السعودية والسباق النووي

د. مضاوي الرشيد

جاءت محاضرة رئيس الاستخبارات السابق تركي الفيصل في قاعدة عسكرية للنيتو حيث تتداول قيادة امريكية اوروبية شأن الشرق الأوسط لتكشف عن مدى ارتجاف السعودية من تغير خارطة المنطقة العربية بعد سقوط نظام مبارك والثورات المشتعلة والتي تهدد العدد الكبير من الانظمة العربية.

يرى الأمير السعودي ان ايران هي المستفيد الوحيد من الثورات التاريخية حيث تبدو وكأنها اكثر تغلغلاً في المنطقة خاصة وان القيادات الجديدة التي ستفزرها الثورات العربية ربما لا تكون مرتبطة مباشرة بمصالح السعودية او الولايات المتحدة مما يجعلها اكثر استقلالية في اتخاذ قرارات تناسب مصلحتها القومية القطرية وليس مصالح الانظمة ذات القوة الشرائية الاكبر كالسعودية مثلاً او الولايات المتحدة. لذلك جاءت تهديدات الامير لتخيف شركاءه في العمل الاستخباراتي وتعلن عن مرحلة جديدة تدخل فيها السعودية مرحلة السباق النووي. ورغم ان الامير له باع طويل في العمل الاستخباراتي المخفي والمكشوف الا انه قد صمت طويلاً على موضوع مخاوف السعودية من التسلح النووي.

فأين كان الامير خلال نصف قرن من تسلح اسرائيل النووي والذي تعدى الاغراض السلمية ليصبح جزءاً لا يتجزأ من ترسانتها العسكرية. وان كانت ايران لم تصل الى تطوير سلاح نووي الا ان الامير يخشى ويرتعد من تداعيات 'النووية الاسلامية' ولا يبدي اي اهتمام 'بالنووية الصهيونية' وكأنه يعتقد ان ايران لو قدر لها ان تطور رؤوس صواريخ نووية او حتى قنبلة نووية ستكون متوجهة شطر مكة المكرمة أما النووية الصهيونية في قلب العالم العربي ستكون من حظ بلاد الواق الواق او ما بعدها خلف البحار.

جاء الامير ليعلن لجنرالات النيتو انه سيدخل حلبة الصراع والسباق النووي لان ايران دخلته فكان يستجدي النيتو ليقوم بفعلة قد تجر المنطقة الى حرب مفتوحة تحرق الجميع لا نعلم لماذا يصمت الامير عن مفاعلات اسرائيل النووية واسلحة الدمار الشامل والتي مزقت وفتكت باخوانه العرب والمسلمين في لبنان وفلسطين وسورية والاردن ومصر خلال اكثر من نصف قرن وظل الامير ساكناً لم تتحرك قدراته القتالية ومعلوماته الاستخباراتية الا مؤخراً وكأنه يعتقد ان السلاح النووي الايراني قد اكتمل وانتصب متوجهاً الى أقدس وأطهر بقع العالم في مكة والقدس ليدمر ويفتك بمقدسات المسلمين ويهدد مصالحهم الدينية والاقتصادية.

لا نعتقد ان الامير يعترض على التسلح النووي كسلاح فتاك من مبدأ معارضة السباق التسلحي او من مبدأ اخلاقي ضد استعمال السلاح وتفعيل الدبلوماسية لان محاضرته كانت تنذر جنرالات النيتو برغبة السعودية الالتحاق بالعرس النووي وتكاليفه الباهظة والتي تتجاوز المليارات لا لشيء الا لان ايران قد دخلته لتغطي على وضعها الكرتوني كما وصفه الامير. وان كانت ايران نمراً كرتونياً فهل يا ترى اصبحت السعودية اليوم نمراً حقيقياً بمخالب شرسة؟ وهل كانت السعودية يوماً ما ذات مخالب تواجه بها خطر اسرائيل النووي او ان الامير عنده من المعلومات الاستخباراتية الجليلة التي تطمئن القيادة السعودية ان سلاح اسرائيل لن يتوجه يوماً ما الى اي شبر من الاراضي السعودية بينما تنصب ايران صواريخها النووية من بوشهر متوجهة الى قلب العالم الاسلامي وقبلته.

 ان كانت ايران قد دخلت حلبة السباق النووي فهي دخلته ليس لتغطي على كرتونية نمرها وهشاشة وضعها الداخلي بل هي دخلته لانها قد طوقت بحزام مسلح من قبل اساطيل الولايات المتحدة في الخليج العربي والتي تستقر على شواطئه بمباركة مشيخات متعددة بما فيها السعودية رغم مسرحية خروج القوات الامريكية من القواعد العسكرية في الجزيرة العربية وانتقالها الى قطر ناهيك عن تطويق ايران بريا من جمهوريات اسيا الوسطى.

وقبل ان يهدد الامير ويتوعد بتطوير النشاط النووي السعودي كان عليه ان يحلم بالمنطقة العربية كمنطقة خالية من السلاح النووي بما في ذلك الاسرائيلي الفتاك والايراني والذي هو في طور التبلور من اجل ان يوفر على شعوب المنطقة صولات وجولات تفتك بها وتهدد التنمية الاقتصادية فيها وتقوض ثروتها النفطية وتبدد احلام شبابها بحياة افضل.

دخول السعودية الى حلبة التسلح النووي ما هو الا محاولة لتبذير الفائض النفطي ومدخوله وفرصة ذهبية لاثراء طيف جديد من امراء الحرب المختصين بعقد الصفقات العسكرية مع الشركات الغربية خاصة في مرحلة تغيير القيادة السعودية القادمة واقطابها ورموزها المعروفين. منذ بدء التسلح السعودي وتطوير مؤسساته واسلحته خلال العقد المنصرم ظهرت شريحة من الامراء المرتبطة اسماؤهم بصفقات اسلحة وتدريب خيالية وان انتهى اليوم عصر التسلح التقليدي فسنجد ان السلاح النووي سيفتح صفحة جديدة من الصفقات السرية والعلنية يستفيد منها طيف آخر من الامراء الجدد. ناهيك عن المصالح الاقتصادية الغربية والتي تمر في احلك مراحلها اليوم خاصة وان الضغط على منطقة اليورو يتفاقم بسبب ازمات اليونان واسبانيا وايرلندا وربما غيرها. فتستعجل اكبر اقتصاديات اليورو كفرنسا مثلا في تقديم الخبرات والتقنيات للدول الخليجية من اجل الفوز بحصة الاسد من العقود الجديدة وليس من المستغرب ان رحلة ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني الى الخليج كانت مصحوبة بعدد غير قليل من تجار الاسلحة الذين راح يطوف بهم في العواصم الخليجية املا في انتعاش الاقتصاد التسلحي الكبير خاصة في مرحلة اهتزاز الانظمة الغنية من ثورات الفقراء والمحرومين في شمال افريقيا.

ولا بد ان نسأل سؤالا افتراضيا: هل سيرتاح الامير ويطمئن باله ان قامت قوات النيتو بضربة خاطفة تستهدف ايران تماما كما كان الملك السعودي يطلب من الولايات المتحدة فعله حسب ما كشفته وثائق ويكيلكس المعروفة. وهل عندها ستعيش السعودية قيادة وشعبا مرحلة هناء ورغد بعد ان تقطع الولايات المتحدة رأس الافعى والتي تحولت اليوم حسب محاضرة الامير الى نمر كرتوني في مواجهة الحمل الوديع السعودي. بعيدا عن الالفاظ الحيوانية والتي لا نستلطفها في مفاهيم العلاقات الدولية، ستجد السعودية نفسها معرضة لخطر أعظم من السباق التسلحي النووي والذي يستهدف ثروتها الحالية والمستقبلية وينذر بكوارث قادمة تفتك بالبيئة والثروة والمجتمع وان كان هناك من عبرة يجب ان نستلهمها من كارثة اليابان الاخيرة حيث هناك محاولة اعادة النظر في الطاقة النووية وسلامتها.

وهناك عبرة اخرى يجب على السعودية ان تتعلمها من فوائد النووية الصهيونية والتي بعد اكثر من نصف قرن وسلسلة من الحروب لم تستطع الترسانة النووية الاسرائيلية ان تضمن العيش المستقر والسلم بين اسرائيل وجيرانها العرب فبقيت الدولة العبرية مشدودة متشنجة طيلة عقود سابقة ولم تنفعها القنبلة النووية في محيطها الضيق ولم تثبت جدواها امام انتفاضات الحجارة والاطفال او العمليات الاستشهادية. فكانت قنبلة اسرائيل النووية فقاعة في وجه حجارة الاطفال او حتى صواريخ حزب الله التي حطت رحالها في حيفا.

تحتاج السياسية الخارجية السعودية القادمة ان اعتلى عرشها امير الاستخبارات السابق كوريث لمنصب اخيه الحالي ان تعيد النظر في موقع السعودية من الاعراب في منطقة عربية جديدة تنهار فيها الديكتاتوريات ولن تكون حلبة السلاح النووي هي من يحل مشاكل القيادة السعودية كقيادة وحيدة يتيمة في بحر عربي يموج من محيطه الى خليجه بأجساد شباب انتزع زمام المبادرة من قيادات هرمة فتكت بالشعوب وكرامتها. قنبلتنا النووية الجديدة هي شبابنا وطموحاته ونساؤنا وامالهن وليس مفاعلات تشتريها حلقات تجار الاسلحة من القيادات السعودية ونظيرتها في العواصم الغربية.

* كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

صحيفة القدس العربي

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2011 - 7/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م