ما زالت الازمة السياسية في العراق مستمرة بفصول متتالية ومتوالية،
ليأخذ ضجيجها كل محاولة للبحث في الاسباب التي تقف وراءها او تديم
استمرارها، واذا كان هناك من يرى ان اسبابها سطحية تدفعها رغبة سياسية
آنية للاستئثار بالسلطة تارة والمكاسب والمناصب تارة اخرى... فان آخرين
ذهبوا الى اعمق من ذلك حين رأوا في المحاصصة سببا يساهم بشكل او بآخر
في الاخلال بتوازن العملية السياسية ويحول هو وعوامل اخرى من قبيل
الحزبية والفئوية وتعدد الولاءات دون تدعيم الديمقراطية وتعزيزها
وترسيخها وتنظيم آلياتها ووسائلها.
واذا كان الفريقان قد شخص اسبابا حقيقية تساهم في تعميق الازمة، فان
هذا لا يمنع من وجود اسباب اخرى جوهرية يقف وراءها غياب الارادة
السياسية الجادة على تنفيذ مبدأ الشراكة في صنع القرار المشاركة في
ادارة الدولة والحكم... فلو توفرت الارادة الصادقة لدى الكتل السياسية
لأنتجت برلمانا فعالا قادرا على مواكبة التطورات والانطلاق معها خطوة
بخطوة نحو معالجة الثغرات التي تحول دون ترميم البيت السياسي العراقي،
ولولدت حكومة قادرة على النهوض بالمسؤوليات وتحقيق التطلعات.
ان تأخر البرلمان عن اقرار مشاريع قوانين على درجة عالية من الاهمية
ما زال اغلبها على الرف او في جعبة لجانه؛ كان له الاثر السلبي على
استقرار البلد وبناء الدولة؛ قوانين من قبيل النفط والغاز او التعديلات
الدستورية او قانون الاحزاب...
والاخير مربط الفرس لانه في حال اقراره؛ يعجل من تقويم عمل الاحزاب
وتشكيلاتها الداخلية اولا؛ يدفع بقوة نحو تعزيز الوعي السياسي
والاجتماعي وتدعيم القيم السياسية ثانيا؛ يوسع المشاركة في الحياة
السياسية ثالثا؛ وكل ذلك يساعد دون ادنى شك في احداث تغيير جذري وجوهري
في الواقع السياسي، خاصة عندما يكون هذا القانون؛ وفقا لمطلب وطني ملح؛
يخدم العملية السياسية.
انطلاقا من هذه الرؤية فان تقييم مسودة قانون الاحزاب السياسية
المطروح على البرلمان من الناحية القانونية والسياسية سيكون له دوره في
تعزيز الديمقراطية وتنظيم الممارسة السياسية؛ لكن قبل ذلك يجب الالتفات
الى المفاصل التالية:
1. ضرورة ان ينتج القانون احزابا ومن ثم كتلا سياسية متفاوتة في
المنهج والبرامج المطروحة كي يتمكن المواطن من الإختيار الحر؛ وفق
برامجها ومشاريعها، وبالتالي نضمن تنافسا حرا حول المشاريع.
2. ان ينظم القانون البناء الداخلي والهيكلي للاحزاب، بشكل يحد من
الاختلاف او الاتجاهات المتعاكسة فيما يرشح من مواقف بين اعضاء الحزب
الواحد، وليس مثلما نراه في احزاب اليوم حين تشرق تصريحات بعض اعضائه
في حين تغرب اخرى في ذات الموضوع !!! ما يثير ويخلق ازمات صغيرة تتحول
بقدرة قادر الى زوابع وتوابع تعصف بالاخضر السياسي واليابس.
3. ان تطوير اية ممارسة حزبية فاعلة وبناءة حتى تكون قادرة على
المساهمة ايجابا في انجاح مهام ترسيخ الديمقراطية وابعادها عن الازمات؛
مرهون اساسا بأسلوب الممارسة الداخلية للاحزاب من ناحية اختيار
القيادات وابداء الآراء بكل حرية من قبل الاعضاء. فلا يمكن باي حال من
الاحوال تطوير المجتمع واصلاح الدولة بآليات تعاني قصورا ديمقراطيا
ذاتيا وداخليا، وهي ذاتها (اي بعض الاحزاب السياسية وليس جميعها) بحاجة
الى اصلاح حقيقي وتقويم هيكلي.
لذا ينبغي طرح مسودة قانون الاحزاب امام الاحزاب السياسية غير
المشاركة في البرلمان وللرأي العام والمستقلين لتأشير كافة الملاحظات
ومناقشتها بموضوعية مع اصحاب القرار من البرلمانيين قبل اقرار القانون،
والاستفادة من تجارب الدول الاخرى التي سبقتنا ودراستها بصورة وافية،
وتأشير ايجابياتها لتطعيم قانوننا الخاص بها والابتعاد عن سلبياتها في
كتابة المسودة المقترحة او اعادة صياغتها... ذلك ان قانون احزاب اليوم؛
هو قانون الغد؛ لذا يجب ان ننظر الى فقراته لتلائم اليوم والمستقبل ومع
احزاب غير ما موجود الآن وواقع غير ما نعرفه وازمات سياسية غير ما
نشهدها او نعيش تقلباتها... |