شخصنة الازمة السياسية والقرار الامريكي

ناجي الغزي

الازمة السياسية العراقية لاتزال قائمة منذ الانتخابات الاخيرة في 7 مارس 2010 وعلى الرغم من تشكيل الحكومة المترهلة وغير المكتملة, التي جاءت نتيجة لمبادرة رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني في أيلول 2010 وقد طبقت جميع بنودها ما عدا المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية لم يتم تنفيذه بعد. ولكون هذا المجلس غير دستوري استحدث لغرض ترضية شخص "الدكتور علاوي" الذي أثار جدل بين جميع الاوساط السياسية نتيجة مطالبة علاوي بصلاحيات واسعة له توازي أو تفوق منصب رئيس الوراء.

وعلى الرغم من تنازل علاوي عن هذا المجلس بسبب انعدام مسؤولياته التنفيذية وتوصياته الملزمة واعتباره استشارياً فقط, إلا أن القائمة العراقية تطالب بتفعيله مجدداً لتحقيق التوافق والتوازن. وزعماء العراقية لا يزالون مصرين بأن اتفاقية اربيل لم يتم تنفيذها رغم أن ما نفذ منها الكثير, ما عدا المجلس الوطني للسياسات.

كان اتفاق أربيل بالنسبة للجميع هو تقاسم السلطة بين القوائم الفائزة ومنها العراقية والإئتلاف الوطني, والعراقية أخذت استحقاقها الانتخابي بتوزيع المناصب حسب النقاط حتى أصبحت الحكومة بهذه السمنة المفرطة. حيث بلغت مناصب العراقية الى أكثر من عشر وزارات ورئاسة البرلمان ونائب لرئيس الوزراء ونائب لرئيس الجمهورية. ولكن الدكتور علاوي هو الخاسر الوحيد بتلك الخلطة لانه لم يشارك عمليا بهذه السلطة وقد غيب عمداً من جميع الاطراف سوى من العراقية أو من خارجها وهو الذي يعتبر زعيم القائمة الاكثر عدداً ظاهرياً. ولكن أغلب أعضاء العراقية لم يكترثوا لغياب علاوي وهدر حقه. ولايبالون لتلك السجالات والصراعات بين علاوي والمالكي, لان الجميع نال استحقاقه وتمتع بامتيازاته.

والقائمة العراقية كغيرها من الكتل والقوائم بنيت على أساس المصلحة السياسية وغايتها الوصول الى السلطة وليس تحالفها مبني على أساس مشروع وطني أو منهج سياسي تلتقي به الاطراف المتآلفة. ولم يتفق الخصمين علاوي والمالكي حتى على مرشحي المناصب الامنية كالداخلية والدفاع وهذه الاخيرة هي استحقاق من حصة الوفاق الوطني العائد للدكتور علاوي حصرياً.

وأخذت تلك الازمة السياسية أبعاد شخصية, بعد أن شن علاوي هجوما لاذعاً على رئيس الحكومة نوري المالكي، واصفا إياه بأنه مدعوماً من طهران، كما وصف عناصر حزب الدعوة بخفافيش الظلام. على أثر ضرب صورة تجمع زعيم العراقية الدكتور علاوي مع مجرم عرس الدجيل فراس الجبوري بالأحذية أمام وسائل الاعلام من قبل المتظاهرين في ساحة التحرير. بينما رفع ائتلاف المالكي دعوى قضائية ضد علاوي.

تصاعد الازمة السياسية وحدتها بين علاوي والمالكي ودخولها بوتقة الشخصنة, وابتعادها عن أطارها القانوني والسياسي تعود الى عدم الثقة وغياب الانسجام والتفاهم على أرضية مشتركة بين الطرفين. وهذا السلوك الحاد يزيد من حدة الانقسام بينهم ويثير قلق الشارع العراقي, مما يؤدي الى تآكل شرعية الاطراف المتنازعة وفقدان مصداقيتهم مع الجماهير. وإذا لم تعالج تلك الأزمة بصورة جذرية وسلمية, ربما تدفع البعض الى الاحتكام الى لغة العنف, وتخرج العملية السياسية من مسارها السياسي الى المسار المسلح نتيجة الاحباط الذي يشعر به الآخر.

والحلول والمساعي التي يقوم بها رئيس الجمهورية جلال الطالباني لاتعدو أكثر من كونها حلول تهدئة وتطييب خواطر لانفعالات مؤقتة, وهذا يعني أن الازمة لاتزال تعيش في نفوس الاطراف. ما لم تحل من قبل أطراف محايدة خارج العلمية السياسية تكون أكثر مصداقية وتأثيراً في طرح الحلول ومعالجتها وتنفيذها.

فالتوتر ما زال سيد الموقف في اللقاء الاخير بين الزعيمين علاوي والمالكي، على الرغم من محاولات التهدئة من قبل فخامة الرئيس "مام جلال" وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، إلا أن الجلوس على طاولة التسويات لاحتواء الازمة بين الطرفين بات أمرا معقداً، لان فتائل الخلافات الجوهرية لاتزال قائمة ومعدة للاشتعال. فالمشكلة تكمن بتقاسم السلطة بين الطرفين من خلال اقرار مجلس السياسات وتسمية مرشح العراقية للدفاع, ويبدو أن هذه الملفات مترابطة ومتداخلة. وهما أكثر سخونة في المشهد السياسي ومجال المساومات فيهما واسعاً, فالحلول لاتزال في طور النمو وتحتاج الى مزيد من الوقت والمصداقية, كي تأخذ مداها في النفوس المتنازعة.

وحل تلك الازمة يكمن بيد أطراف خارجية (كأمريكا- أيران) اللذان يلعبان دوراً كبيراً وبعداً ستراتيجياً بالملف العراقي الأمني والسياسي. فالطرف الامريكي يريد حلحلة الخلافات بعد إنهاك الخصمين معنوياً والجنوح لها وإعلان موافقتهم على ابرام اتفاقية جديدة تضمن تواجد القوات الامريكية لغاية عام 2016 وتؤسس قواعد أمريكية وسفارات تسيطر وتراقب الطموح الايرانية وتداعيات الثورات العربية في المنطقة. وتريد من خلال الاتفاقية أن تكون قيمومة على القرار السياسي والامني العراقي. وإيران التي تريد أن تحقق طموحها الامبراطوري من خلال امتدادها داخل العراق وفي بعض المناطق العربية, هي الاخرى تريد حضورها قائم وقرارها ملزم في الملف العراقي لضمان أمنها وعدم زحزحة كيانها من قبل القوات الامريكية.

فالزعيمين السياسيين المتنازعين يمثلون صراع أجندات وأرادات خارجية فرضت نفسها على الواقع السياسي العراقي, بسبب سطوة الآلة العسكرية وضعف الاحزاب السياسية ووهن كيان الدولة. فالازمة رغم دخولها حيز الشخصنة فهي لاتخلو من الضغط الخارجي على رقاب الاطراف المتنازعة. وسنشهد ربما انفراج لهذه الازمة عندما تتفق الاطراف السياسية على تمديد بقاء القوات الامريكية بموافقة إيرانية. وبذلك سيكون لأمريكا كلمة الفصل في حلحلة الأزمة ولو بشكل مؤقت وإعلان تسمية الوزارات الامنية ومجلس السياسات الاستراتيجية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تموز/2011 - 10/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م