إسلاميو مصر والتحول البراغماتي

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: ان اهم الدروس التي يمكن ان تؤخذ من السياسية انها عبارة عن "مجموعة من المصالح" وان اصحاب المبادىء على حساب المصالح في هذا الزمان اصبحوا من النوادر "هذا ان وجدوا"، اذ ان السياسة قد تتقاطع مع المبادىء والقيم في كثير من الاحيان، وهنا يأتي دور المصالح في تسيير الامور وغض البصر والتحالف مع الشيطان في تحقيق بعض المكاسب السياسية، وما الاحزاب التي اطرت بالواجهات الدينية "وكذلك الحال بالنسبة الى العلمانية والاشتراكية والشيوعية وغيرها" الا مثال بسيط على مدى البون الشاسع بين ما تدعيه وما تفعله على ارض الواقع، ولعل الاحزاب الاسلامية في مصر وفي سعيها المحموم وراء السلطة في مصر قد طبقت قواعد اللعبة السياسية بعد ان قبلت بالطعم الامريكي ووافقت على فتح باب الحوار والتفاهم ومد جسور الثقة بينها وبين العدو الاول له، في خطوة هي الاولى من نوعها وربما لن تكون الاخيرة.

تقارب مع الاسلاميين

حيث يعتبر قرار الولايات المتحدة استئناف الاتصالات مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر تحركا عمليا يعترف بمدى شعبيتها في مصر بعد الثورة وربما يساعد ايضا واشنطن على التعامل مع حركات اسلامية اخرى في المنطقة، وتقف الولايات المتحدة وراء التحول السياسي في العالم العربي في وقت اطاحت فيه انتفاضتان شعبيتان بحليفيها العلمانيين والشموليين من الحكم في مصر وتونس ويشهد زعيمان اخران في ليبيا واليمن تمردا دمويا ضد حكمهما الممتد منذ عقود من الزمن، ومن شأن الاعتراف بالجماعات التي تجد اراؤها قبولا لدى الناخبين حتى وان تعارضت مع القيم الليبرالية الغربية ان يساعد الولايات المتحدة على استعادة زمام المبادرة وضمان بقاء تأثيرها اذا نجح المشروع الديمقراطي المصري، وقال شادي حامد مدير الابحاث بمركز بروكينجز الدوحة "الاخوان الان هم القوة الكبرى في مصر والولايات المتحدة تعرف انها ستضطر للتعامل معها"، واكدت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون القرار الامريكي، كما رحب به الاخوان، تأسست الجماعة عام 1928 كجماعة دينية لتعزيز القيم الاسلامية في المجتمع المصري لتتحول لاحقا الى قوة سياسية، ونبذت الجماعة العنف قبل سنوات وتمزج رؤيتها المعلنة حاليا بين النهج المحافظ وهدف اقامة دولة ديمقراطية مدنية، ورغم ان الجماعة محظورة رسميا لكن نظام مبارك الذي اطاحت به انتفاضة شعبية ابدى تسامحا معه، وتعتبر الان اللاعب السياسي الافضل استعدادا للانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في سبتمبر ايلول المقبل. بحسب رويترز.

وقال الخبير العسكري المصري صفوت الزيات "هناك الان نية بين الامريكيين على قبول التعامل مع تيار الاسلام السياسي غير العنيف في مصر حاليا وقبول وجوده في السلطة"، لكن التقارب من جماعة تبدي تعاطفا مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تحكم غزة وتتعهد بتدمير اسرائيل سيغضب على الارجح اقوى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وقال ايتان جيلوبا الخبير في شؤون الشرق الاوسط بجامعة بار ايلان قرب تل ابيب "المحاولة الامريكية للتصالح مع الاخوان المسلمين مشكلة كبيرة بالنسبة لاسرائيل، الاخوان المسلمون هي اكبر معارض لاتفاقية السلام مع اسرائيل، هناك خطر الغاء المعاهدة"، وقال جابرييل بن دور وهو محلل اخر بجامعة حيفا انه لا يرى مشكلة لاسرائيل بل فوائد محتملة اذا ساعدت هذه الخطوة واشنطن على تكوين فهم افضل "لكيفية انتظام القوى السياسية في مصر الجديدة"، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ايجال بالمور "لن ندلي بأي تعليق الان"، ولا يزال مسؤولون اسرائيليون اخرون يجمعون المزيد من المعلومات، وكان للمسؤولين الامريكيين علاقات غير رسمية منذ فترة طويلة مع شخصيات اخوانية، وحضر بعضها الخطاب التاريخي للرئيس الامريكي باراك اوباما في جامعة القاهرة عام 2009 والتقى اعضاء بالكونجرس بنواب من الجماعة، وقد تتطور اتصالات ذات طابع اكثر رسمية واكثر انتظاما الى تعاون مؤقت بشأن قضايا اقليمية اوسع في ظل تلهف الولايات المتحدة على ضمان ان تبقي مصر الديمقراطية على اتفاقية السلام مع اسرائيل، ويهون مسؤولو الاخوان من فرص الغاء اتفاقات كامب ديفيد لعام 1979 اذا حصلوا على سلطة كافية للتأثير في السياسة الخارجية مشددين على انهم سيبقون على الاتفاقيات التي تصب في مصلحة مصر.

ويقول معلقون مصريون ان حوارا مع الاخوان من شأنه ان يعطي الولايات المتحدة قناة اخرى للتأثير على جماعات متشددة اخرى مثل حماس وحزب الله التي تشاركها بعض الاهداف، وقال عماد جاد الباحث الكبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "امريكا قد تستخدم ايضا اخوان مصر للضغط على حماس لقبول اشياء معينة اذا لزم الامر"، وتبدو الفوائد لجماعة الاخوان التي رحبت باحتمال اجراء اتصالات رسمية مع واشنطن اقل وضوح، وقال المتحدث باسم الجماعة محمد سعد الكتاتني انها ستساعد في "توضيح رؤيتنا" ولن تعني اي تدخل في شؤون مصر الداخلية، لكن مؤيدي الاخوان ربما يخشون من ان تفرط قيادة الجماعة في مبادئها للحصول على نفوذ لدى واشنطن التي لا تزال تفتقد الشعبية بين كثير من المسلمين بسبب حربيها في افغانستان والعراق، وقالت اميرة صلاح احمد الصحفية المصرية البالغة من العمر 28 عاما "من الناحية النظرية تعطيهم مزيدا من الشرعية على الساحة السياسية وعلى الصعيد الدولي"، لكن في الداخل قد تشوه سمعتهم وتجعل الناس اكثر تشككا في نواياهم بالنظر الى عدم شعبية امريكا بين المصريين خاصة الان بعد الثورة حيث يحرص الناس على مزيد من السيادة"، وتقول الجماعة انها ستتنافس على اكثر من نصف مقاعد ما سيكون اول برلمان ديمقراطي حقيقي في مصر خلال عقود من الزمن ولن تخوض انتخابات الرئاسة لانها لا تريد الهيمنة على الحكومة، وقال جاد "سينظر لهم على انهم طالبو سلطة وهو ما يتناقض مع ما يقولونه مرارا".

أمريكا تستأنف الاتصالات

الى ذلك قال مسؤول أمريكي رفيع إن الولايات المتحدة قررت استئناف الاتصالات الرسمية مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر في خطوة تعكس الثقل السياسي المتنامي للاسلاميين وان كان من شبه المؤكد ان يغضب ذلك إسرائيل ومؤيديها الأمريكيين، وقال المسؤول الرفيع الذي طلب عدم نشر اسمه "المشهد السياسي في مصر تغير ومستمر في التغير"، وأضاف، "من مصلحتنا التعامل مع كل الاطراف التي تتنافس على البرلمان والرئاسة"، وحرص المسؤول على التأكيد على ان هذا التحول هو تطور دقيق أكثر منه تغير مفاجيء في موقف واشنطن من الاخوان المسلمين التي تأسست في عام 1928، وبموجب سياسة واشنطن السابقة كان يسمح للدبلوماسيين الامريكيين بالتعامل مع أعضاء الاخوان المسلمين في البرلمان ممن فازوا بمقاعد كمستقلين، وهو قالب خيالي دبلوماسي سمح لهم بالمحافظة على خطوط اتصال مفتوحة، وبينما كان الدبلوماسيون الامريكيون في السابق يتعاملون فقط مع مجموعة أعضاء لدورهم كبرلمانيين وهي سياسة قال المسؤول انها سارية منذ عام 2006 فانهم سيتعاملون الان مباشرة مع كوادر أقل مستوى في جماعة الاخوان المسلمين، ولا يوجد حظر قانوني أمريكي يمنع التعامل مع جماعة الاخوان المسلمين نفسها التي نبذت العنف منذ فترة طويلة كوسيلة لتحقيق تغيير سياسي في مصر والتي لا تعتبرها واشنطن منظمة ارهابية أجنبية، لكن جماعات اخرى متعاطفة مثل حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) التي تصف جماعة الاخوان المسلمين بأنها مرشدها الروحي لم تنبذ العنف ضد إسرائيل، ووجدت ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما نفسها في مأزق، ويقول مسؤولون سابقون ومحللون ان ما من خيار امامها سوى التعامل بشكل مباشر مع الاخوان المسلمين نظرا لنفوذ الجماعة السياسي بعد سقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك في 11 فبراير شباط، ومن المؤكد ان يواجه اوباما انتقادات لتعامله مع الاخوان حتى ولو بصفة مؤقتة.

وعبر بوضوح هوارد كور المدير التنفيذي للجنة الشؤون العامة الامريكية الاسرائيلية عن الشكوك العميقة للجنة المؤيدة لاسرائيل ازاء جماعة الاخوان في كلمة القاها مؤخر، وقال كور "بينما نأمل جميعا ان تخرج مصر من الانتقال السياسي الحالي بديمقراطية ناجحة على النمط الغربي فان الحقيقة هي ان أفضل قوة سياسية منظمة في مصر الان هي الاخوان المسلمون، التي لا تعترف باسرائيل"، ورأى دبلوماسيون امريكيون سابقون ان الولايات المتحدة تعين عليها التعامل مع الاخوان المسلمين نظرا لنفوذها في مصر، وقال ادوارد ووكر وهو سفير أمريكي سابق في مصر واسرائيل يعمل الان بالتدريس في كلية هاملتون "لا يمكن ان يكون لدينا انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية ما لم نكن مستعدين للتحدث مع كل الناس الذين هم جزء من تلك الديمقراطية"، وأضاف "ان ذلك سيفتح بابا للشيطان"، واستطرد "هناك كثير من الناس الذين لن يرضيهم ما أفرزته جذور الاخوان المسلمين، سيكون هناك أناس لن يقبلوا بان الاخوان المسلمين أصبح لهم شخصية جديدة أو مختلفة اليوم"، ومن المقرر ان تجرى الانتخابات البرلمانية في مصر في سبتمبر ايلول ووعد المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد باجراء انتخابات الرئاسة بحلول نهاية العام، وتطور تعامل الولايات المتحدة مع الاخوان المسلمين بمرور الوقت ووجد المسؤولون سبلا للمحافظة على الخطوط مفتوحة تحت ستار ورقة توت دبلوماسية أو اخرى، وفي يونيو حزيران عام 2005 قالت وزيرة الخارجية الامريكية انذاك كوندوليزا رايس في ردها على سؤال بالجامعة الامريكية في القاهرة "لم نجر اتصالات مع الاخوان المسلمين"، وأضافت "لم نتعامل مع الاخوان المسلمين ولن نفعل"، والحقيقة أكثر تعقيد، في الثمانينات تعامل دبلوماسيون امريكيون علانية وكانوا يزورون مقر الجماعة بالقاهرة للالتقاء باعضاء بينهم مرشد جماعة الاخوان المسلمين وفقا لنص كلمة القاها في مايو ايار 2008 فرانسيس ريتشاردوني السفير الامريكي الاسبق لدى مصر الذي يتولى الان منصب سفير الولايات المتحدة لدى تركيا. بحسب رويترز.

وبحلول عام 1994 عندما أصبح ووكر سفيرا لامريكا لدى القاهرة قال ان السياسة هي تجنب الاتصالات المباشرة والتعامل مع النقابات أو الشخصيات البارزة الاخرى التي قد تكون منتمية لعضوية جماعة الاخوان المسلمين، ووفر هذا الاسلوب لواشنطن وسيلة لمراقبة فكر الاخوان دون استعداء اولئك الذين يعارضون مثل هذه الاتصالات أو نظام مبارك الذي أبقى على وضعها كمنظمة سياسية محظورة وسجن العديد من اعضائها لكنه سمح لها أيضا بعمل برامج للرعاية الاجتماعية، ورغم عداء مبارك للجماعة فانه قد سهل بطريقة غير مباشرة الاتصالات الامريكية بها بسماحه للمتعاطفين معها بالفوز بمقاعد في البرلمان ماداموا يخوضون الانتخابات كمستقلين مقدما لواشنطن مبررا للاتصالات، وقال اليوت ابرامز نائب مستشار الامن القومي المختص بشؤون الشرق الاوسط في ادارة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش انه كان يفضل اسقاط الحظر المفروض على الاتصالات الرسمية لكن مع الاقدام على أي تعاملات فعلية بحرص شديد، وقال ابرامز ان المواقف التي تبناها بعض اعضاء الاخوان مثل تأييد اجراء اختبارات دينية لمن يشغلون مناصب عامة والتشكيك في حق النساء وتقييد حرية العقيدة أو حرية التعبير كانت "مكروهة" بالنسبة للولايات المتحدة، وتقول جماعة الاخوان انها تريد دولة مدنية ذات مرجعية اسلامية لكن الحديث من جانب بعض اعضائها عن "دولة اسلامية" أو "حكومة اسلامية" أثار قلقا من ان هدفهم هو دولة تطبق فيها احكام الشريعة بالكامل، وتقول الجماعة ان مثل هذه التصريحات أخرجت من سياقه، وقال ابرامز "انه أمر حيوي، ان نوضح تماما للمصريين انه اذا كنا سنعقد اجتماعا فهذا لا يعني اننا أقل معارضة للافكار التي يمثلونها"، وقال المسؤول الامريكي الذي طلب عدم الافصاح عن هويته ان الدبلوماسيين الامريكيين "سيواصلون التأكيد على أهمية دعم المباديء الديمقراطية والالتزام بعدم العنف واحترام الاقليات وحقوق المرأة في الحوارات مع كل الجماعات بما فيها الاخوان المسلمون".

الاخوان يرحبون

في سياق متصل قال متحدث باسم جماعة الاخوان المسلمين في مصر إن الجماعة ترحب بأي اتصالات رسمية مع الولايات المتحدة كوسيلة لتوضيح رؤيتها لكن لم تجر حتى الآن أي من هذه الاتصالات، وقال مسؤول امريكي رفيع إن الولايات المتحدة قررت استئناف الاتصالات الرسمية مع جماعة الاخوان المسلمين في خطوة تعكس الثقل السياسي المتنامي للاسلاميين وان كان من شبه المؤكد ان يغضب ذلك اسرائيل ومؤيديها الامريكيين، وقال محمد سعد الكتاتني المتحدث باسم الاخوان "اننا نرحب بأي نوع من العلاقات من الجميع وان تكون هذه العلاقات لتوضيح الرؤى ولكن لا تكون ولا تقوم على التدخل في الامور الداخلية للبلاد"، وقال الكتاتني الذي يتولى ايضا منصب الامين العام لحزب الحرية والعدالة الذي يمثل الاخوان "حتى الان لم يتم أي اتصالات مع الجماعة أو الحزب"، وأضاف "هذه العلاقات ستوضح رأينا في الشأن العام والقضايا"، وبموجب سياسة واشنطن السابقة كان يسمح للدبلوماسيين الامريكيين بالتعامل مع أعضاء الاخوان المسلمين في البرلمان ممن فازوا بمقاعد كمستقلين، وهو قالب خيالي دبلوماسي سمح بالمحافظة على خطوط اتصال مفتوحة. بحسب رويترز.

وقال مسؤولون أمريكيون سابقون ومحللون ان ادارة الرئيس باراك اوباما ليس لديها خيار يذكر غير التعامل مع الاخوان المسلمين مباشرة نظرا لنفوذهم السياسي بعد سقوط مبارك يوم 11 فبراير شباط، وقال المسؤول الرفيع الذي طلب عدم نشر اسمه "المشهد السياسي في مصر تغير ومستمر في التغير"، وأضاف "من مصلحتنا التعامل مع كل الاطراف التي تتنافس على البرلمان والرئاسة"، ونبذت جماعة الاخوان المسلمين منذ فترة طويلة العنف كوسيلة لتحقيق تغيير سياسي في مصر ولا تعتبرها واشنطن منظمة ارهابية اجنبية، لكن جماعات اخرى متعاطفة مثل حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) التي تصف جماعة الاخوان المسلمين بأنها مرشدها الروحي لم تنبذ العنف ضد اسرائيل، ومن المقرر ان تجرى الانتخابات البرلمانية في مصر في سبتمبر ايلول ووعد المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون البلاد باجراء انتخابات الرئاسة بحلول نهاية العام، وعندما سئل مسؤول امريكي في المنطقة بشأن استئناف الاتصالات الرسمية قال "هذا الامر يجري الاعداد له منذ بعض الوقت"، وأضاف المسؤول ان أعضاء زائرين من الكونجرس الامريكي اجتمعوا مع مسؤولين من الاخوان كما اجتمع دبلوماسيون مع اعضاء بصفة غير رسمية في مناسبات كان يحضرها الاخوان واخرون.

انتقادات وانقسامات

من جهة اخرى وفي الاسابيع التالية لاسقاط مبارك نعمت قنوات التلفزيون المصرية بالحريات الجديدة التي حصلت عليها باعطاء مساحات من بثها لاعضاء وقيادات جماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة مما وفر لهم منبرا مفتوحا للحديث، ولايزال أعضاء الجماعة السياسية الافضل تنظيما في مصر من الضيوف المتكررين، لكن اللهجة تغيرت، وأفسحت الاسئلة الناعمة المجال لاسئلة أصعب بشأن خططهم ولانتقادات لتصريحاتهم، وقال الكاتب خالد منتصر لصبحي صالح عضو جماعة الاخوان والعضو السابق بمجلس الشعب "انت لست حارس العقيدة وحدك ولم يمنحك احد توكيلا بهذ، السماء لا تعطي توكيلا لفرد"، وجاء الانتقاد خلال برنامج حواري في يونيو حزيران بعد أن قال صالح الذي كان عضوا بلجنة التعديلات الدستورية ان جماعة الاخوان ستؤدي جيدا في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر ايلول لان أعضاءها "حراس العقيدة"، وعلى الرغم من هذه الانتقادات فان من المتوقع أن يكون أداء الجماعة افضل من منافسيها في الانتخابات، وعلى الرغم من أنها كانت محظورة في عهد مبارك فانها تمتعت بمساحة كافية لاقامة شبكات بين القاعدة العريضة من الناس من خلال أنشطتها الطبية والخيرية، لكن ليس واضحا الى اي مدى سيكون أداؤها جيد، ربما تكون متقدمة على الاخرين في مصر بعد عهد مبارك لكنها تواجه الان تدقيقا اعمق بشأن خططها وتسعى جاهدة للسيطرة على جدل داخلي بشأن كيفية المنافسة في الانتخابات القادمة، وقال نبيل عبد الفتاح من مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "الجماعة لديها قدرات تنظيمية ومالية، (لكن) هناك شعور لدى قطاعات اجتماعية واسعة بان هناك مخاطر يمكن أن تلحق بمصر اذا وصل الاخوان الى السلطة".

وقال محللون ان جماعة الاخوان التي اعتادت اتخاذ القرارات السياسية خلف الابواب المغلقة لفترة طويلة لم تظهر جبهة موحدة منذ تمت الاطاحة بمبارك في 11 فبراير شباط، وفي بعض الاحيان افتقرت الى الحنكة في تفسير قراراته، ويشير منتقدون الى تحولات او تناقضات في السياسة، ويقول كبار المسؤولين بجماعة الاخوان منذ فترة طويلة ان جماعتهم ملتزمة "بدولة مدنية" تقوم على مباديء اسلامية، لكن بعض المصريين شعروا بالقلق حين أشار مسؤولون بالجماعة الى "دولة اسلامية" او "حكومة اسلامية" او تعبيرات اخرى تنبيء بالتطبيق الكامل للشريعة الاسلامية، وقللت الجماعة من أهمية هذه التعليقات وتقول عادة انها منتزعة من سياقها وان الانتقادات جزء من حملة اعلامية لتشويه سمعته، وبعد سقوط مبارك بفترة قصيرة قالت الجماعة انها لن تخوض انتخابات مجلس الشعب الا على ثلث المقاعد، وفي ابريل نيسان قالت انها ستنافس على نصفها دون تفسير لهذا التغير، وقالت غدير البلقيني (23 عاما) وهي محجبة مثل كثير من المصريات "كنت أود أن أعطي فرصة للاخوان بعد الثورة لكن كلما سمعتهم يتحدثون كلما قررت أنني سأصوت لاي أحد سواهم"، وباتت وسائل الاعلام اكثر انتقادا للجماعة، واتهم بعض المعلقين الاخوان المسلمين بوضع جدولهم فوق مصر، وقال وحيد حامد الذي كتب السيناريو لمسلسل تلفزيوني باسم (الجماعة) عن جماعة الاخوان المسلمين في صحيفة المصري اليوم ان الاخوان لا يرون الا الاخوان وان حساباتهم اولا واخيرا تتعلق بالاخوان.

وفي عهد مبارك حققت الجماعة افضل نتائجها بانتخابات مجلس الشعب عام 2005 حين حصلت على 20 في المئة من المقاعد، وفي حين أن أداءها قيده التزوير الذي انتشر على نطاق واسع فانها استفادت من الاصوات التي تم الادلاء بها احتجاجا على الحزب الوطني الحاكم الذي كان يتزعمه مبارك، وخاض مرشحو الجماعة الانتخابات كمستقلين تفاديا للحظر المفروض عليه، وكانت هي الاكثر تنظيما في عهد مبارك، لكن احزابا سياسية جديدة تظهر كل اسبوع الان، وأظهرت دراسة اجراها مركز جالوب في ابوظبي أن تسعة من كل عشرة مصريين استطلعت اراؤهم يعتزمون الادلاء بأصواتهم في الانتخابات، وحصل الاخوان على دعم 15 في المئة ممن تم سؤالهم، وتظهر أغلبية من المصريين في استطلاعات الرأي التي يجريها جالوب وغيره من المراكز رغبة في أن يلعب الاسلام دورا في السياسة، لكن الاستطلاعات تشير ايضا الى أن الرأي السائد يرفض الدولة الدينية، وحتى داخل جماعة الاخوان هناك اراء متباينة على نطاق واسع مما يضعف قدرة القيادة على اظهار الوحدة، وأنشأت جماعة الاخوان حزب الحرية والعدالة قبل انتخابات سبتمبر، لكن بعض اعضاء الجماعة تحالفوا مع احزاب أخرى او كونوا أحزابا خاصة بهم، وردا على الانقسام في الصفوف قال الامين العام للجماعة محمود حسين في يونيو حزيران ان الاعضاء الذين تحالفوا مع احزاب أخرى سيجبرون على ترك الاخوان وهي خطوة أغضبت البعض خاصة شباب الاخوان، وقال محمد القصاص وهو من شباب الاخوان وساعد في تأسيس حزب يحمل اسم حزب التيار المصري "هذا الكلام ليس قرار الجماعة، لم تتم مناقشته بشكل موسع، هذه التصريحات ليست مفيدة لانه لابد من وجود مرونة وسماح في التحرك السياسي في هذه المرحلة"، كما فصلت الجماعة التي قالت انها لن تخوض انتخابات الرئاسة عبد المنعم ابو الفتوح وهو أحد أعضائها البارزين لانه أعلن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة، وقال المحلل السياسي مصطفى السيد ان من المؤكد أن هذا يظهر انقسامات بين اعضاء جماعة الاخوان.

وبعيدا عن هذه المشاحنات الداخلية أغضب بعض قادة الاخوان كثيرين من المنتمين للحركة الشبابية المصرية حين خرجوا للمطالبة باسقاط مبارك، واتهمت الحركة الشبابية الجماعة بمحاولة اختطاف الثورة.وجلست جماعة الاخوان التي اكتوت بنار حملة مبارك على المعارضة في مقاعد المتفرجين في الايام الاولى للثورة التي تفجرت في 25 يناير كانون الثاني خشية تعرضها للسحق، وبعد ذلك ببضعة ايام بدأت الجماعة تحشد اعضاءه، منذ ذلك الحين أغضبت النشطاء لما يصفونه بمحاولة الجماعة تقويض الاحتجاج الذي تم تنظيمه في 27 مايو ايار والذي حمل اسم "الثورة الثانية"، وتمت الدعوة لهذا الاحتجاج حتى يسرع المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد بتفكيك نظام مبارك القديم وفي محاكمات المسؤولين السابقين المتهمين بالفساد، وبعد أن أعلنت الجماعة مقاطعتها للاحتجاج نشرت صورة على موقعها تزعم أن ميدان التحرير مركز الثورة خال في يوم 27 مايو، لكن الحقيقة أن الالاف احتشدوا بالميدان في ذلك اليوم، وكتب حامد في عاموده أن هذا هو ما يفعله الاخوان لتدمير حالة الوحدة التي جمعت الشعب المصري وأنها استلت السيف وطعنت الثورة به، وأظهر استطلاع للرأي أجري على موقع فيسبوك بعد احتجاج 27 مايو وشارك فيه 21 الف شخص أن 53 في المئة من المشاركين قالوا انهم يعتقدون أن جماعة الاخوان خانت الثورة من اجل غايات شخصية، وشارك بعض شباب الاخوان الذين انضموا الى ائتلاف شباب الثورة في احتجاج 27 مايو، لكن جماعة الاخوان اصدرت بيانا قالت فيه انها ليس لها ممثلون في الائتلاف سعيا الى تنحيتهم جانبا فيما يبدو، وكتب زياد العليمي عضو الائتلاف في صحيفة المصري اليوم ان جماعة الاخوان تواجه معضلة ضخمة، وأضاف أن عليها اما أن تتبع هؤلاء الشباب وتصبح جزءا من نسيج الحركة الوطنية المصرية او تختار الانغلاق على نفسها واستبعاد الوطنيين من صفوفها.

الخارطة السياسية في مصر

بدورها نشرت مجلة "تايم" الاميركية مقالا لمراسلها بوبي غوش تناول فيه ما يجري داخل صفوف حركة الاخوان المسلمين من تفرعات واختلافات، وقد وصف الحركة بانها "خيمة كبيرة" تضم فئات متنافرة، وفيما يلي ترجمة لمقال المجلة الاميركية، ينظر معظم المراقبين الغربيين الى حركة الاخوان المسلمين على انها مجموعة متجانسة من الاسلاميين، يهدفون الى الاطاحة بالدولة العلمانية المصرية وفرض الأحكام الشرعية المتشددة على سكانه، وفي واقع الامر، فان الحركة الاسلامية ظلت منذ فترة طويلة تشبه "خيمة كبيرة" تظلل داخلها ممثلين من اصحاب الافكار السياسية المختلفة، الذين توحدوا نتيجة عمليات القمع التي مارسها نظام مبارك، وفي حديثي مع بعض "الاخوان" التقيت بيساريين يتبعون النظام القديم، ولا ابالغ اذا قلت انهم ماركسيون يبدو ان هدفهم الرئيسي يتعلق بحقوق العمال، بينما كان اخرون يمقتون، على غرار (رئيسة وزراء بريطانيا السابقة) ثاتشر، الاتحادات العمالية، بل ان من بينهم اسلاميبن خضرا، هذا بالاضافة الى مجموعتين او اقل مختلفتين تماما "اتباع حسن البنا من ناحية واتباع سيد قطب من ناحية اخرى"، اما وقد انقضت ايام القمع الوحشي الذي مارسه مبارك، فان من المتوقع على وجه التحديد من المقيمين داخل الخيمة الكبيرة ان يشعروا بالحرية وان ينطلقوا على هواهم، اذ قام بعضهم بالانسلاخ بهدوء، لطرح انفسهم مع الليبراليين ومنهم محمد البرادعي وعمرو موسى، وهناك آخرون من امثال عبد المنعم ابو الفتوح الذي انفصل مخلفا وراءه ضجة واسعة بعد ان تحدى حظر الاخوان ترشيح اي من اعضائه لمنصب الرئيس، وقد فُصل من الحركة.

وقررت مجموعة من شبان الاخوان المسلمين شق طريقهم الخاصة وانشاء حزب التيار المصري (وقالت جماعة الاخوان التي لديها جناحها السياسي تحت اسم حزب الحرية والعدالة، فانها قالت انها ستفصل كل من ينضم الى حزب التيار الجديد)، كانت هذه الخطوة متوقعة، ذلك انهم قبل يومين من الاعلان عن حزبهم الجديد، اعلن محمد القصاص واسلام لطفي انهما لا يقران بتصرفات قادة الاخوان من كبار السن، وقال القصاص ان "الثورة رفعت الغطاء عن الخلافات الواسعة بين كبار السن والشبان في جماعة الاخوان"، ففي الوقت الذي كان الشبان من الاعضاء حريصين على الانضمام الى الانتفاضة ضد مبارك منذ بدايتها، فان كبار السن في قيادة الاخوان كانوا مترددين في اتخاذ موقف حاسم، وربما كان ذلك لانهم عانوا كثيرا نتيجة مقاومة النظام (اذ قضى الكثير من اعضاء الجماعة سنوات طويلة في السجن وتعرضوا للتعذيب)، وقد استمر الحرس القديم في تردده لعدة ايام بينما كانت الحركة المناوئة لمبارك تتعاظم في ميدان التحرير، غير ان القيادة ما لبثت فيما بعد أن أعلنت تأييدها للثورة، الا انهم حينئذ كانوا قد فقدوا مصداقيتهم بين الكثير من الشبان الاعضاء، وشبان الاخوان الذين انضموا بالفعل الى الجماهير في الميدان وجدوا انفسهم "لاول مرة من دون اشراف كبار السن عليهم" يجادلون في الشؤون السياسية مع شخصيات غير اسلامية، وتبين لهم انهم يتشاركون في التطلعات، وقال لطفي انهم "ارادوا الاشياء نفسها التي ندعو اليها، مثل الحرية وحق تغيير الحكومة"، وبعد سقوط مبارك، اصيب شبان الاخوان بخيبة الامل تجاه الخطوات الاولية لكبار السن، وبين ليلة وضحاها اعلن عن تشكيل حزب سياسي للاخوان من دون نقاش يذكر، وكان الشبان يفضلون اجراء انتخابات داخلية لتقرير قيادة التشكيلة الجديدة، وقال القصاص انه "ليس هناك اختلاف واضح بين الاخوان والحزب"، وان فصل ابو الفتوح كان القشة التي قصمت ظهر البعير، وقال القصاص ولطفي انه بعد اطلاق حزبهما الخاص انهما ينويان اعلاء راية تطلعات ميدان التحرير، وفي الوقت الذي ارتفعت فيه درجة طموحاتهم، فانها قصرت عن امور محددة فما يتعلق بالكيفية التي يريدون ان يقوم عليها شكل الحكومة في مصر، وسيسعى الى نصب "خيمة كبيرة" جديدة ويدعون الليبراليين واليساريين الى الانضمام اليه، وما يدعو الى الاهتمام هو ان الاخوان المسلمين يريدون بدورهم تشكبل ائتلاف عريض ايضا قبل موعد الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في خريف هذا العام.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2011 - 7/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م