إثبات المهدوية قرآنيا(2)

علي حسين كبايسي

البشرية عبر تاريخها تنشد الوصول إلى تحقيق العدالة وفق المفهوم الأمثل، لتحقيق الإستقرار والسلام والطمأنينة، وهذا لا يتأتى إلا بالوصول إلى إيديولوجية سياسية واقتصادية واجتماعية، وفق تصورات مثلى للعدالة.

 لما رفع نابليون بونابرت شعار الأخوة والمساواة والحرية، وبدء بالزحف على أوربا، قال يومها هيغل مستبشرا إنها نهاية التاريخ، ولكن سرعان ما تكشفت حقيقة زيف الشعار النابليوني، إذ تستيقظ أوربا من حلم نهاية التاريخ إلى كابوس الحروب التي تأتي على الحرث والنسل كالنار على الهشيم، ودائما مع أوربا ومن انكلترا ينادي كارل ماركس بالشيوعية على أنها نهاية التاريخ، بسقوط الرأسمالية وقيام الاشتراكية العلمية بحتمية الجدلية المادية، تأتي في مرحلة أخيرة الشيوعية، إلا أن الشيوعية بقيت حبرا على أوراق كتاب رأس المال، الاشتراكية أنتجت أنظمة استبدادية قمعية، وأهدرت كرامة الفرد، وانتهت قصتها مع سقوط الإتحاد السوفيتي، ثم جاء فوكوياما ليقول نهاية التاريخ مع النظام الرأسمالي متجسدًا في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن البشرى تبددت كغيمة صيف حار مع صراع الحضارات لهنتنغتون،، إدخال أمريكا العالم في مستنقع الحروب، والإرهاب الدولي، والأزمة المالية العالمية، فنهاية التاريخ أو قدوم اليوم الذي يسود الدنيا القسط والعدل، بعد ما ملئت جورًا وظلمًا، فطرة جبلت عليها البشرية.

إن قدوم اليوم الذي يسود الدنيا القسط والعدل، بعد ما ملئت جورًا وظلمًا، أمر تؤكده الديانات السماوية وغيرها حيث يذكر في الزبور، المزامير، المزمور ۳۷: " أما الأشرار فسيهلكون. وأما المنتظرون، فسيورثهم الله الأرض... "، وفي التوراة، كتاب النبي أشعيا، فصل ۱۱: "... سيحكم على الضعفاء بالعدل. وسيسكن الذنب مع الحمل، وسينام الفهد إلى جانب المعزى ولن يمس الفساد والضرر جميع جبلي المقدس... "، وفي كتاب دانيال النبي، فصل ۱۲: " ما أسعد الذين ينتظرونه... "، وكتاب حبقوق النبي، فصل ۲: "إنتظروه وإن تأخر، فهو سيأتي حتماً، ولن يتواني... "، والإنجيل، إنجيل لوقا، فصل ۱۲: "... فكونوا أنتم مستعدين، لأنه في ساعة لا تظنون يأتي إبن الإنسان... " وأوبانيشاد، صفحه ۳۷۳ من الكتب الهندية المقدسة: "... كالكي، وهو المظهر العاشر لـ: ويشنو، يظهر بعد الإنقضاء العام أو عصر الحديد، راكباً على جواد أبيض، حاملاً سيفه البراق كما الشهاب المذنب، فيهلك الأشرار ويجدد الحياة ويعيد الطهر والبراءة... "، وهكذا في شابوهرجان، من الكتب المانوية المقدسة: "... خرد شهر إيزد، لا بدّ أن يظهر في آخر الزمان وينشر العدل في العالم... "، وسوشيانت، من الكتب الزرادشتية المقدسة: "... استوت إرت، سوشيانت أو المنقذ العظيم. سوشيانس، أو موعود آخر الزمان... وسيلة وعلاج جميع الآلام به، يقتلع جذور الألم والمرض والعجز والظلم والكفر، يهلك ويسقط الرجال الأنجاس... "، وفي رسالة جاماسب، صفحة ۱۲۱: "... سينشر (سوشيانت، المنقذ) الدين في العالم فكراً وقولاً وسلوكاً "

الصينيون، أوبانيشاد. المقدمة. صفحة 52: "... حينما يمتلىء العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمي (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... "، وسينجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهمايتون، ريك ودا، ماندالاي، 2 و22: "... يظهر ويشنوبين الناس... يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب ويضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً، حينما يظهر تكسف الشمس ويخسف القمر وتهتز الأرض... "، والقرآن تكلم عن اليوم الموعود الذي يتحقق فيه العدالة الإلهية: "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون"، "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"، "ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".

من الفكر البشري، وبعض نصوص الكتب المقدسة، نستخلص أن حقيقة الخلاص أمر حتمي لا مناص منه، لا يعتريه الشك والريب، وأن المخلص هو المهدي المنتظر عجل الله فرجه، وسنحاول أن نبين ذلك قرآنيا في السطور التالية.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [آل عمران: 35]، " فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " [آل عمران: 36].

الآية 35 تشعرنا بوفاة عمران، لما كانت زوجته حاملا، لذا استقلت بالنذر دونه، وأن يكون ما في بطنها هبة للمعبد، وهذا النذر لا يمكن أن تنذره، إن لم يكن لها جزم قطعي أنه ذكر، وكيفت عرفت أنه ذكر؟ "عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام "،

[ لقمان: 34 ]، "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد"[ الرعد: 8 ]، وفي الآية 36 عند الولادة، تتحسر وتأسف لكون المولود أنثى، فلماذا التحسر من مشيئة الله؟، والجملتان: وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى، إعتراضيتان تعودان إلى الله، وقول الله تعالى: َليْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ولم يقل: َليْسَ الأُنثَى كَالذَّكَرُ، لحكمة بالغة، تختتم الآية: وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، كلام مطلق من غير شرط وقيد، كيف عرفت زوجة عمران أنه سيكون لمريم ذرية حقيقة وليس تمنيًا؟، فالجواب أن عمران أبلغها أن المسيح سيكون من صلبه، لذا تعجبت لما وضعت مريم، وبحٌكم معصومية الأنبياء، عرفت أن المسيح سيكون من نسل مريم عليها السلام، ولذا سبق الآية 35 الآيتين التاليتين:" إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ " [آل عمران: 33]، " ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [آل عمران: 34]، وتحقق الوعد الرباني لنبيه عمران عليه السلام "إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ" [آل عمران: 45]، وهذا ما يفسر لماذا سبّق الله كلمة الذكر عن الأنثى، وذلك لمقام المسيح الرفيع، المسيح بمعنى المخلص في اللغة العبرية، المشيئة الإلهية اقتضت أن تعرف البشرية مخلصان، وهما عيسى المسيح عليه السلام، والمهدي المنتظر عجل الله فرجه، فعيسى عليه السلام من آلَ عِمْرَانَ، والمهدي المنتظر من آلَ محمد، آلَ محمد إمتداد لآلَ إِبْرَاهِيمَ، " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً " [الأحزاب: 56]، سٌأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف نصلي عليك، قال: "قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد "، والتشهد في الصلاة لا يتم إلا بالصلاة على محمد وعلى آل محمد، والغريب أن الإسلام السٌلطوي لا يستنكف الصلاة على آل محمد فقط، بل يلعن آل محمد؟!!!، لا نظن أن الله يعلمنا: " إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ " [آل عمران: 33]، " ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [آل عمران: 34]، مجرد كلام خطابي وإعجاز بلاغي، دون أن تكون له حقائق عينية، هل بانتقال الرسول الأعظم إلى الرفيق الأعلى يترك الله العالم على عواهنه، تحكمه العبثية والفوضى إلى أن يرث الأرض ومن عليها.

ويقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ " [البقرة: 143]، يقول ابن كثير في تفسيره للآية: " لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شُهَداء على الأمم ؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل. والوسط هاهنا: الخيار والأجود "، والسؤال كيف لأمة تقتل سبط الرسول الحسين عليهما السلام، وتسعى لقطع نسل رسول الله، وتفعل الموبقات، وتكذب على رسول الله تكون شاهدة على الأمم يوم القيامة؟!!!.

للفهم الصحيح لمعاني الآية الكريمة علينا أن نستعرض الآيات المتعلقة بكلمة شهيد، قال تعالى "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"، النساء - 41، تبين الآية أن لكل أمة شاهد يشهد عليها، والرسول الكريم يشهد على الجميع، وقال تعالى "ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون": النحل - 84 "، تؤكد الآية أن لكل أمة شهيد يوم البعث، قال تعالى "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا": النساء - 41، فالشهادة مطلقة، وعلى جميع الأمم، يوم يقوم الحساب، لاحظ قوله تعالى: "ولنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين"، الأعراف – 6، وقال تعالى "ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء"، الزمر - 69، نلحظ واو الوصل في الجملة: بالنبيين والشهداء، فالأنبياء مستغرقين في الشهداء، فكل نبي شهيد، وليس بالضرورة كل شهيد نبي، قال الله تعالى "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد"، المائدة – 117، تؤكد الآية أن عيسى المسيح كان شاهدا على قومه، على كل أفعالهم وأعمالهم بالاختلاف الزماني والمكاني، رغم أن البشر العادي لا يشهد إلا بجوارحه على صور الأفعال والأعمال الحاضرة أمامه فقط، فما بالك أن يشهد على المكنونات القلبية، "ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"، البقرة – 225، " يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ "، الطارق – 9، فالشاهد ليس بالإنسان العادي، والذي ليس بالضرورة أن يكون نبي، وبالضرورة أن يكون ولّي، فالشاهد لا بد أن يكون صاحب ولاية تكوينية، ولذا سمي نبينا بالخاتم، لكونه يختم على كل الشهادات، ونستخلص أن الأئمة الإثني عشر كٌل منهم يشهد على الأمم التي عاصرها، ويكون صاحب الزمان شاهد علينا.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم) رواه البخاري ومسلم، (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رواه مسلم، (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية) مسند أحمد، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، حلية الأولياء، كنز العمال، (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) ينابيع المودة، (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم افهمها فقلت لأبي ما قال) ماذا قال، نخ(فقال: كلهم من قريش) رواه مسلم، (يكون اثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى: انه يقول: كلهم من قريش) رواه البخاري، أحاديث لكل زمان إمامه، والإثنا عشر خليفة مستفيضة بالتواتر، يبقى سؤال مطروح على الإسلام السلطوي الإجابة عليه: من هو إمام الزمان، ومنهم الإئمة الإثني عشر؟؟؟!!!.

يقول الله تعالى في محكم تنزيله: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ([المائدة: 55]

الآية الكريمة تستوجب طاعة الذي يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة وهو راكع، فيؤدي ذلك إلى طرح السؤالين التاليين: من الذي يؤتي الزكاة وهو راكع؟!!، وإعطاء الزكاة أثناء الركوع أليست إنشغال عن الصلاة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) ([النساء: 43]، عمل ظاهره مذموم، ولكن الآية تجعل منه عملا ممدوحا وقربة لله تعالى، وهذا لخصوصية الفاعل، فالآية تخصيصية وليست على الإطلاق، فنكرر السؤال: من الذي يؤتي الزكاة وهو راكع؟!!، يقول الألوسي في تفسيره: غالب الإخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال: " أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وأن قومنا لما رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنما وليكم الله ورسوله، ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم خاتم من فضة، فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم، وأومأ إلى علي كرم الله تعالى وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أي حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلا هذه الآية "، فأنشأ حسان رضي الله تعالى عنه يقول:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي... وكل بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعا... وما المدح في جنب الإله بضائع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا... زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية... وأثبتها أثنا كتاب الشرائع

لا يمكن حمل "وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" على المعنى المجازي بمعنى مطلق الخضوع لله سبحانه وتعالى، ولو قبلنا جدلا ذلك لكان الأدق قول "وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ ساجدون"، لأن الإنسان يكون أقرب لله تعالى في سجوده (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق: 19]، والروايات المتواترة تنفي المعنى المجازي، والمقصود بالولاء هو مطلق الطاعة (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) [الأحزاب: 6].

 حسب علم النفس الفلسفي مراتب النفس العاقلة هي: العقل الهيولي، العقل بالملكة، العقل بالفعل، ثم يأتي العقل المستفاد وفي هذه الحالة يصبح العقل مجردا، فلا يشغله شغل عن شاغل، ويجمع بين المتناقضات، وليس مرتبة مادية يحكمها قانون التزاحم، والعلم في هذه المرتبة وجود حضوري لا ذهني صوري أي حق اليقين، وأن باقي الأئمة في مرتبة العقل المستفاد أي الإنسان الكامل، والإمام علي عليه السلام دل على هاته المرتبة ببيان حسي، ولهذا كانت إنما في الآية حصرية على الرسول وآله عليهم السلام.

يقول الله تعالى: (إِنّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ (22) عَلى الأَرَائكِ يَنظرُونَ (23) تَعْرِف فى وُجُوهِهِمْ نَضرَةَ النّعِيمِ (24) يُسقَوْنَ مِن رّحِيقٍ مّخْتُومٍ (25) خِتَمُهُ مِسكٌ وفى ذَلِك فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون (26) ومِزَاجُهُ مِن تَسنِيمٍ (27) عَيْناً يَشرَب بهَا الْمُقَرّبُونَ (28))، [المطففين ]

يبين الله تعالى لنا، إن المقربين يشربون التسنيم صافية، بينما الأبرار يشربون التسنيم ممزوجة، رغم أن الأبرار في عليين إلا أنهم يشربون الكأس ممزوجة، وفي ذلك نكتة تفسرها (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ)، [يوسف: 106]، المقربون أهل التوحيد الخالص، فكانت شربهم للتسنيم خالصا، أما الأبرار لا يخلو توحيدهم أن يشوبه الشرك الخفي العلمي أوالعملي، فمن هم المقربون؟؟، يقول الله تعالى: (إِنّ الأَبْرَارَ يَشرَبُونَ مِن كَأْسٍ كانَ مِزَاجُهَا كافُوراً (5) عَيْناً يَشرَب بهَا عِبَادُ اللّهِ يُفَجِّرُونهَا تَفْجِيراً (6) يُوفُونَ بِالنّذْرِ ويخَافُونَ يَوْماً كانَ شرّهُ مُستَطِيراً (7) ويُطعِمُونَ الطعَامَ عَلى حُبِّهِ مِسكِيناً ويَتِيماً وأَسِيراً (8) إِنمَا نُطعِمُكمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنكمْ جَزَاءً ولا شكُوراً (9))، [ الإنسان ]، تؤكد لنا هاته الآيات الأبرار يشربون الكأس ممزوجة، بينما المقربين يفجرون العين تفجيرًا، وهؤلاء المقربين هم الذين:" يُوفُونَ بِالنّذْرِ ويخَافُونَ يَوْماً كانَ شرّهُ مُستَطِيراً (7) ويُطعِمُونَ الطعَامَ عَلى حُبِّهِ مِسكِيناً ويَتِيماً وأَسِيراً (8) إِنمَا نُطعِمُكمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنكمْ جَزَاءً ولا شكُوراً"، تجمع الأحاديث المتواترة أن السورة – الإنسان -، نزلت في علي، فاطمة، الحسن، والحسين عليهم السلام، يقول الألوسي في روح المعاني: "ومن اللطائف على القول بنزول السورة فيهم يعني في أهل البيت إنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وإنما صرح عز وجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول "، ومنه نستخلص عظمة أهل البيت، ومدى قربهم من الله تعالى لتوحيدهم الخالص، وكيف لا يكون المخلص المحمدي من نسل البتول، كما كان المسيح من نسل العذراء.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تموز/2011 - 16/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م