ترشيق الحكومة بين الممكن والمستحيل

ناجي الغزي

لاشك أن قضية تشكيل الحكومة من منظور دستوري تشكل أحد المؤشرات المهمة التي يمكن عن طريقها تقييم عمل الكابينة الوزارية بكل أبعادها السياسية والقانونية والمهنية. ونظرا لجنوح القوى السياسية العراقية الفائزة الى مبدأ التوافقات السياسية, والتي أنجبت حكومة مترهلة بــ 43 وزير 11 منهم بلا وزارة وثلاثة نواب. مما أدى الى تعثر مسيرة الحكومة, وتعطيل مفاصل الدولة وتأخير تسمية الوزارات الأمنية المهمة, وتعرضها الى انتقادات لاذعة وشديدة من قبل الشعب والمؤسسات الدينية والمراقبين للشأن السياسي العراقي. واليوم رغم المنعطف الحاد الذي تمر به اطراف سياسية ومواقفها المتشنجة نتيجة تسارع الاحداث السياسية والامنية وتطورات المشهد السياسي.

إلا أن المالكي عازم النية على ترشيق الحكومة من السمنة المفرطة بنسبة 50% باعتبارها ضرورة ملحة. وهذا ممكن على متن الإفتراض والتمني, ولكن من المستحيل أن تتفق الكتل السياسية على ذلك. وبين الممكن والمستحيل بحر من الأَمنيات التي يعقد المالكي عليها تطلعاته الى حكومة رشيقة وقوية يتعامل معها بمهنية وموضوعية. وهذا من حقه على الاقل لأثبات مصداقية ما وعد به الجماهير أو كمعطيات لتقيم عمل الوزارات العلنية لمهلة المئة يوم.

ولكن علينا كمراقبين أن ندرك قبل السيد المالكي بأن هناك موانع وتحديات كبيرة تقف حائلاً في طريق الإصلاح والترشيق. لان الخصوم السياسيين لايرغبون برؤية حكومة قوية تصب بصالح المالكي على حساب مكاسبها التي حصلت عليها, ورغم تصريحات بعض قيادات وزعماء الكتل السياسية المشروطة بعدالة الترشيق الدمج, إلا إن قضية الترشيق لا تعدو أكثر من دعاية إعلامية.

ورغم قناعة جميع الاطراف السياسية بموضوعية الترشيق بسبب عدم الحاجة الى هذا الكم الهائل من الوزارات الذي يثقل كاهل الميزانية العراقية. إلا أن تلك القوى ستجعل المالكي يحرث في أرض المستحيل دون تحقيق الممكن. لان تلك القوى السياسية نفسها من عطل تشكيل الحكومة أكثر من تسعة أشهر من أجل الحصول على مكاسب وزارية توازي استحقاقها الانتخابي دون الاكتراث بمصلحة المواطن والوطن.

عملية ترشيق الوزارات ودمج بعضها ستخلق أزمة سياسية جديدة داخل الكتل السياسية لأن تلك الخطوة لاترتكز على ضوابط قانونية, أكثر من اعتمادها على توافقات سياسية.

لذا فأن عملية ترشيق الوزارات ودمج بعضها ستخلق أزمة سياسية جديدة داخل الكتل السياسية, لأن تلك الخطوة لاترتكز على ضوابط قانونية, أكثر من اعتمادها على توافقات سياسية. وهذا واضح جدا من خلال تصريحات أعضاء وزعماء القوى السياسية, فالترشيق لايخرج من أطار التوافق السياسي بين جميع الاطراف على أن لايكون للمالكي رأي الفصل.

 وربما هذه الخطوة ستزعج البعض وستثير خلافات كبيرة لأن أغلب الحقائب الوزارية كانت ترضية لأحزابها. وإن حدث التوافق سوف يكلف الحكومة وقت طويل جدا لان تلك الخطوة تعود بالحكومة الى المربع الاول. فيخضع الترشيق الى ترضية القوى السياسية المتحالفة, فضلا عن أجواء الخلافات التي لاتزال ملبدة بين دولة القانون والعراقية وهذا يأخذ وقتاً طويلاً في حالة وجود توافق بين الاطراف على ماهية الترشيق.

علماً أن الترشيق حسب خطة المالكي وبرنامجه الجديد سوف تطال جميع المواقع غير الضرورية من وزراء ووكلاء ومستشارين ومدراء عامين داخل ملاك الوزارات اضافة الى مراجعة مهنية لملاك الوزارات وإدامة منهج المراقبة وإعادة التقويم. وهذا سيحدث ثورة كبيرة داخل الكتل السياسية لانها ستحرق أخضر المحاصصة ويابس المنسوبية. وفي حال حصول توافق على تلك المهمة بالتأكيد ستكون في أطار الممكن, لان هذه المحاولة خطوة إيجابية تؤسس لمرحلة جديدة في الاتجاه الصحيح. ولكن يبقى المستحيل أمرا مطروحاً ووارداً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/تموز/2011 - 30/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م