الثقافة المعاصرة ركيزة المجتمع لمواكبة الحداثة

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: التكوين المجتمعي ينطوي على عدة بُنى أساسية، يرتكز إليها المجتمع في عمليات التطور والبناء المتواصل والسليم، فالبنية السياسية تسهم في ادارة شؤون البلد، فيما يتعلق بسبل العيش الكريم، وحفظ كرامة الانسان، ودرء خطر الفقر والامتهان عنه، ناهيك عما يتعلق بالسياسة، من امور وجوانب متعددة، منها الصحة والتعليم، وحماية الامن الداخلي والخارجي، وغير ذلك مما يترتب على القادة السياسيين من اعمال.

ينطبق هذا الامر على البنية الاقتصادية، وكذلك على البنية الاجتماعية، وعموم البنى التي تدخل في عملية استقرار وتطور المجتمع، لكن البنية الأهم التي ينبغي أن تأخذ دورها كاملا، في عملية البناء هي البنية الثقافية، إذ تُعدّ هذه البنية ركيزة مهمة للبنى الاخرى، فإذا صحّت الثقافة تصح السياسة والاقتصاد والاجتماع، وعموم البنى المساهمة في بناء المجتمع.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتابه الموسوم بـ (العلم النافع) عن بنية الثقافة ودور العمل الثقافي في دعم البنى الاخرى وتقويمها: (العمل الثقافي من أهمّ الأعمال في المجتمع، فهو يمثّل البناء التحتيّ لغيره من الأعمال).

بمعنى أن ثقافة الفرد وهو العضو الاساس في بناء المجتمع، هي التي تحدد طبيعة شخصيته وافكاره وسلوكه، وكلما كانت ثقافته معتدلة جيدة قائمة على ركائز العدل والمساواة والتسامح والتكافل والتعايش واحترام الرأي، كلما كان اسرع في التغيير نحو الافضل، أي أنه حتى لو كان يؤمن بما هو مخالف او مضاد للثقافة السليمة، فإنه بالاقناع والصبر واظهار الحجج، يتغير رويدا الى الثقافة الأصحّ، في هذا الصدد يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه المذكور نفسه:

إن (تغيير المواقف والعقائد والإعلان عنه ليس بالأمر الهيّن، فهو يغيّر تاريخه، بل ونوعية وجوده. ولكن الفكرة النيّرة تهزّ الإنسان ـ المنصف الواعي ـ وتدفعه إلى مزيد من البحث؛ وصولاً للحقيقة الكاملة).

وهكذا كلما صحّت البنية الثقافية، كلما تضاعفت فرص التطور والاستقرار والتطلع الى حياة معاصرة، تكفل للانسان حقوقه المشروعة المتعارف عليها، ولا يمكن تغيير المواقف والثقافات الرديئة، إلا بما يتضاد معها من أفكار وثقافات انسانية سليمة التوجه والمسارات، وكما يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص: (فقد يهزم التاجر زميله التاجر، والسياسيّ نظيره، ولكن الفكر والثقافة لا يهزمان بالمال أو القوّة السياسية أو العسكرية، بل لابدّ لمن أراد خوض الميدان الثقافي الهادف إلى التغيير أن يكون متسلّحاً بسلاح الفكر والثقافة).

ويظهر دور الثقافة قويا وأساسيا في تغيير الشعوب والمجتمعات نحو الافضل، من خلال قدرتها على درء خطر الثقافات الهابطة، اللا انسانية التي تشجع على الاستهانة بحرية وكرامة الانسان، وتعمق جهله بحقوقه وحرياته التي كفلتها له السماء عبر تعاليم الاسلام، التي أنارت عقول وقلوب المجتمع الجاهلي وحولته الى قوة ثقافية انسانية سياسية هائلة في وقتها، لذلك كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ الثقافة الصائبة وحدها القادرة على مواجهة وتصحيح ما نراه من ثقافة ضحلة في عالم اليوم، لأنّ القوّة أو المال أو غير ذلك يعجز عن مواجهة الثقافات وتغييرها، إذ لا يقارع الثقافة إلاّ الثقافة).

لذلك لابد للمجتمع لكي يكون معاصرا ومواكبا لحداثة العالم، أن ينتهج الثقافة الصائبة، وأن يحارب بها الثقافات التي لا تحترم انسانية الانسان وحقوقه، وبهذا تكون الثقافة عنصر مهم لحماية الفكر والسلوك المتحضّر، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه (العلم النافع): (إنّ مسألة الثقافة من أهمّ المسائل في كلّ أُمّة وحضارة. وقد يصحّ ما يقال بأنّ العالَم يدور على عجلة الاقتصاد والسياسة، ولكن الأصحّ من ذلك هو القول بأنّ الثقافة هي التي توجّه الاقتصاد والسياسة. فبقدر ما يحمل الفرد من ثقافة وعلم في كلا المجالين، فإنّه لا يَخسر ولا يُغلَب).

وفي حال حدوث التراجع الاجتماعي والتردي في مفاصل الحياة الاخرى، وشيوع الضلال والجهل، فإن السبب هو عدم حصول الانسان، على عنصر التثقيف المطلوب، وهنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: إن (ما نراه في عامّة الناس من عدم الاهتداء إلى نور الحقّ هو التعصّب الناشئ من الجهل وعدم انكشاف البيّنة، الأمر الذي يحتاج إلى وسائل وفرص كفيلة بذلك).

لذلك نحن بأمس الحاجة الى الفكر الانساني المتنور، الذي يضع مصالح الآخرين فوق مصالح الذات، ويدعم التسامح والرحمة والتكافل والبحث الدائم عن فرص التطور، ومواكبة الأحداث الجديدة في العالم، من اجل تكون بنية ثقافية سليمة، تدعم البنى الأخرى للمجتمع، وتدفع به نحو الاستقرار والتطور، وهذا يتطلب كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: من (العاملين في السلك الثقافي عموماً أن يعرضوا على الناس عين ما يريده أئمّة أهل البيت سلام الله عليهم، فهم أعلام الهداية وأنوارها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/تموز/2011 - 12/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م