قَانُونُ حِمَايَةِ المُزَوّرِينَ إبْدَاعٌ تَشْرِيعِيٌّ فَرِيْد!!

محمد جواد سنبه

(مَنْ لمّ يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة)

(الإمام علي عليه السلام)

 

إنّ رقي أيّة دوّلة في العالم، يقاس بمقدار احترامها لدستورها، وتطبيقها للقوانين والأنظمة المرعيّة. واحترام القانون والنظام عمليّة تربويّة، أكثر من كونها عمليّة قسريّة أو اجباريّة، بالرغم من أنّ تطبيق القانون يتطلب إجراءات جزائيّة لضمان تطبيق القانون وسريانه. والشعوب المتقدمة تنظر إلى القانون والنظام، باعتبارهما مصادر لحماية حقوق الفرد وصيانة حرياته. أمّا في العراق الديمقراطي الجديد، فانّه يشهد حالة سنّ بعض القوانين، على ضوء اجتهادات ورغبات فئويّة أو كتلويّة، تحركها دوافع سياسيّة لهذا الحزب أو تلك القائمة. وحتى صياغة الدستور العراقي الجديد، صاحب العلل الكثيرة والعاهات الكليلة، لم يرَ النور إلاَ تحت تأثير تلك التوافقات البائسة.

يعشق الكثير من أبناء العراق، نهب وحرق وتدمير المال العام، فاطلق على هذه الكثرة اسم (الحواسم). وفي ظل النظام الديمقراطي الجديد أصبح للحواسم حظوة عند بعض النواب والمسؤولين الحكوميين، بسبب وجود منفعة متبادلة بين الطرفين. فالحواسم اعطوا اصواتهم إلى من وعدوهم بتمليك العقارات التي اغتصبوها. إنّها إشاعة ثقافة (حوّسم ولا تأخذك بالعراق لومة لائم).

إنّ حماية الحواسم من محاسبة القانون، تحت ذرائع إنسانيّة أو مراعاة لحالة الفاقة (الكاذبة) التي يعانون منها، أعطت مؤشراً سلبياً بأنّ القانون أصبح هشّاً في ظل النظام الديمقراطي الجديد. تكررت حالة إرضاء الحواسم عدة مرات، وتمّ التجاوز على القانون مرات عديدة أيضاً، حتى أنّ ميزانية العراق تحمّلت خسارة ملياري دينار، بسبب عصيان الحواسم أمام تنفيذ خط مجاري الخنساء، كما صرح بذلك السيد أمين بغداد صابر العيساوي. وجدير بالذكر، أنّ الحواسم يقومون بإيجار وبيع العقارات وقطع الأراضي التي استولوا عليها إلى الغير، وكأنّها أموالهم الخاصة.

واستمراراً على هذا النهج الخاطئ، صدر قانون العفو العام الرقم(19) لسنة 2008، وهذا القانون يتنافى اصلاً مع مبدأ إقامة الحقّ والعدل.

فبموجب هذا القانون تمّ اطلاق سراح المتهمين قيد الاعتقال وبأثر رجعي. والغريب في هذا القانون الأسباب الموجبة لسنّه والتي جاء فيها:(بغية اتاحة الفرصة لمن جنح من العراقيين او من كان مقيماً في العراق الى ارتكاب بعض الجرائم في العودة الى رشده والاندماج في الحياة الاجتماعية واشاعة روح التسامح واصلاح من زل من الطريق السوي بالعفو عنه ولقيام جميع العراقيين ببناء وطنهم واخلاء سبيل من حكم عليه او اوقف بسبب ارتكابه الجرائم المشمولة بالعفو شرع هذا القانون). اترك للقارئ العزيز استنتاج نقاط خرق القانون والنظام في هذا النصّ.

لقد درج أهل الحل والعقد في العراق الديمقراطي الجديد، على تشجيع الآخرين لخرق القانون والتجاوز عليه، من خلال ممارسة نقض القانون القديم بقانون جديد، يتم فيه استثناء المجرمين والمخالفين. والآن يستعد مجلس النواب العراقي في جلسته الحادية عشر، والتي ستعقد يوم السبـت (16) تمّوز 2011، لمناقشة (القراءة الأولى لمقترح قانون العفو عن مستعملي الوثائق والشهادات الدراسية المزورة). وربما كمناورة استباقيّة، استعداداً لتهيأة الأرضيّة المناسبة لتشريع هذا المقترح القانوني، وضعت الخطط من قبل المستفيدين من تمرير هذا المقترح، بإخفاء بعض الوثائق والمستندات التي تدينهم، فأحرق قسم الوثائق والمستندات في وزارة التعليم العالي يوم 5/7/2011، ضمن مسلسل اصطلح عليه (حرب حرق الوثائق)، لإخفاء الأدلّة الخاصّة بالشهادات والوثائق المزور. والمستفيدون من هذا العفو، (كما وصفتهم بعض وسائل الإعلام) هم بعضّ الأعضاء في مجلس النواب، أو بعض اصحاب المناصب الرفيعة في أجهزة الحكومة.

أقول:

* كيف تجرؤ أعلى سلطة تشريعية دستورية في العراق الجديد، على مجرد التفكير بتشريع قانون من هذا النوع، فكيف الحال بالمجاهرة والإعلان بالعمل في هذا الاتجاه؟.

* إنّ مناقشة موضوع سنّ قانون يتبنى العفو عن مزوري الشهادات، حتى وإنْ كانت تلك الشهادات، هي شهادات الدراسة الإبتدائيّة، ألا يعدّ ذلك خرقاً صريحاً للقانون، الذي هو عماد إقامة العدل والمساواة في المجتمع؟.

* ثم ما قيمة القانون إذا يتساوى المزوّر مع المخلص والصادق؟. إذا لم نقل يتفوق المزوّر على المخلص والصادق، بفعل هذا القانون، فيتقدم المزوّر لتحقيق فرصة عمل جيدة، على حساب سحق المخلص والصادق. أيّة قيمة اعتباريّة أو أخلاقية أو إنسانيّة بقت بعد ذلك؟.

* وأيّة قيمة وطنيّة ظلّت بعد ذلك، حتى يفخر بها الإنسان العراقي المخلص والصادق، أمام نفسه وأبنائه ومجتمعه؟.

* أليس مجرّد مناقشة تشريع من هذا النوع، يعتبر تجاسراً لخرق المادة (2) من الدستور العراقي الجديد التي نصّت على ما يلي:

 أولا - الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ اساس للتشريع.

‌أ- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

‌ب- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

‌ج- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.

فهل سنّ قانون لحماية المزوّرين، لا يتنافى ولا يتعارض مع ثوابت الإسلام التي منها الحديث الشريف (من غشنا فليس منّا)؟. وهل سنّ قانون لحماية المزوّرين لا يتعارض مع مبادئ الديمقراطيّة، التي منها تكافؤ الفرص بين الجميع؟. قال رائد العدالة الإنسانية الإمام علي بن ابي طالب(ع): (فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، ألا إنّهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون).

العتب كل العتب على الشعب العراقي نفسه، الذي أغرقه الجهل وقلّة الوعي، واعتماده على (آخرين) في رسم مستقبله، فأصبح الشعب العراقي كالغنم الضّالّة، تأخذها الذئاب من كلّ جانب. وسيبقى على هذه الحال المزرية، مالم يدرك مسؤوليته ويتدارك نفسه بنفسه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

* كاتب و باحث عراقي

Mj_sunbah@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/تموز/2011 - 9/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م