شاع في الأمثال أن لكل مقام مقالا ولكل حادث حديثا، وللمثل مصاديق
عدة على مستوى الحياة اليومية، وكل فرد من أفراد المجتمع صغيرا كان أو
كبيرا ذكرا كان أو أنثى يطبق المثل عمليا مرة ومرات وفي اليوم الواحد،
بخاصة عندما يكون الفرد جزءاً من مجتمع متحرك وعلى تماس مباشر معه، فهو
يمارس المثل قولاً أو أداءً أو تقريراً لقول أو فعل، ويختلف الأداء من
ظرف لآخر ومن مكان لآخر ومن زمان لآخر ويتعدد الأداء بتعدد الأطراف
التي يقع عليها مقول القول أو الفعل أو التقرير، وقد يقع تطبيق المثل
عليه فيكون في مقام المفعولية لا الفاعلية.
والإنسان المحنك الخبير بشؤون الحياة هو الذي يحسن استخدام المثل
زمانا ومكانا وأشخاصا، فما يصح منَ القول في مكان لا يصح في آخر، وما
يصح في زمان لا يصح في غيره، وما يصح مع شخص لا يصح مع مثله، وهذا
الإنسان ينطبق عليه قول الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع): (العالم بزمانه
لا تهجم عليه اللوابس) تحف العقول: 356، أي أن معرفته بما يحيط به
واختباره للرجال يجعله في ظرف يتمكن معه من أن يضع الأمور في نصابها
ويجنِّبه عاديات الزمن.
ولعل فن المقال أو المقالة مأخوذ في نسيج حبكته من المثل المشهور،
فالناجحة منها هي التي يتمكن معها صاحبها من تشخيص الأمور المعقدة
وإيجاد الحلول الناجعة لها، على تنوع فنونها من أدبية وسياسية
واجتماعية وطبية وعلمية وغير ذلك، وما كان حليفها النُجْحُ يصل بها
كاتبها إلى قلب المتلقي وعقله وعواطفه، وبالتالي التربع على صدر تفكيره،
فربما نطق المتلقي في مجمع عام أو خاص بما قرأه في مقالة هنا أو هناك
دون قصد، وحينئذ يكون صاحبها قد ضمن الإنتشار أفقيا وعموديا عبر
المتلقين، وهذا مبلغ ما يتمناه الكاتب المُجد الصادق مع نفسه حتى وإن
لم تتم الإشارة إليه، فعندما تأخذُ أفكاره دورها في التداول بين أفراد
المجتمع وعبر وسائل الإعلام، فمعنى ذلك أنه نجح في الوصول إلى ضمير
المتلقي وتفاعل الأخير معه، وهو هنا يشبه إلى حد كبير الممثل الذي
يحاول إيصال رسالة معينة عبر فيلم أو تمثيلية أو مسرحية وأضرابها، بل
أن هذه النصوص في مؤداها العام تأخذ منحى المقالة في رسالتها إلى
المتلقي، فكل صاحب رأي يحاول أن ينشر في مجتمعه رسالة بعينها.
ولما كانت نهضة الإمام الحسين(ع) قد حملت أرقى معاني الخير والمحبة
والوئام والسلم المجتمعي، تماماً كما هي رسالة الإسلام، فإن المقالة
الحسينية تتصدر هذا الفن من الأدب المنثور في بث ونشر معاني النور
والخير في المجتمعات، ووضع الكلمة الحقَّة في المكان والزمان المناسبين،
وإذا تمتعت المقالة الحسينية بمقومات المقالة الناجحة من أسلوب بلاغي،
وحبكة أدبية، وعبارات مفهومة، وترابط موزون بين المقدمة والمتن
والخلاصة، وعنوان خلّاب يسوق القارئ مرغما، فإن سبيلها إلى المتلقي
والتأثير عليه سيكون سالكاً مما ينشِّط من عملية التبادل المشترك بين
الملقي والمتلقي وتحقق الفائدة المرجوة من أصل المقالة، بخاصة ونحن
نشهد بفعل تطور وسائل الإتصال تخمة في المقالات كثيرها غث وقليلها
بحاجة إلى تمحيص، حتى استسهل الكثير من دعاة القلم كتابتها، حسينية
كانت أو غيرها، فضاع الصواب مع ازدحام الجواب.
وللمقالة الحسينية نكهة خاصة، فمع أنَّ محورها شخص واحد هو الإمام
الحسين(ع)، فإن أفكار نهضته المباركة لا تنضب، لأن القيم السامية التي
نهض من أجلها سبط النبي محمد(ص) تكاملية مطلقة غير محدودة، كلما ظن
المرء وصول كمالها فإنه بحاجة إلى مجاهدة بدنية ورياضة روحية حتى يتسلق
قمتها، ولهذا كلما أفرغ الكاتب محبرته احتاج إلى أخرى، فتنضب محابره
ولا تنفذ قيم الرسالة الحسينية، وحتى يتم توثيق المقالات الحسينية
انبرى المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي بإفراد باب خاص من أبواب دائرة
المعارف الحسينية الستين لباب المقالة، ومن هنا جاء الجزء الثاني من (معجم
المقالات الحسينية) الصادر حديثا (2011م) عن المركز الحسيني للدراسات
في 560 صفحة من القطع الوزيري.
مقالة وبلد
إذا كان الجزء الأول من (معجم المقالات الحسينية) ضم 684 مقالة
لكتَّاب من بلدان مختلفة، فإن الجزء الثاني منه فاق عددا وضم 768 مقالة
وبلغات مختلفة، عربية وفارسية وأردوية وانكليزية وكجراتية وألمانية،
وتوزع كتّابها -من حيث الوطن أصالة أو التوطن إقامة أو هجرة أو تجنُّساً-
على البلدان التالية حسب الحروف الهجائية: أستراليا، اسكتلندا، ألمانيا،
أميركا، إيران، باكستان، البحرين، بريطانيا، بلجيكا، تونس، دانمارك،
سوريا، السويد، العراق، كندا، كوسوفو، كولومبيا، الكويت، لبنان، مصر،
النرويج، الهند، وهولندا، على أن المقالات الواردة من إيران باللغتين
العربية والفارسية استأثرت بالعدد الأكبر يليها العراق ثم بريطانيا
وبعدها الكويت وباكستان ولبنان.
وهذا التوزيع الجغرافي للمقالات وكتابها ووسائل الإعلام التي نشرتها
في شرق الأرض ومغربها، يُقدم الدليل القاطع بأن النهضة الحسينية لم تعد
محصورة في العراق أو إيران، ولا هي حكرا على كربلاء التي تضم مرقد
الإمام الحسين(ع) والأرض التي وقعت على رمالها معركة كربلاء عام 61
للهجرة، ولا هي منحصرة في القاهرة التي تضم مرقد شريكة واقعة كربلاء
السيدة زينب الكبرى بنت علي(ع)، بل ان الإمام الحسين(ع) وجد طريقه في
قلب كل صاحب فطرة سليمة بغض النظر عن الدين أو المعتقد أو اللغة أو
الموطن، فالقيم الخيرة التي دافع من أجلها الإمام الحسين(ع) هي قيم
فطرية مزروعة في بواطن الناس الدابِّين على وجه الأرض.
وقد وجدت خلال زيارتين للقاهرة في العامين 2010م و2011م أن إيمان
أهل مصر بالإمام الحسين(ع) بخاصة وأهل البيت(ع) بعامة منقطع النظير،
وبتعبير الأستاذ عادل سعد زغلول صاحب كتاب (مشاهير أهل البيت في مصر)
الذي التقيت به في حرم مقام رأس الحسين(ع) في القاهرة في 23
و24/6/2011م ضمن رحلة عمل معرفي توثيقي: "أننا نؤمن بأن الإمام
الحسين(ع) وبحساب الزمن البرزخي موجود في هذا المقام رأساً وجسداً،
وأننا حينما نتوجه إليه للزيارة وقراءة الفاتحة إنَّما نتوجه إلى
الإمام الحسين(ع) ككل". وهذا الإيمان هو الذي يعمق الصلة بين شعب مصر
وأهل البيت(ع)، بل ان الدعوات تتجه منذ فترة وبخاصة أثناء حوادث ثورة
25/1/2011م وبعدها إلى توحيد الخطاب الإسلامي والقبطي المسيحي في
الشارع المصري عبر بيان القواسم المشتركة بين رسالة السيد المسيح(ع)
التضحوية ورسالة الإمام الحسين(ع) الإستشهادية، وهذا ما لمسته من خلال
لقائنا بالأستاذ السيد محمد الدريني أمين عام مجلس آل البيت في مصر، في
العاصمة القاهرة في 19/6/2011م، وربما أن الحب الخالص للإمام الحسين(ع)
وتوحيد الخطاب الشعبي على طريق نهضة مصرية هو الذي يثير غضب وحنق بعض
المجموعات المتطرفة التي استغلت الفراغ الأمني في فترة الثورة الشبابية
في الاعتداء على بعض مراقد الأولياء والصالحين في عموم مصر مدفوعة
بأموال قادمة من خارج الحدود تعمل على خلق فتنة داخلية وطائفية في مصر
كما سعت من قبل في العراق بعد عام 2003م، ولا أظن أن النجاح سيكون
حليفها، لأن الشعب المصري واعٍ بهذه المؤامرة، ويدرك عقلاؤه أنها
تستهدف وحدة الشعب المصري من مسلمين ومسيحيين، ومن سنّة وشيعة، بل
تيقَّنت عن قرب ومن خلال المعاشرة المباشرة أن سنّة مصر هم في صدر
المتصدين لمثل هذه النعرات المغلفة بقشور الإسلام.
حضور إعلامي
وما يميز جهد العلامة الكرباسي في (معجم المقالات الحسينية) إحاطته
الكاملة قدر المستطاع بوسائل الإعلام المقروءة التي ظهرت فيها المقالات
الحسينية، فأفرد لكل جريدة ومجلة وموقع ورد ذكرها في الكتاب شرحا مفصلا،
مما يجعل القارئ يقف على الوسيلة الإعلامية من حيث تاريخ النشأة ومكان
الصدور والمؤسس ورئيس التحرير والهيئة التحريرية ومسيرها فيما إذا كانت
متوقفة أو مستمرة أو متعثرة في الصدور.
ووسائل الإعلام الواردة حسب الحروف الهجائية هي: الأحداث (جريدة-
لندن)، أخبار الخليج (جريدة- البحرين)، إسلام (جريدة- لندن)، إطلاعات (جريدة-
طهران ولندن)، الأقلام (مجلة- العراق)، أهل البيت (مجلة- بيروت)، أهل
البيت (مجلة- لندن)، الأيام (جريدة- البحرين)، الإيمان (نشرة- لندن)،
بدر (جريدة- إيران)، البلاد (جريدة- السعودية)، البيان (مجلة- العراق)،
تراثنا (مجلة- إيران)، التوحيد (مجلة- إيران)، الثقلين (نشرة- إيران)،
الجامعة الإسلامية (مجلة- لندن)، الجمهورية (جريدة- العراق)، جمهوري
إسلامي (جريدة- إيران)، الجهاد (جريدة- إيران)، الحياة (جريدة- لبنان
ولندن)، راصد (شبكة سعودية)، رسالة التقريب (مجلة- إيران)، رسالة
الثقلين (انكليزي- لندن)، رسالة الحسين (جريدة- الكويت)، الزهراء (مجلة-
مصر)، السفير (جريدة- لبنان)، السفينة (مجلة- النرويج)، سلام يا حسين (موقع
باكستاني)، شباب اليوم (مجلة- لندن)، شبكة الإعلام العراقي (موقع-
الدانمارك)، شبكة الإمام الرضا (موقع- إيران)، شبكة التوافق الاخبارية
(موقع سعودي)، الشرق (نشرة عراقية)، الشهادة (جريدة عراقية)، الشورى (نشرة
عراقية)، الصادقين (موقع إيراني)، صداي زينب (مجلة - الهند)، الصراط (مجلة
– لندن)، الطاهرة (مجلة- إيران)، طريق الشعب (جريدة عراقية)، العراق
الحر (جريدة- لندن)، عراق عجم (جريدة- إيران)، العرفان (مجلة- لبنان)،
العهد (جريدة- لبنان)، الغري (مجلة- إيران)، الفكر الإسلامي (مجلة-
إيران)، القبس (جريدة- الكويت)، قضايا إسلامية (مجلة- إيران)، كلمة
الحق (مجلة- باكستان)، الكوفة (نشرة- هولندا)، كيهان (جريدة- طهران
ولندن)، كيهان العربي (جريدة- طهران)، لغة العرب (مجلة- العراق)،
المبلغ (مجلة- لندن)، المجتمع (جريدة- العراق)، مكتب إسلام (مجلة-
إيران)، منبر الحرية (مجلة- لندن)، المنبر الحسيني (مجلة- سوريا)،
المنتظر (مجلة- باكستان)، منشورات مكتب المدرسي (طهران)، المنطلق (مجلة-
لبنان)، منهاج الحسين (مجلة- باكستان)، المواقف (مجلة- لبنان)، مونسترش
(جريدة- ألمانيا)، النبأ (جريدة- إيران)، النبأ المعلوماتية (موقع-
العراق)، ندائي شيعة (جريدة- باكستان)، يا حسين (موقع باكستاني)، ويا
لثارات الحسين (نشرة عراقية).
ويلاحظ أن الصحف والمجلات المشروحة بلغ عددها 71 وسيلة إعلامية،
بالإضافة إلى العشرات مما ورد في الجزء الأول والبالغة (86) وسيلة
إعلامية، كما أن المقالات الواردة هي أكثر عدداً ومتوزعة على مساحات
جغرافية أوسع، وكلما تقدم الزمن إزدادت عدد الوسائل الإعلامية التي
تغطي الحدث الحسيني، وكذلك اتسعت الرقعة الجغرافية، وتعددت اللغات،
وارتفعت معدلات المقالات الحسينية، مما يعكس حجم الإنتشار الذي تلقته
النهضة الحسينية، ولا شك أن للهجرات المتعددة للمسلمين إلى أوروبا
والأميركيتين والدول الاسكندنافية من بلدان إسلامية عدة كالعراق وإيران
وباكستان ولبنان، ساهمت بشكل كبير في التعريف بالنهضة الحسينية، من
خلال الإحتكاك المباشر بين المهاجرين والشعوب الغربية، وقد ساهم تحول
الكثير من الغربيين إلى الدين الإسلامي ولا سيما في العقود الأخيرة
التي تلت إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، والتحولات الديمقراطية في
العراق وبعض الدول العربية ساهمت هي الأخرى في فك الحصار عن الأدبيات
الحسينية، وبخاصة وأن التحول الذي شهده العراق بعد نيسان ابريل عام
2003م جعل الشعوب العربية على اتصال مباشر بالشعب العراقي الموالي لأهل
البيت(ع) وبخاصة أن قاسم اللغة والجنس والإمتداد الجغرافي هو الذي
يجمعهم مما جعل تنقل الأدبيات الحسينية بين الشعب العراقي والمجتمعات
العربية أسهل بكثير مما كان عليه من قبل حينما حاول فيه النظام السابق
بناء سد كبير بين الشعب العراقي وجيرانه العرب والعجم تحت يافطة (البوابة
الشرقية) وحماية العرب من الخطر المجوسي المزعوم!
فهذه المعطيات والتحولات وغيرها، خلقت عولمة إعلامية على مستوى
المقالات الحسينية ممتدة في عمق الزمان والمكان أفقيا وعموديا، كما أن
الضربات الكبيرة التي تلقاها المجتمع العراقي في السنوات الماضية من
قبل المجموعات الإرهابية وبخاصة تفجير السيارات المفخخة في المدن
العراقية، كربلاء المقدسة وسامراء على وجه الخصوص، عزَّز معرفة الآخر
بالإمام الحسين(ع) ونهضته المباركة، مما كوَّن حزمة كبيرة من المقالات
الحسينية وبلغات كثيرة، عمل راعي دائرة المعارف الحسينية ومؤلفها الشيخ
الكرباسي على متابعتها وتوثيقها.
السهل الممتنع
على بساطة منهج المؤلف بالتعريف بالمقالة الحسينية من خلال بيان
عنوانها وكاتبها وناشرها وتاريخ نشرها وفحواها، لكنه في الوقت نفسه مهم،
وهو من نوع السهل الممتنع، فمجموعة العناوين بحد ذاتها هي حصيلة مفيدة
تغني القارئ في اختيار عناوين لمقالات لاحقة أو كتب تحت الطبع،
فالعنوان هو اسم على مسمى فكلما كان العنوان محكما كان أقرب إلى القارئ
والمتلقي، لان القارئ بشكل عام يجذبه العنوان، والأخير بمثابة البوابة،
فكما أن مقدمة الدار دالة على نوعية أهلها، كذلك عنوان المقالة مرشد
إلى فحوى المقال وحجم كاتبه، وفي الأمثال: المكتوب معروف من عنوانه.
وعلى مستوى الفحوى والمحتوى، فإن الشرح وإن جاء في سطر أو سطرين
وربما تعدى إلى ثلاثة أسطر في بعض الأحيان، فإنه يغني هو الآخر القارئ
ويرشده إلى المقالة، بل إنَّ الشرح المختصر يفجِّرُ في القارئ ينابيع
المعرفة ويفتح عنده براعم الفكر مما يتيح له الكتابة في القيم والمبادئ
التي نادى بها الإمام الحسين(ع) على طريق خدمة البشرية.
ولا يخلو الكتاب من تراجم للكتّاب ونبذة عن سيرهم، لاسيما وأن كتبة
المقالة على خلاف مؤلفي الكتب هم بكثرة كاثرة، مما يجعل بعض الأسماء
متشابهة وهو ما يقتضي الفصل بين المتشابهات بشرح مختصر لهم، وقد سعى
المؤلف في هذا الطريق الاتصال بعدد غير قليل من الكتاب لاستحصال سيرهم
الذاتية، ومن المفارقات أن بعض العراقيين فضل التعامل بالاسم الثنائي
فقط، واعتبر الاسم الثلاثي مع اللقب من مخلفات نظام صدام حسين الذي
شدّد على الأسر العراقية في بعض الفترات إظهار مشجراتها النسبية، وهي
رؤية تفتقر إلى الكثير من الدقة، لأن الاسم الثلاثي واللقب يمثل شخصية
الكاتب، بخاصة وأن الكاتب المرموق يمثل تراثا للأمة في حياته وبعد
رحيله بغض النظر عن طبيعة كتاباته واتجاهاتها، وعدم الافصاح عن سيرته
يساهم من حيث يدري أو لا يدري في طمس هويته وشخصيته، فنحن نعيب على
المجتمعات الشرقية بأنها لا تقدر العَلم في حياته، وإذا حاولت تقديره
وتكريمه فيكون بعد وفاته في أحسن الفروض، ثم أن سلسلة الآباء والأجداد
عُرف لم يأت به صدام حسين أو غيره، وإنما هو ما تسالم عليه العرب قبل
الإسلام وبعده، وازداد التأكيد عليه في معرض بيان الرواية والسند.
ومن المؤسف أن بعض الكتَّاب يمتنع عن ذكر اسم والده عامداً، إمّا
لأن الإسم غير متعارف عليه في الوسط العربي أو أنه يثير سخرية البعض
الآخر، أو أنه يشير إلى قومية أو ملّة أو مذهب لا يرغب الإفصاح عنها،
وليس هذا من الحكمة والإنصاف بمكان بخاصة إذا ارتفع المانع، لأن الإسم
وإن كان يمثل هوية الإنسان، لكنه ابتداءاً غير مسؤول عن وضعه، نعم
يمكنه تغييره عندما يتولى أمره بيده، وهذه سنّة عمل بها النبي الأكرم
محمد(ص)، وأكثر معاناة أصحاب الدوائر المعرفية هو في بيان سلسلة
الأسماء الواردة في مؤلفاتهم، ومنها (معجم المقالات الحسينية) ولاسيما
للأسماء المتأخرة.
وأتذكر هنا أن في بعض المناسبات وأنا في مسقط رأسي (كربلاء المقدسة)
وصلتني بطاقة تهنئة من شخص لا أعرفه، فالرسالة مقيدة باسمي الثلاثي (نضير
رشيد حميد)، وعندما أمعنت في الرسالة علمت أنها لجيراني الذي يشاركني
في الاسم الثلاثي دون اللقب، فهو من آل الطيار وأنا من آل الخزرج، على
أن المعني رحمه الله كان شابًّا مؤدبا ورزيناً اعتقل وأُعدم عام 1981م،
فلو أن المرسل ألحق بالإسم الثلاثي اللقب لسهل على موظف مصلحة البريد
الوصول إلى الشخص المعني، فتشخيص الكاتب أمر مهم عند التوثيق المعرفي،
واكتفاء الكاتب بالاسم الثنائي دون اللقب أو بالإسم واللقب دون الأب
والجد لا يعفيه من المسؤولية إذا ما تم تجاهله في المعاجم والدوائر
المعرفية.
صرح شامخ
اعتاد المؤلف على وضع المعاجم وفق الحروف الهجائية، مثل معجم
المصنفات الحسينية ومعجم الشعراء ومعجم الخطباء، فعلى سبيل المثال فإن
الجزء الأول من معجم الشعراء اختص بقسم من حرف الألف فقط، إلا أنه في (معجم
المقالات الحسينية) خرج على المألوف بأن ضم كل جزء الحروف الهجائية
كلها من عناوين المقالات، وهذا عائد للكم الهائل من المقالات وهي كثيرة
للغاية ومتجددة في كل يوم، وهذه الظاهرة بحد ذاتها حاكية عن مكانة
الإمام الحسين(ع) في قلوب الناس من مسلم وغير مسلم، وعن الأذى الذي لحق
به مما جعله قبلة للأحرار.
وهذا الأمر هو الذي جعل استاذة جامعية كالدكتورة سهام محمد السرابي
أستاذة الأصول الفلسفية والإجتماعية للتربية في جامعة البتراء بعمّان (الأردن)
تقول في معرض الحديث عن الجزء الثاني من (معجم المقالات الحسينية) أنه:
(لم يتعرض أحد من أصحاب المبادئ في تاريخ الإنسانية لظلم وأذى كالظلم
الذي تعرض له آل (أهل) بيت الرسول(ع)، فقد عاشوا حياتهم بين الحبس
والملاحقة وحملوا إلى مضاجعهم ضحايا للعقيدة، إذ لم يمت واحد منهم حتف
أنفه، فمن لم يقتل بالسيف قتلوه بالسم).
ومن المفارقات كما تقرر الدكتورة السرابي وهي في معرض بيان رأيها في
هذا الجزء: (أن ذلك الظلم الذي طالهم في حياتهم لاحقهم بعد الوفاة،
فتجلى في إهمال تراثهم الثر إهمالا متعمداً، وأعرض الكثيرون عن كنوزهم
النادرة، وتعرض أنصارهم للإضطهاد والتشريد والقتل).
وتبدى صاحبة المقدمة أسفها لأن المراكز البحثية تولي اهتماما
بشخصيات أقل شأنا لكننا: (لا نجد باحثا أو مركز بحث علمي تصدى لتوثيق
مصادر الدراسة حول الحسين بن علي(ع) بينما تعددت القوائم الفهرستية حول
معظم الموضوعات)، بيد أن الأمر تغير منذ أن انبرى الفقيه الدكتور الشيخ
محمد صادق الكرباسي بتأليف دائرة المعارف الحسينية التي تربو أعدادها
على الستمائة مجلد صدر منها حتى اليوم 67 مجلداً، فهو بذلك كما تؤكد
الدكتورة السرابي: (قام – دام ظله الوراف- باتحاف المكتبة العربية بكنز
ثمين بموسوعته الشاملة والوافية والكافية عن الحسين بن علي عليه
السلام)، بل أن معجم المقالات لذاته موسوعة كاملة كما تشير الدكتورة
السرابي: (استوعبت أهم ما كتب عنه- الإمام الحسين- ليضعها- الكرباسي-
بين أيدي الباحثين في مراكز البحث العلمي والجامعات، لتكون دليلا لهم
في البحث والدراسة، والتي ستقدم ذخائر ثمينة للإنسان غيبت عنه مئات
السنين فحرمت الحياة من الخير الكثير، بالإضافة إلى سائر الأبواب
الأخرى).
وأرى ما تراه الدكتورة السرابي: وحسب معجم المقالات الحسينية إنه
إذا لم يحز من الشرف إلا أنه جمع المقالات التي تناولت حفيد رسول الله
الحسين بن علي، ومن الفائدة إلا أنه يوفر على كل باحث الكثير من الجهد
والعناء لكفاه، حسبه بذلك رفعة وشرفا ومكانة.
* إعلامي وباحث عراقي- الرأي الآخر للدراسات
بلندن
alrayalakhar@yahoo.co.uk |