انسحاب القوات الأمريكية من العراق اللعبة الجديدة الأكثر شهرة بين
الساسة العراقيين هذه الأيام، في هذه اللعبة يتوزع الخصوم على طرفي
الحبل يفصل بينهما خط مرسوم على الارض، يقترب إعلان بدء المباراة بين
الطرفين ليبدأ الطرفان بشد بعضهم البعض لا من أجل أن يقطعوا الحبل
فالكل يتمنى الحفاظ عليه وعلى بقاءه، بل من أجل أن يوقع أحد الطرفين
بالاخر بعبور أحدهما الخط المرسوم بالمنتصف، لينتصر في هذه اللعبة
لتصفق له الجماهير كبطلٍ قومي على طريقة (دونكيشوت) فرضى الجمهور هو
سبب الاستمرارية في السلطة والحفاظ على الحبل ممدوداً السبب الأهم
للبقاء بها.
في هذه اللعبة يبدو أن الساسة العراقيون متمسكون بالحبل ولكنهم
فقدوا القدرة والقوة والشجاعة لإتخاذ قرار الابقاء او عدمه، فكل
الاطراف تريد أن يعبر طرف ما الخط الفاصل ليشيرَّوا عليه بأنه هو صاحب
قرار عدم الإنسحاب ويوصم بعدم الوطنية، وليصبح الطرف الآخر وطنياً يرفع
الشعارات التي تؤمِّن لقمة العيش له ولحزبه وليذهب الوطن والمواطن الى
سقر، وعلى قاعدة أنا ومن بعدي الطوفان، أو على قول الشاعر عمر الخيام
إذا مت ضمآناً فلا نزل القطرُ تستمر اللعبة.
والحقيقة التي لا مناص منها في العراق أن غالبية الساسة العراقيين
ومن خلال إستطلاع أجريته مع كثير منهم وفي جلسات خاصة قالوا: نحن نريد
ولا نريد وهم متوزعون على رأيين بين الواقعية السياسية والشعارات
الثورية.
الرأي الأول (أصحاب الواقعية السياسية): يريدون البقاء لكنهم لا
يمتلكون الشجاعة ليقولوا امام الشعب اننا بحاجة الى القوات الامريكية،
ويخشون من جانب آخر بعض القوى السياسية المحسوبة على بعض القوى
الاقليمية، ويعللون صوابية قرارهم بأمور منها: أن العراق قد ورث مجموعة
من المشاكل الداخلية والخارجية ولا يستطيع بمفرده أن يتصدى لحلها وذلك
لعدم وجود أجهزة قوية للدولة من جانب وعدم تكافئ القوى السياسية من
جانب آخر، ويقولون أن هناك سبب مهم وهو وقوع العراق تحت طائلة البند
السابع ولا أحد يستطيع إخراجه منه إلا الولايات المتحدة، وهي أمور لا
تخلوا من واقعية سياسية.
الثاني: يريدون الانسحاب وهم مقسمون الى أقسام.
1- يعتقدون جازمين أن الإنسحاب سوف يعري المتشدقين بالوطنية.
2- هؤلاء يعتقدون أن الإنسحاب سيسقط ما في أيدي المليشيات المسلحة
والتي تستقوي بالخارج من أجل إذلال الداخل بذريعة وجود الاحتلال، وهو
الشعار الذي ترفعه المليشيات باستمرار والذي يدغدغ مشاعر البسطاء من
الناس.
3- سيسقط الانسحاب كل المعسكرات التي تبنى خارج الحدود وستغلق
وسيكون للدولة الحجة الاكبر عليهم.
الثالث (أصحاب الشعارات الثورية): يريد الإنسحاب ولكن برؤى مختلفة
عن سابقه فهم يرفعون شعار خروج المحتل ومحاربته:
فهذا الفصيل مرتبط بقوى إقليمية تحرضه على عدم بقاء القوات
الأمريكية لتصبح (أي القوى الاقليمية) الطرف الوحيد المتحكم باللعبة
السياسية في العراق. وقد صُوِّر لهذا الفصيل السياسي أنه فصيل وطني وان
الآخرين هم عملاء دخلوا مع المحتل وسيزولون بزواله وسيكون هو صاحب
الكلمة العليا.
هذا الفصيل لا ينظر الى المتغيرات التي تجري في العالم العربي والى
تبدل المعادلات الدولية، ولا يحسب حساب الى ما ستؤول له الاحداث بعد
تشكيل الحكومة اللبنانية وربما سقوط النظام السوري في القريب العاجل
ولا حتى الى الاصرار السعودي على عدم المساس بالمعادلة اليمنية وبقاء
البحرين على حاله ووضعه.
لكن الحق يقال بأن الذين يقفون وراء هذه اللعبة يدركون تماماً أن
الاحداث في المنطقة لا تجري في صالحهم وهذا يجعلهم يتمسكون بالورقة
العراقية الرابحة.
وهناك فصيل أخير هم من يطلقون على أنفسهم بالمقاومة، فهؤلاء يرفعون
شعار خروج القوات الامريكية ولكنهم كاذبون في دعواهم فهم يمدون جسورهم
مع الامريكان ويدركون تمام الادراك أن إنسحاب القوات الامريكية سيعود
بالضرر عليهم، لأنهم سيكونوا بمواجهة قوات الامن العراقية وتحت سيطرتها
وهي تختلف في معاملتها معهم عن القوات الامريكية وسوف لن تكون السجون
فنادق 5 نجوم لهم، ولن يطلق سراح المجرمين منهم ليعودوا الى الارهاب
مرة أخرى وسيكون هناك احكام قضائية صارمة كما حدث لأرهابيِّ حادثة
الدجيل.
ويبدو لنا من كل هذا ان لعبة شد الحبل بين الاطراف العراقية ستبقى
مستمرة والجميع يعلم أن الانسحاب من عدمه قرار لا يمكن أن يتخذه فصيل
دون آخر وان هذا القرار لا يمكن أن تتحمله الحكومة العراقية ولا يمكن
إتخاذه بالشعارات أو بالنيابة أو الخداع والتضليل ولكنه قرار يقف عليه
مستقبل العراق وأجياله ولا يمكن أن يخضع لقواعد اللعبة السياسية
والمماحكات الفئوية، بل هو قرار يجب أن يجد العقل فيه مكانه وان تكون
الشجاعة والقدرة حاضرة باتخاذه. |