عدسة... وحياة آفلة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الزمن لا يعرف المهادنة.. انه واضح وسريع وقاطع.. يتحدى الجميع.. ويخشاه الجميع.. اي معركة معه تخرج خاسرا منها عليك آثاره ولمحاته وغباره.. انه يمسك بميسمه الخاص.. ويفرّع أوشمه على جميع التفاصيل.

الوجه مرآة الإنسان وحركة فصوله.. وجهك الآن ليس هو قبل عشر سنوات، اكثر او اقل، الهالات السوداء تحيط باجفانك، حزنا او ارهاقا.. التجاعيد انهار جفت فيها المياه على وجنتيك.. الملامح يتآكلها الشحوب والذبول والهموم والبلايا. شعرك غادره الليل وحل فيه نهار مستديم يتطاول.. وأنت بجميع تفاصيلك رماد السنين الماضيات وحطامها.

الكتابة والشواهد الاثرية من احجار وقبور ونصب وتماثيل تدون التاريخ القديم وجميع ما مر به الانسان.. والشفاه ناقل ايضا ولكن للموروثات الشعبية من امثال وحكم، خلاصة الحكمة الشعبية.

الساعات تؤرخ للزمن والزمن هنا يؤرشف اعمارنا.. اعمارنا ساعات متلاحقة تسير باتجاه واحد.. الى الامام.. ذكرياتنا وحدها تعود وتلوي اعناقنا الى الخلف.. هل الذكريات محاولة للقبض على ساعات عابرة او حياة هاربة؟

يعمد صنّاع الساعات الى وضع عقاربها على الساعة العاشرة وعشر دقائق.. انها عقارب متوقفة تحتاج الى الطاقة لتحريكها... هذه الوضعية تمثل الابتسامة.. وكأن الزمان المتوقف الذي تشير اليه الساعة هو زمن اللحظة، الان، وانت تشتري زمنا متوقفا.. هل هي نوع من الخدعة؟ اظن ذلك.

فالابتسامة هي سخرية مبطنة من وهمك الوقتي الذي لا يدوم طويلا بمجرد ان تضع البطارية في الساعة لتطاردك عقاربها.. هل هي صدفة ان تكون تلك النتوءات المتحركة تحمل اسم العقرب، عقرب الساعة؟ أليست العقرب تلدغ كل شيء يلامسها رغم كونها عمياء لا تبصر. لكنها تتحسس اللمسة وتكون ردود افعالها قاتلة؟ اليس هذا بالضبط ما يفعله الزمن بنا، لا ننتبه الى جريانه على اجسادنا وفي ارواحنا وفوق مشاعرنا الا متأخرين بعد ان يلدغنا؟

لم ينفك الانسان يسعى دؤوبا لقهر هذا النهر الجاري، حاول وضع السدود وحاول مراوغة المجرى او تحويل المصبات لكنه يفشل دائما.

احدى صور الاحتيال الصورة الفوتوغرافية..انها تجميد للزمن عند لحظة معينة.. او هي تكثيف له ومنعه من الانسياح الى عابرات اخرى لا يمكن اللحاق بها.

يرى الرئيس الروسي مدفيديف ان مغزى الصورة الفوتوغرافية يكمن في تجسيد شجن اللحظة الزمنية التي لن تعود ابدا. ويكتب اخر عن الصورة الفوتوغرافية:

تلك الظلال الرمادية أو الزرقاء الداكنة، الشبحية التي نميّزها بالكاد ليست هي صورا عائلية تقليدية بل هي حضور مؤثر للحياة التي جمّدت إستمراريتها وحررت من إسارها ليس بفضل الحيل الفنية بل نتيجة عمل آلية لا تخطيء. فالفوتوغرافيا لا تخلق، شأن الفن، الخلود بل تصون الزمن وتنقذه من الدمار الذاتي. وإطار الصور يغلق الكون الصغير (المايكرو) الذي يختلف عن العالم الخارجي بطبيعته وجوهره. وعلى العكس من ذلك فإن وجود الشيء المصوّر فوتوغرافيا، يملك في ذاته شيئا من وجود النموذج (الموديل) تماما كما تكونه بصمات الأصابع... إنها عدسة ووجوه وحياة آفلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/حزيران/2011 - 23/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م