نشك بنوايا امريكا عند بقاءها فترة خمسة سنوات أضافة الى السنوات الثمانية الضائعة, التي لم تستطع من خلالها أن تؤسس للعراق منجز واضح في بنيته الاقتصادية والعمرانية والأمنية. كبناء جيش وطني يكتسب مهاراته المهنية من الجيش الامريكي, ويتسلح بعدة متطورة تواكب جيوش العالم المتحضر, تؤهله للدفاع عن حدوده وعن سيادته. أم تبقى أمريكا تسوف الزمن وتنهش بالجسد العراقي وتستنزق طاقته المالية من خلال عقودها العلنية والسرية وهيمنتها على الكثير من الملفات الحساسة.

وهل تستطيع أمريكا كما وعدت العراق بالاتفاقية المنصرمة, بإخراجه من البند السابع وترفع القيود عن أمواله وتجعلها طليقة دون أي ملاحقات قانونية؟ وهل تحترم السيادة العراقية دون المساس بها كما تفعل مع المانيا واليابان؟ ونحن هنا لانريد أن نلقي باللوم على أمريكا وحدها ونحملها مسؤولية عدم وفاءها بالتزاماتها القانونية والأخلاقية أتجاه العراق وشعبه. أكثر مما نلوم القوى السياسية السائرة في ركب السياسة الامريكية, التي لا تبالي لمستقبل العراق ولم تكترث لحجم الخراب والفساد المالي والأخلاقي الذي أصاب مؤسسات الدولة العراقية. وهنا لابد لنا أن نشير بجرأة الى السلوك السياسي المضطرب لزعماء وأعضاء الأحزاب السياسية والعلاقة المتشنجة بينهم وغير المتوازنة مع الادارة الامريكية.

وتبعاً للمعطيات التي تتحرك على الأرض بالنسبة لقدرة القوات العراقية المحدودة وعدم جاهزية القوات الامنية ستدفع تلك المعطيات الكتل السياسية على الاتفاق من أجل تمديد بقاء القوات الامريكية. والكتل السياسية منقسمة في مواقفها بالنسبة لقرار التمديد رغم ضغط الادارة الامريكية عليها فالبعض يرفض ويعلن بصراحة المقاومة ضد التواجد الامريكي وهناك من ينتظر رأي الحكومة ورئيسها ومنها من ينتظر الاجماع من قبل الكتل السياسية. وهذا الاتفاق الخجول يجعل تمرير الاتفاقية بلا موقف موحد أزاء التزامات الإدارة الامريكية وقواتها المحتلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تموز/2011 - 16/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م