سلوكيات قبيحة... لكن للأسف شائعة!

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: هناك علاقة قوية بين التربية الخلقية والتربية الوجدانية. فالأخلاق تقوم في جوهرها على عدد من الاتجاهات العامة والعادات اليومية التي تيسر للإنسان التفاعل في بيئته وفي حياته مع نفسه ومع الناس.

أن كثيرا مما يبدو في صورة قرارات خلقية يتخذها الصغار والكبار، ليس في حقيقة الأمر سوى الاستجابات التي تعلموها. بقدر ما تنظم هذه الاستجابات حول مواقف وموضوعات عامة، بقدر ما تكون تصرفات الفرد مقبولة من الغير. كذلك فإنه بقدر ما تستند تصرفات الفرد على مجموعة من العواطف، أو الاتجاهات المتأصلة في النفس والمنتظمة على صورة مبادئ منطقية، مقبولة، بقدر ما يستطيع الفرد أن يقاوم الإغراء ويتغلب عليه.

إن أساس التربية الخلقية يجب ألا يستند على عواطف جزئية جانبية تختص بموقف معين أو بموضوع بعينيه، بل يجب أن تتعدى العاطفة هذا النطاق الضيق فتشمل كل الموضوعات والمواقف، معنى ذلك أن تنتقل العاطفة من الجزء الى الكل، فتنسحب على حياة الفرد في كافة تصرفاته.

لتوضيح ذلك: إذا ما تعلم الطفل، أن يهتم بنظافة المنزل فقط، دون الاهتمام والعناية بنواحي النظافة الأخرى التي تتعدى حدوده الضيقة، نجده يقتصر في مفهومه لعاطفته نحو النظافة على تنظيف المنزل فقط، دون الشارع أو المدرسة، أو نظافته الشخصية. ففي هذه الحالة تتكون لديه عاطفة جزئية..لكن أساس التربية الخلقية والعاطفية، يجب أن تقوم على تكوين عواطف كلية شاملة.

فكرة أخرى تتصل بموضوع التربية الخلقية وعلاقتها بالعادات والعواطف، إن اتخاذ الفرد لمجموعة من القيم الخلقية وتبنيه لها، إنما تمثل محاور تستقطب حولها وتشد نحوها مجموعة من التركيبات العاطفية، فتبدو في صورة منتظمة من العادات والاتجاهات، التصرفات التي تميز سلوك الفرد.

التعليم والتربية عملية اكتشافية يمكن من خلالها تحديد أهداف تحظى بقيمة كافية لجعلها أهدافا. فلو يستقي نظام التربية والتعليم أهدافه من تنبؤات الآخرين فقد تملص من مسؤوليته في مجال توسيع استيعاب الذكاء وتعزيز دافع التنبؤ الذي يعتبر أساس نظام التربية والتعليم الناشط.

في هذا الخصوص نذكر ماعرضه العالم النفسي كارل غوستاف يونك في كتاب(علم النفس ونظام التربية والتعليم) ليمكن عرض العوامل المؤثرة في إثارة الذكاء ونمو الشخصية، دون التدخل، بشكل أدق. يسرد يونك رحلته الى بلد ما:

لأول مرة سافرت الى بلد (ما)عجبت كثيرا لما رأيت أنهم لم ينصبوا حاجزا عند تقاطع سكك الحديد مع الطرق، كذلك عدم نصبهم الأسيجة العائقة (الدرابزون) في جانبي سكك الحديد، حتى المارة كانوا يستفيدون من هذه السكك باعتبارها طرقا. لما حدثت بعض الزملاء عن شعوري بالدهشة، قالوا: لا يمكن أن يغفل عن هذا الموضوع إلا الشخص الأبله، وهو أن القطارات تتحرك على سكك الحديد بسرعة 80 ـ 100  ميل في الساعة.

ثم يضيف يونك: أن هذه الذكرى ولدت لدي فكرة في ذلك البلد يتم تسيير الحياة العامة بالاستناد الى الثقة بالذكاء.

يعني هذا النهج عند الناس، حيث توضع الأنظمة الاجتماعية على افتراض أن الناس حمقى. من هنا يحفز الذكاء ويعزز في ذلك البلد وينتكص ويتراجع في أوربا.

يؤدي البعض في مجتمعنا، سلوكيات كثيرة خاطئة مقززة، أمام الناس، دون احترام لنفسه والآخر، في كل مكان نجد هؤلاء، بمختلف الأعمار والأطوار، عادات كثيرة بالصوت والصورة، نجد:

من ينظفون أنوفهم( يمخطون) في الشارع أمام المارة، في الأسواق حيث يتطاير زوائد أنوفهم على الوجوه، في المطاعم حيث يضطر الزبائن الى ترك طعامهم، نتيجة أطلاق أصوات التمخيط المتنوعة ومن عدة أشخاص أمام المغسلة خاصة، ثم يقلب دشداشته ويمسح بها أو باليشماغ وبعدها يبدأ بمسح شواربه، ثم يبدأ حك جهازه الذكوري وهو يمشي، ينظر إليه بزهو رجولي، حتى لو كانت عائلته معه!.

هناك من يحفر في انفه كمن ينقب عن شيء ما، كل لحظة يستخرج صيدا قبيحا وهو يقابلك في السيارات، الدوائر، المدارس.

كيف تقول لصديقك أو لجوارك في السيارة أو أي مكان آخر، ان رائحة فمك كريهة جدا، تكاد تخنقني؟. نعطيه علكة، أو نضع كلينكس على وجوهنا، أو نغير مكان جلوسنا، لكن(جيفة) الفم تلحق بك أينما تجلس، انها نفاذة قوية، وهو لا يشعر!.

يبصق البعض وهو يمشي بين الناس أو من نافذة السيارة، على وجوه الآخرين، بقوة، بدون اعتذار أو استخدام منديل!. البعض يشتهر بالعطاس، ولا يضع كفه على فمه.

عند تناول الطعام وبعده يصدر من البعض أصوات وحسيس نتيجة المضغ وسحب الهواء من بين الأسنان، ومص الأصابع أثناء وبعد تناول التمن والمرق والروب والدسم.. ثم يمضمض بقايا الطعام في فمه، بعدها (يبزه) بقوة في أي مكان.

يحمل البعض من الأرض أي عود ثقاب مستعمل ينبش به أسنانه، ثم يقذف بقايا الأكل على الوجوه القريبة منه، بدون أدنى احترام!.

يتناول البعض أنواع من (الكرزات) يرمون قشورها على الناس... المدخن الذي ينفث دخان سجائره على العيون والأنوف.

تصل مرحلة الى القيء من نافذة السيارة أو العيادات الطبية، بين الناس ولا يبتعد عن الأنظار، أو يحمل كيسا معه يؤدي الغرض وهو يعرف بأنه سوف يمر بحالة القيء!. ولا ينزعج البعض من وقوف وتطاير الذباب على وجهه!.

يشرب البعض السوائل خاصة الشاي بصوت عال يشبه الصفير، أو الجميع يشربون الماء واللبن من كأس واحدة، يغمسون شواربهم المتدلية فيه، أو من فنجان قهوة!.

من يعلك ويتحدث ويدير العلكة في فمه، يصنع منها نفاخات يفجرها، فمه مفتوح يتحرك كفم البقرة والزباد يخرج من فمه، يبصقه أمامك!. للأسف تصدر كلها من إنسان عراقي.

السؤال: من يعلم المواطن عملية التربية والتعليم، العادات والتقاليد والأنظمة الحضارية والذوق العام، من يعلم المواطن كل هذا، وهل فات الوقت؟.

لقد تشكلت هذه العادات في ذواتهم منذ زمن طويل، لكن من يجرؤ على علاج هؤلاء، منهم كبار سن وشباب. من يعلم هؤلاء بعد هذا العمر الطويل؟. العادات ظاهرة حقا معيبة، من أين نبدأ التصحيح؟ هي فردية، لكنها تحولت ظواهر اجتماعية، طبعا مرفوضة. من يستطيع منع هؤلاء أو وضع لافتات في مكان ما أو بوسترات، هل يتقبل العراقي هذه المعالجة أو يعتبرها إهانة له ؟.

 من طرق المعالجة الاجتماعية، التنفير، عن طريق وخز الشخص بالأبرة مثلا على أصابعه حال وضعها على الأنف أو داخله. بتكرار هذه الطريقة معهم تصبح أسلوب ينبه الشخص بشكل تلقائي الى الامتناع عن تكرارها، وهل نحمل معنا أبر للقيام بعملية المنعكس الشرطي؟ لكنها تجرح كرامته!.

في هذا الزمن الحضاري.. كيف نضع لوحات دلالة، ماذا نكتب أو نرسم فيها، ما حجمها، أين نضعها، لقد مرت الأزمنة، كما أعتقد ولا يزال البعض دون الجهل، والعالم يونك لا يتردد من طلب المعرفة من أصدقاء معه أقل تعلما، لعل فيها الخجل؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/حزيران/2011 - 20/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م