شاي وسكائر وأكاذيب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: 184800000 معدل عدد الكلمات التي يقولها الانسان في حياته اذا بلغ سبعين عاما... بعملية حسابية بسيطة يكون المعدل السنوي لما يتكلمه الإنسان هو 264000 ومعدل الكلمات الشهري هو 220000 واليومي هو 7335 وخلال ساعة واحدة 305 وخلال الدقيقة 9 كلمات.

قد تكون هذه الارقام غير دقيقة وهي اقل من المعتاد المتعارف عليه سماعا، فليس من المعقول ان الرجل العربي او المرأة يتكلمان فقط تسع كلمات في الساعة عن أمور المعيشة وأمور العيال والجارة الفلانية والقريبة العلانية... وغيرها.

وقد تكون هذه الارقام دقيقة اذا اخذنا بنظر الاعتبار عدد الساعات التي ينامها الانسان ويصمت لسانه في تلك الساعات عن الكلام المباح وغير المباح، فتكون عندئذ والحالة هذه الساعة افتراضية فهي قد تعني ساعتان او ربما ثلاث ساعات.

ما علاقة هذا الكلام بعنوان موضوعنا؟

احد السياسيين عرفت له مقولة أصبحت مدار موضوع كتبه احد الصحفيين العراقيين منه، تلك المقولة هي (نحن نتغدى كي نشرب الشاي) أي ان وجبة الغداء لا ضرورة لها عند هذا السياسي سوى لأنها تقود الى شرب الشاي بعدها.

ما الذي يحدث عندما يجلس جماعة من الناس وهو يشربون الشاي؟

احدهم يمسك القدح الصغير بيديه او يداعب الملعقة باصابعه يحدثك عن الفساد المالي في البلاد ونسي انه لولا وظيفته الحكومية وما يتبعها من امتيازات او عمولات لتطييب الخواطر هي جزء من هذه العملية، عملية الفساد في البلاد.

وآخر يحدثك عن رب عمله لأنه يحاول تطبيق اللوائح الادارية برأسه، هكذا يقول ويردف كلامه بأهمية شخصه لدى المسؤول عليه في العمل، ويترافق ذلك مع الكثير من السب والشتم لهذا المسؤول وإذا أحس على نفسه حاول ان يتدارك الموقف قائلا: لا غيبة لفاسق!

العراقي لا يستطيع ان يتخلى عن شرب الشاي حتى في الصيف القائظ الذي تصل فيه درجات الحرارة الى أرقام قياسية.. انه يستمتع بمذاق هذا المشروب الساخن وهو يقلب السيكارة بين أصابعه وينفث دخانها عاليا كأنها تطير مع الكثير من أحلامه المتبخره.

وكثيرا ما كان شرب الشاي وتدخين سيكارة معه محل مزاح بين الاصدقاء... يقول لصديقه تخيل نفسك وانت في هذا الحر القائظ وبجوارك اطار سيارة يحترق وبيدك قدح شاي من مادة الستيل وليس الزجاج؟ انه صورة مفارقة لا يمكن تصور احدهم يفعلها مهما بلغت درجة عشقه لشرب الشاي والسكائر.

لا يحلو الكلام المنطلق في جلسات الأصدقاء مع أكواب الشاي والسكاير الا بملح الكلام... وهي الأكاذيب الصغيرة التي يطعم بها المتكلمون قصصهم وكلامهم، فليس مهما درجة الصدق فيما تقوله بل الأهم ان تتكلم وان يستمع لك الآخرون.

هل تؤشر كثرة الكلام على حالة مرضية كأن يكون الكبت أو الإحباط او الحرمان أو اليأس؟ يمكن.. ويمكن اضافة اسباب اخرى من قبل المختصين بعلم النفس والسيكولوجيا البشرية.

كم تبلغ نسبة السكائر التي يدخنها العراقيون؟

يشير تقرير لمنظمة الصحة العالمية ان العراق يستهلك نحو مليار علبة في العام، ويمكن لاي شخص هنا الحصول بيسر على السجائر وهو جالس في سيارته او حتى في منزله فضلاً على ان الحدود مفتوحة لكل انواع البضائع ومن ضمنها السجائر.

لا مبالغة في هذا الرقم.. اذ يعرف عن العراق انه البلد الوحيد في العالم الذي لا يفرض رسوماً كمركية على استيراد منتجات التبغ المختلفة ومن ضمنها السجائر.

وفي بغداد ومراكز المدن العراقية تنتشر في الشوارع والمحال الاعلانات الضوئية التي تروج للسكائر واغلفتها البراقة التي تغوي الجميع ومن مختلف الفئات العمرية والثقافية والطبقية رجالاً ونساءً وهم يدخنون في كل مكان، البيت، الشارع، المقهى، المطعم العمل وكل هذا يمثل حافزاً لغير المدخنين بدخول عالم التدخين.

كثيرا ما كنا نشاهد أيام "القائد الضرورة" حين يجتمع بضباط الجيش العراقي او الوزراء في الحكومة مراسيم تقديم الشاي لضيوف القائد المجبرين على الاستماع الى توجيهات سيادته السديدة وكثيرا ما كنا نشاهد ان لا احد من الحضور يجرؤ على رفع استكان الشاي الى فمه قبل ان يفعل القائد الضرورة ذلك قبل الجميع.

كانت مثل تلك الجلسات تتكرر بين يوم واخر وكانت فيها الكثير من الاكاذيب والنفاق والدجل والخوف والمذلة.. بالطبع لم يكن احدهم يفكر في التدخين في حضرة القائد فالتدخين من متع القائد الوحيدة له ولايمكن للاخرين مشاركته فيها... ولكنه لا يدخن مثل باقي العراقيين فهو لديه السيكار الكوبي الذي يرسله اليه صديقه كاسترو.

احيانا كان طارق عزيز يقلد قائده في تدخين هذا السيكار ومن هنا كانت تكثر اكاذيبه حين كان وزيرا لخارجية العراق دفاعا عما يجري في بلاده ودفاعا عن ولي نعمته.

كانت هناك علاقة طردية بين الشاي والسيكار وبين الاكاذيب.. رغم اننا لم نشاهد مثل تلك اللقطات بعد العام 2003 الا ان الاكاذيب لم تختفي من الساحة السياسية العراقية بل زادت كثيرا... ربما لان الجميع يشربون الشاي ويدخنون السكاير ويتكلمون في وقت واحد؟ ربما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/تموز/2011 - 12/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م