أنت عمري.. أنا وانته وبس.. أنا بانتظارك.. تلك أسماء لقنوات فضائية
تمت رصدها على قمر النايل سات.. وهي تعلن عن أرقام هواتف ساخنة
لاستدراج، السُذّج، من المتصلين على اختلاف جنسهم أناثاً أم ذكوراّ..
شيباً أم شباباً ممن يرغبون ممارسة الدعارة لاسلكياً عبر الاتصالات
الخلوية.. فتلك القنوات التي هي عبارة عن لوحة ثابتة تحتوي صور لنساء
جميلات ومجموعة أرقام دولية لكل بلد من بلاد العرب وتتحدث المذيعة بصوت
يقطعه الأغراء وآهات الشهوة لتعلن أنهم جاهزون لتقديم أمتع اللحظات
الشاعرية على مدار الأربعة وعشرون ساعة في اليوم ولمدة سبعة أيام في
الأسبوع.
"مصائد المغفلين الفضائية" تلك انتشرت مؤخراً عن طريق ثلاثة قنوات
فضائية على قمر النايل سايت الغرض الأهم منها فتح المجال واسعاً أمام
الشهوة الموبوءة بالسرقة فتلك القنوات، المصائد، تمتص مبالغ مالية
كبيرة تكاد أن تكون ثروة كبيرة عن طريق المتاجرة بمداعبة الرغبة
الجنسية المكبوتة لدى شبابنا العربي وبالذات شبابنا في العراق الذي
عانى ما عانى من كبت الحريات وعدم قابلية الحكومة على وضع سياسية واضحة
المعالم لاستقطاب توجهاتهم على اختلاف أنواعها وعدم القدرة لغاية الآن
على تنظيم الشباب وفق رؤيا حديثة تؤهلهم للدخول في العالم الجديد..
العالم المنفتح على كلا الجنسين والاندماج في مجتمع منتظم في ظل
الحرية مجهولة الهوية التي أطبقت على عقول شبابنا بدون أدنى تقييد
لأطرافها السائبة ووسط التخبط الذي تعيشه الأسر العراقية غير القادرة
على استيعاب حجم الاستهداف الذي يمارس ضد شبابنا من خلال القنوات
الفضائية وأجهزة الاتصال الخلوية (النقال).. التي تجعل من شبابنا كتلة
متهيجة من المشاعر التي تكاد تنفلق في الشوارع والنواد الليلية محملة
بألم الكثير من أولياء الأمور الذين لم تسعفهم ثقافتهم العامة في
الحفاظ على مستوى معتدل من الاتزان الأخلاقي لبنيهم أو في مقاومة المد
الأخلاقي السلبي الذي نراه يتغلغل في بيوتنا منذ أن هلت علينا بشائر
الحرية!!.
وفي تلك الاتصالات المكلفة يجد الشاب على الطرف الأخر امرأة أو رجل
حسب طبيعة المتصل يرسل لهم إشارات حسية تثير في داخلهم أنواع المشاعر
التي تنمي في داخلهم مشاعر غير صحيحة تتسبب بعد حين في استهلاك قدراتهم
العملية والجسدية ويجعلهم يعيشوا حالة من الشتات النفسي وتلك الحالة
يقّدر لها احياناً أن تصبح على درجة كبيرة من الإدمان وتتسبب في
استنزاف الموارد المادية البسيطة لشبابنا بسب ارتفاع تكاليف الاتصالات
الدولية تلك.
لقد تحول الجنس عن طريق الهواتف الى واحد من أكثر وسائل الإثارة
اتساعاً وانتشارا لدى شبابنا فبعد مواقع الأنترنت الإباحية كانت
الهواتف النقالة سوقاً كبيراً من أسواق الجنس فتلك الفضائيات في طريقها
الى الانتشار الواسع وبشكل مخيف حيث سيتسبب أنتشارها، بدون رقابة
منزلية، على إعادة تشكيل صورة جديدة للانحراف الجنسي لدى شبابنا
وبالتالي التأثير بشكل كبير على معالم النشاطات الإنسانية والاجتماعية
على اختلافها..
نحن اليوم أمام انقلاب مهم ومنعطف خطير في قيم حياتنا الطبيعية
التي نعيشها في ظل الواقع الجنسي الفطري الذي عشناه وعاشه آبائنا والذي
دعم وأسند بكل قوة النسيج الاجتماعي العراقي وعصمه من التمزق أمام موجة
المد الأخلاقي السلبي الذي استخدمت فيه كل المعدات اللازمة لإيصاله الى
بيوتنا.
علينا اليوم ان نستخدم كل ما أو تينا من قوة لزرع الإرادة الحقيقية
المبنية بحكمة في نفوس أبناءنا.. تلك الإرادة، التي لو نجحنا في غرسها
في نفوسهم، ستسهم بشكل كبير جداً في انتشالهم من دوامة الصراع النفسي
وتخرجهم من العزلة التي جعلت منهم فريسة سهلة لتلك القنوات وما تقدمه
من أطباق المجون على اختلاف أنواعها.
لقد ساهمت وباستمرار في إحاطة أبناءنا بطلاسم شيطانية تغلق عقولهم
أمام القيم النبيلة التي ساهمت في تربيتهم.. وما من سبيل لفكها إلا
بتضافر الجهود الحكومية والاجتماعية لإيجاد حلول جذرية عميقة التأثير،
لا ترقيعية، لواقع شبابنا الذي أسهمت الكثير من الآفات في انحدار الجزء
الأكبر منه مع تيار الانفلات الأخلاقي كالبطالة والإرهاب والخلل في
العملية التربوية وعدم العناية بالشباب وانزواء منظمات المجتمع المدني
عنهم وانشغال أغلب أولي أمر الوطن بمشاكلهم التي ما عادت تجر علينا إلا
مزيداً من المصائب..
ففي الوقت الذي نطالب به كشعب أن تُدعم تجربتنا الديمقراطية وكافة
ممارساتها.. وحريتنا الإنسانية، التي حصلنا عليها بعدما أغنت ِشفار
مقاصل الإرهاب من رقابنا، علينا أن ندعم أهم أدوات إدامة زخم الحرية في
المجتمع وهم أبناءنا من أن ينغمسوا بخوف وريبة في لذة حمقاء ستعصف
بشبابهم ولا ينفع حينها الندم.
zzubaidi@gmail.com |