الأرنب وحقوق الإنسان... أيها السادة كم نحن تافهون؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: شهير هو المثل الشعبي العراقي القائل (تريد أرنب خذ أرنب، تريد غزال خذ أرنب) للدلالة على محاولة البعض إن يعطيك ما يريده هو واعتباره في الحالتين هو نقس الشيء رغم الفارق الكبير بينهما.. غير هذا المثل لم اعثر على مثل آخر ترد فيه كلمة الأرنب حسب إطلاعي المتواضع على الأمثال الشعبية العراقية.

للأرنب حضوره في بعض الثقافات الشعبية ومعتقدات الشعوب، على اعتبار ان المعتقد الشعبي هو جزء من تلك الثقافة، التي تتحرك بين أوساط المجتمع وتنتقل عبر الأجيال عن طريق الشفاه والتقليد والإتباع والممارسة.

الأرنب رمز لعدم الدقة، وفي اللغة الفرنسية بقال (وضع أرنبا) بمعنى تخلف عن موعد كان أعطاه، وتعني العبارة (أرنب حار) رجلا ملتهبا حبا أو عنده الكثير من الشغف.

الأرنب البري رمز جنسي يمثل المثير للشهوات.. وهو ايضا رمز للجبن والنذالة ورمز السحرة.. في الايقونات المسيحية يمكن أن يكون الأرنب رمزا للإنسان المذنب.

(قدم الأرنب) ترمز للحظ السعيد عند معظم شعوب العالم، وهي تعني عندما تُعلق في منزل أو مكان ما (التمنيات بالتوفيق)، وربما يعود سبب هذا الرمز لسرعة الأرانب التي تحميها من الأخطار ومن أن تكون ضحايا للمخلوقات المفترسة.

وتعود أصول هذا الاعتقاد للشعوب "الكلتية" Celtic في الجزر البريطانية حوالي العام 600 قبل الميلاد.

يعدّ الأرنب من أهم رموز عيد الفصح، وهو يجلب الهدايا كما نظيره (بابا نويل) للأطفال ليلة الفصح، ويعود رمز الأرنب الذي يرافق الاحتفالات بعيد الفصح إلى عدد من التقاليد القديمة جداً، والتي يرجع بعضها إلى آلاف السنين.

وفقاً لبعض التقاليد، لا بد من إطلاق النار على الأرنب برصاصة مصنوعة من الفضة، ولا بد للقدم أن تُنتزع والأرنب لا يزال على قيد الحياة. وتضيف بعض المعتقدات أنه يجب قتل الأرنب من قبل رجل ينظر عبر عيني الأرنب مباشرةً أثناء عملية القتل.

وبرج الأرنب من الابراج الصينية يقابله برج الحوت، ونحن الآن في سنة الأرنب الصينية.. يحضر الأرنب أيضا بقوة على موائد بعض المطابخ للمجتمعات العربية والإسلامية، لعل اشهرها مصر وطبقها الشهير (الملوخية بالأرانب) التي تعد وجبة لها طقوسها الخاصة ومضامينها الاجتماعية والرمزية المعينة.. والتي عادة ما تقترن بإيحاءات جنسية لما تمتلكه نبتة الملوخية من عناصر منشطة، وما يمتلكه الأرنب أو بعض ـجزائه من تلك العناصر... والأرنب يعدّ من الأطعمة المحرمة لدى المسلمون الشيعة لأنه حيوان يحيض.

دائما ما يرتبط الأرنب بالجزر، وهو نوع من الخضار الذي ينصح به أطباء العيون لتقوية البصر والأبصار.

شكل الأرنب محبب للصغار وحركته رشيقة تمتاز بالقفز من مكان الى أخر... حضر الأرنب بطلا في عدد من الأفلام والكتب والمسرحيات، لعل أكثر القصص والمغامرات ارتباطاً بالأرنب هي قصة الأطفال (أليس في بلاد العجائب) التي تحكي عن فتاة اسمها (أليس) سقطت في جحر أرنب لتنتقل إلى عالم خيالي.. قام ببطولة هذا الفلم بأحدث نسخه الممثل (جوني ديب).

وأصبح الأرنب بطلا من نوع آخر على إحدى الصفحات في الفيس بوك العراقي... انها بطولة اقترنت بالموت عن طريق القتل والتقطيع.

نشر الصحافي العراقي (محمد حميد الصواف) مقطع فيديو لأحد ضباط القوات الخاصة العراقية وهو يقطع أرنبا ويأكله أمام جنوده كفقرة من فقرات تدريب هذا الصنف من صنوف الجيش.

لا تقتصر تلك التدريبات على أكل الأرنب بل تشمل أيضا الثعابين والعقارب والحشرات، وكل ما من شانه ان يعدّ تعويضا عن نقص المؤن والإمدادات الغذائية في الحروب والمعارك التي تواجه صنوف الجيش المتحاربة.

والقوات الخاصة لها تسمية أخرى هي قوات النخبة، وعرفت بعد العام 2003 في العراق بالفرقة القذرة، وهي تسمية ذات دلالات سياسية أكثر من عسكرية.. واستبدل اسمها بالفرقة الذهبية أو فرقة مكافحة الإرهاب.. وكان لدى صدام حسين العديد من هذه الفرق تشمل واحدة منها الحرس الخاص له، والذي كان مدربا تدريبا عاليا ويحمل أفراده أسلحة متطورة أكثر مما لدى صنوف الجيش الأخرى.

كان هذا استطرادا لابد منه لأنه يكشف في بعض وجوهه التي سنناقشها جهل معظم المعلقين على مقطع الفيديو بالأمور العسكرية وما يتعلق منها بصنوف الجيش وتدريباتها.. وهي دلالة أخرى ان الانترنت يقدم معلومات كثيرة دون معرفة.

اعود الى صفحة الفيس بوك وبطلها – الضحية الأرنب... من المعروف ان الفيس بوك وتويتر يضاف اليها كثير من المدونات هي عبارة عن صعود للثقافة الشعبية بصورها المتعددة.. كانت الثقافة وتجلياتها سابقا تحضر في الصحف والمجلات.. وكانت النقاشات والحوارات بين المثقفين تأخذ هذا الطابع النخبوي المعروف عنها.. مع الالتزام بكثير من المعايير الأخلاقية في لغة التخاطب، مع الكتابة بلغة عربية سليمة خالية من العيوب الإملائية والنحوية.. الفيس بوك خرق جميع هذه القواعد المتعارف عليها في اغلب صفحاته.

فليست هناك من معايير أخلاقية يمكن ان تحدّ او تلجم من اندفاع المتحاورين، لان الكثير من الصفحات تحمل أسماء وصور وهمية لأصحابها، ثانيا، أنها تمثل نسقا ثقافيا جديدا اخذ بالبروز والتشكل على الساحة، وهو نسق الثقافة الشعبية مقابل ثقافة النخبة، تلك الثقافة التي تجد فيها الكثير من لغة الهامش وعيوبه وانحطاطه وصخبه.

في الفيس بوك الجميع في عجلة من أمرهم.. الجميع يحضر.. والجميع يريد أن يترك بصمة على حيطانه وحيطان الآخرين.. الذين هم مرآة لنا..لا يهم شكل البصمة وتناسق خطوطها.. المهم هذا الأثر الذي يمكن ان تخلفه خطواتنا..

بالمقابل الجميع مشغول بنفسه عن بصمات الآخرين الحقيقية والمؤثرة.

هل قلت الجميع؟ استثني عددا قليلا من هؤلاء وهم الذين يعيشون هموما إنسانية او ثقافية من نوع اخر.. أحيانا دون قصد ينساقون الى هذا الهامش، لربما هو الأكثر قدرة على التعبير عما بداخلهم او ربما للانفلات من قيود النخبوي الثقيلة.

أراقب هذا الفيس بوك عبر ثلاثة نوافذ اطل من خلالها على الآخرين.. أحيانا اترك بصمة على الحائط لا يلتفت اليها الا بعضا من حملة الهموم الكبيرة والنبيلة، وأحيانا كثيرة تمر مرور الكرام ولا تستأثر بأي إشارة ما.

حول مقطع الفيديو المتعلق بالأرنب هالني حجم الردود والتعليقات حوله والتي وصل عددها الى ستمائة تعليق، قبل ان توجه إدارة الفيس بوك تحذيرا الى الصحافي (محمد حميد الصواف) وتحذف جميع التعليقات لتضع بذلك حدا لجدل عقيم وعبثي انطوى على الكثير من التفاهة والركاكة والانحطاط على حساب كثير من القضايا التي كان يمكن النقاش حولها.

ما هي العناوين الرئيسية للتعليقات؟

العشائرية

الطائفية

الايديولوجية السياسية

الجهل بالمسائل الجوهرية للحياة

الإسقاط النفسي والثقافي والاجتماعي

ما هي طبيعة اللغة المستخدمة ؟

السخرية

التعالي

السب والشتم

التنابز بالألقاب

بعد العام 2003 دخلت الكثير من المصطلحات السياسية والقانونية الى لغة التداول، وأصبحت عناوين متداولة لدى الكثير من الأحزاب والشخصيات السياسية والكتاب والصحف ومحطات البث الفضائي.. من هذه المصطلحات حقوق الإنسان التي تأسست لأجلها كثير من منظمات المجتمع المدني وأصبح لها وزارة مستقلة في كابينة الوزارات العراقية.

المجتمع العراقي حديث عهد في التعاطي مع مثل هذه المصطلحات، التي توظفها بعض الجهات لأجندات سياسية معينة.. وهي لم تحقق بعد تراكما (اجتماعيا – ثقافيا) لدى المتعاطين مع شؤونها.

الدهشة التي أصابتني تأتي من واقع أن أرنبا كان ضحية لتدريب عسكري متعارف عليه تستأثر بهذا الاهتمام، في وقت غاب هذا الاهتمام عن ملف فيديو نشره نفس الصحافي قبل شهرين تقريبا، وتحديدا في 12 / 4 / 2011 حول احد التفجيرات والذي راح ضحيته العشرات من الناس.

لم يهتم كثير ممن اهتموا بمصير هذا الأرنب، بمصائر أناس لهم حياتهم وأحلامهم وآمالهم وتطلعاتهم ونساءهم وأطفالهم، ولم يتعبوا أنفسهم بالتعليق او المواساة او الترحم على ضحايا ذلك التفجير.. وأيضا لم يرد ذكر او انتقاد او تعليق او شجب او استنكار لأحدث جريمة بشعة كشفت اوراقها (رغم تحفظ الكاتب على العامل السياسي في كشفها) وهي جريمة عرس الدجيل الذي كان سفاحها احد الذين يتعاطون مع حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني.

ولم يثر انتباه المتزاحمين على البكاء على الأرنب ما حدث في الكثير من الانتفاضات العربية من قتل وانتهاك لحقوق أناس مثلهم لكنهم من جنسيات أخرى.

من خلال التعليقات التي اطلعت عليها، يعيش المجتمع العراقي وكثير من المجتمعات العربية مرحلة من تبلد الأحاسيس وإنطمارها تحت مضامين من التفاهة والانحطاط وغياب القيم الإنسانية النبيلة.

أيها السادة الأعزاء مع احترامي للقليل من التعليقات، نحن تافهون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/حزيران/2011 - 18/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م