مسرطنات.. بول بريمر

زاهر الزبيدي

الخبث في مرض السرطان بأن المصاب به (أعاذنا الله وإياكم منه) لا يشعر به في بداية الإصابة ولا تبان عليه أعراض آنية.. ويستمر بالنمو والانتشار في الجسد بدون أن يبلّغ الجسد عنه الخلايا العصبية أو أي من وحدات التنبيه لذلك فنحن لا نشعر إلا وقد "كبست" الخلايا السرطانية على أجزاء جسدنا ونكون حينها قد دخلنا عند نقطة اللاعودة إلا ما رحم الله.

وفي العراق لدينا، إضافة الى أنواع المسرطنات المعروفة جديداً وقديماً، سرطان من أنوع أخرى بدأت تدب في الجسد العراقي منذ فترة ليست بالطويلة ومنها سرطان الفساد الذي بدأ منذ زمن طويل وتطور في 2003 عندما ساهم الجميع "المحررين والوطنيين" في سرقة مبلغ قيمته أكثر بكثير من 6.6 مليار دولار !!.. تبخرت في تلك الفترة التي كنا فيها نلزم بيوتنا نحاول أن نحافظ على أن لا يدخل الرعب في غرف نومنا ويقتص من أجساد أطفالنا ونساءنا نقاتل أن لا تمزق الطائفية شمل أسرنا.. مليارات ضاعت لتخلف رائحة نتنة لا زالت تزكم أنوفنا حتى يومنا هذا.. فما الذي كان يحدث في أروقة المنطقة الخضراء ودهاليز مجلس الحكم والجمعية الوطنية وأي نوع من التبذير كان يحصل في تلك الفترة احتفالا بأسقاط بغداد.. وأي قسمة ظيزى تلك التي تلقفت ما نقلته طائرات الهرقل سي-130 عندما أغرقت الأدارة الأمريكية منذ آذار 2003 وحتى آيار 2004 بعشرين دفعة من النقد الأمريكي بلغت في مجملها 12 مليار دولار.. فُقِد، تبخر، منها 6.6 مليار دولار ضاعت كما تضيع الإبرة وسط كومة القش..

 هكذا ببساطة أضعنا مبلغاً يعادل ميزانية أحدى الدول الصغيرة دون أن يرف لنا رمش أو أن يندى لنا جبين بأستثناء بعض الأصوات الأبية التي كتبت عن هذا الموضوع.

في 13 /7/ 2003 عقد مجلس الحكم أول اجتماعاته وتم حلّه في 1/6/2004 لإفساح الطريق للحكومة المؤقتة التي شكلت في حينه وفي 28/6/2004 غادر بريمر العراق، حاكم العراق المدني، محفوفاً برعاية شياطين الفساد... وعليه فأن من المتوقع أن يكون المبلغ قد فقد في تلك الفترة التي افتقرت الى التنظيم المالي والمحاسبي ووجود المستندات المالية الموثوقة والموثقة وبما أن أبوب الصرف كانت مفتوحة على مصراعيها من اجل تثبيت أركان الدولة التي لم تثبت حتى يومنا هذا لكونها قد بنيت على ركائز مثلت المحاصصة والطائفية والشراكة الوطنية الناقصة فأن هذا الضياع محتوم ولا سبيل للعثور عليه وستضيع المليارات تلك وتبقى بذمة كل من كانت له مسؤولية في تلك الفترة وعلينا أن نبدأ بمسائلتهم عنها فرداً فرداً..

البرلمان العراقي، اليوم، يسعى لاسترداد نحو 17 مليار دولار من أموال النفط العراقي يقول أنها سرقت بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وطلب من الأمم المتحدة تعقب هذه الأموال. وتقول رسالة مرسلة من لجنة النزاهة البرلمانية الى مكتب الأمم المتحدة في العراق ومرفقة بتقرير مكون من خمسين صفحة: " كافة الاوليات تشير ان مؤسسات الولايات المتحدة الأميركية،قوات الاحتلال، التي (كانت) تعمل في العراق ارتكبت فسادا ماليا، سرقة أموال الشعب العراقي، التي كانت مخصصة لتنمية العراق والتي قاربت سبعة عشر مليار دولار".

وتضيف الرسالة التي تمكنت رويترز من الحصول على نسخة منها إضافة الى التقرير "لقد ارتأت لجنتنا الى إحالة الموضوع بكافة أولياته الى مكتبكم كي نقوم وبدوركم الى رفعه الى الجهات العليا في مؤسستكم المحترمة من اجل التحقق في الموضوع وإعادة الأموال المسروقة".

عن أي أموال نتحدث وقد ساهمنا جميعاً في سلخها من رصيد الشعب الصابر المحتسب الذي كان بعضه منخدعاً بفرحة نصره على الديكتاتورية والبعض الآخر منشغلاً في حوسمة ما يمكن حوسمته من بقايا المؤسسات الحكومية فكم كانت الأفواه فاغرة باتجاه ابتلاع ما يمكن ابتلاعها لتقوية مراكز القوة والنفوذ في الوطن على طريق السيطرة الكلية على ارجاءه.. وأين السادة "المحررين" من تلك المبالغ وماذا سيقولون اليوم عن تلك السرقة التي قد تصبح اكبر سرقة أموال في تأريخ البشرية ومن الممكن ان يصور عنها أقوى أفلام هوليود.

لقد كان المبرر إرسال تلك الأموال تحت حجة المساعدة في اعادة اعمار العراق بعد التحرير واهياً جداً وغير منطقي.. فلا يمكن بأي حال من الأحوال ان يتم إرسال تلك المبالغ الهائلة لبلد مترام الأطراف ويعاني من التشتت السياسي الاجتماعي والاحتلال ولا يمتلك السيادة أو حتى أي نسبة منها ولا يمتلك مؤسسات محترفة في مجال إدارة الأموال وتبويب صرفها والبنك المركزي العراقي يتعرض باستمرار الى غزوات الحواسم المتلاحقة على الرغم من وجود القوات الأمريكية التي تركت "الحبل على الغارب" لتنهش المؤسسات الحكومية على اختلاف انواعها...

 نحن واثقون كل الثقة بأن أغلب تلك الأموال قد صرفت لشراء الذمم وتقوية نفوذ الأحزاب وتثبيت أركان الاحتلال ولا نجزم في ذهاب الكثير منها لدعم المنظمات الإرهابية، فالمسؤول الوحيد عن تلك المبالغ هو الإدارة الأمريكية لا غيرها حيث من المتوقع أنها وقعت تحت تأثير تقديرات خاطئة من قبل الحاكم المدني، بريمر، تسببت في إغراق العراق بشكل عشوائي وغير محسوب بدقة بتلك الأموال وبالتالي تسربها الى المصارف العالمية تحت أسماء مختلفة.. قد تكون هناك أسماء وطنية منها !!

علينا أن نستخدم مؤسساتنا القضائية ومساءلة كل من كانت له الصلة بتلك الأموال في تلك الفترة وما بعدها وأن تعرض الحكومة مكافئات سخية لمن يخبرنا عن مصيرها أو أجزاء منها ونستخدم سيادتنا الوطنية.. في مساءلة بول بريمر وحاشيته عن مستوى البذخ الذي كانت تعيشه المنطقة الخضراء في تلك الفترة والذي تسبب في استنزاف تلك المليارات ولمعرفة مصير تلك الأموال التي تسببها فساداً استمر لغاية الآن وأصبح صفة سرطانية سائدة لكل مسؤول فلغاية الآن بلغ عدد المطلوبين لهيئة النزاهة.. (3318) متهماً منهم (77) بدرجة مدير عام فأعلى من ضمنهم (6) بدرجة وزير !!!

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 22/حزيران/2011 - 19/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م