العراق ومؤسساته الدستورية... فاقد الشيء لا يعطيه

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من الأساسيات التي تستند إليها الديمقراطية في أية دولة بالعالم، وجود مؤسسات دستورية قوية ومستقلة، تحمي الديمقراطية من عبث الحكام، والحكومات التي تحاول القفز على الدستور لتجعل منه إلعوبة بيدها، أو عجينة تشكلها كما ترغب وتريد، وفقا لمصالحها، التي غالبا ما تكون بالضد من مصالح الشعب.

بهذا المعنى تكون المؤسسات الدستورية هي الداعم الاول للديمقراطية، ويمكن الجزم في هذا الصدد بأن قوة هذه المؤسسات، ودرجة استقلاليتها، تمثل معيارا دقيقا لمعرفة نجاح التجربة الديمقراطية من فشلها، ونستنتج من ذلك، كلما ضعفت تلك المؤسسات وفقدت استقلالتها، كلما ضعفت الديمقراطية، وتحولت الى غطاء مزيّف تحتمي به الحكومات، وتزيّن به وجهها الذي غالبا ما يكون قبيحا.

فإية حكومة غير ديمقراطية هي قمعية بالضرورة، ولا وجود لتوصيف وسط في هذا المجال، أي من الصعب أن نقول أن هناك حكومية فردية أو حكومة يقودها حزب واحد بغياب المعارضة، يمكن أن نطلق عليها حكومة ديمقراطية ناجحة تعمل لصالح الشعب، او أنها حكومة تستند الى الشرعية الشعبية، لأن الفردية والدكتاتورية الحزبية، غالبا ما تبني نفسها من خلال التجاوز على حقوق الشعب، حتى لو تطلب الامر، سفك الدماء وازهاق الارواح.

هذا ما تخبرنا به تجارب الشعوب والامم في الماضي والحاضر، ولذلك لابد أن تقترن الحكومات الناجحة، بوجود المؤسسات الدستورية القوية والمستقلة، كونها وسائل حماية قوية للديمقراطية، فهل نحن في العراق نمتلك في نظامنا السياسي، مثل هذه المؤسسات الحامية للديمقراطية؟ وإذا جاء الجواب بالايجاب، سيولد منه سؤال آخر يقول: هل مؤسساتنا الدستورية الحالية قوية ومستقلة، ولها القدرة الكافية على دعم التجربة الديمقراطية في العراق؟!.

إن بعض وقائع ما يجري على الارض يشير الى الاجابة بالنفي، بكلمة أوضح، أن مؤسساتنا الدستورية التي أَسِّسَتْ لدعم الديمقراطية وحمايتها، هي نفسها تعاني من مشكلة عدم الحماية، وهنا ينطبق عليها قانون (فاقد الشيء لايعطيه)، بمعنى أن هذه المؤسسات، طالما أنها لا تتمكن من حماية استقلاليتها، فإنها بالضرورة تكون غير قادرة على توفير الحماية القانونية والدستورية لغيرها، ولا احد من السياسيين العراقيين او غيرهم يمكنه أن ينفي عدم استقلالية المؤسسات الدستورية، منذ بدأنا ببناء الديمقراطية الجديدة بعد نيسان 2003 وحتى الوقت الراهن.

إن التدخل الحكومي يكاد يكون واضحا في عمل هذه المؤسسات، والمشكلة الاخرى التي تعاني منها هذه المؤسسات، أنها هي نفسها مصدر إضعاف لنفسها، بكلمة اوضح أن عدم ادائها لدورها في البناء الديمقراطي، يتأتى أيضا من عمليات الإضعاف التي تطولها من نفسها هي، أو من الذين ينتمون إليها ويديرون شؤونها، مثالنا على ذلك مفوضية الانتخابات، وهي مؤسسة دستورية مهمة جدا، يُعدّ دورها من اهم ادوار تعضيد التجربة الجديدة، وبناء الدولة على أسس ديمقراطية، من خلال إقامة دورات الانتخابات النيابية، ومجالس المحافظات، لاختيار اعضاء الحكومة المركزية، والبرلمان، والحكومات المحلية، وهذا دور جوهري لمفوضية الانتخابات، ولا يمكنها القيام بهذا الدور في حالة تعرضها لحالات الضعف والاضعاف، سواء من خارجها كالتدخل في استقلاليتها، أو من داخلها كما لوحظ مؤخرا في حالات الفساد التي تستشري بين اعضائها، كما كشفت لنا ذلك جلسة البرلمان الخاصة باستجواب رئيس المفوضية المستقلة للانخابات.

فالمؤسسة الفاسدة ستعجز حتما عن القيام بالدور الامثل المناط بها، ولو جئنا للحديث عن المحكمة الاتحادية، فإننا نجد أنها غير مستقلة بالمعنى الكامل للاستقلال، أي أن الاحزاب القوية وتبادل المنافع وحماية المصالح وادارة الصراع بين الكتل السياسية وما شابه، يؤدي الى التدخل على نحو مباشر او غير مباشر في عمل هذه المؤسسة، وهو أمر يؤدي بالنتيجة الى إضعاف دورها في حماية العملية الديمقراطية.

أما الحديث عن المؤسسة النيابية التي تمثل شرائح الشعب كافة، فإنها ايضا لا تخرج بعيدا عن دائرة الضعف، وكلنا يعرف نقاط الضعف التي يعاني منها البرلمان، وهو المؤسسة التشريعية التي تمتلك الدور الاعظم في بناء التجربة الديمقراطية الجديدة، لكن تضارب المصالح بين أعضائها الـ (325)، وتعدد انتماءاتهم الى كتل واحزاب متقاطعة في التوجهات والآراء والنيّات أيضا، كل هذا، وربما هناك امور اخرى تجعل من هذه المؤسسة التشريعية الهامة، ضعيفة وغير قادرة على الايفاء بدورها الدستوري الكبير، فيما يخص حماية الديمقراطية العراقية.

إذن نحن نعاني من مؤسسات دستورية هي أصلا تعاني الضعف، ومصادر هذا الضعف واضحة، وفي حال تأكد لنا أن مؤسساتنا الدستورية غير قادرة على حماية الديمقرطية، فإنها ستتحول الى تدميرها، وليس هناك شيء وسط في هذا المجال، أعني أن هذه المؤسسات أما تبني أو تدمّر ولا شيء وسط بين هذين الفعلين.

هذا الاستنتاج يؤكد أننا نحتاج بهذا الصدد، الى خطوات اجرائية عملية داعمة لهذه المؤسسات، منها:

- أن يتم تعيين اعضاء مفوضية الانتخابات وخاصة الدرجات الوظيفية العليا بإسلوب الانتخاب.

- أن يُفسَح المجال كاملا لمنظمات المجتمع المدني في المراقبة والدعم والتطوير لعمل المؤسسات الدستورية.

- أن تتسم جميع نشاطات مفوضية الانتخابات والبرلمان وغيرهما بالشفافية التامة.

- أن تكون هناك اجراءات رقابية حقيقية على عمل هذه المؤسسات، على أن لا تتحول الرقابة الى ابتزاز وتدخّل وإضعاف، ويمكن ان نضمن ذلك بقانون تضعه كوادر مختصة.

- أن يحرص السياسيون والمعنيون جميعا على ضمان استقلالية جميع المؤسسات الدستورية، وأولهم السلطة التنفيذية.

هذه بعض التصورات التي قد تكفل بعض التصحيحات في مسار العملية الديمقراطية، وهي تصورات تتطلب التنفيذ، ومن دونه قد تتضاعف حالات الفشل، وهو امر يضر بالجميع حكاما ومحكومين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2011 - 7/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م