الكتاب: العراق والمصباح النووي
الكاتب: علي السعدي
الناشر: العارف للمطبوعات/ بيروت لبنان
عرض: حيدر الجراح
شبكة النبأ: مرت قبل ايام الذكرى
الثانية والأربعين بعد المائة لولادة الصحافة العراقية، واستذكر
الصحفيون تاريخ مهنتهم عبر منبرين هما نقابة الصحفيين العراقيين واتحاد
الكتاب والأدباء العراقي وهي ان دلت على شيء فإنما تدل على حالة من
الانقسام الذي تعاني منه الصحافة العراقية وتوزع الادوار بين الجهات
الراعية للعمل الصحفي والابداعي.
تزامنت هذه المناسبة مع مشروع قانون الصحافة والصحفيين الموجود في
مجلس النواب لقراءته وإقراره والذي ثار جدل كبير حوله منذ مدة طويلة..
بين الصحفيين العراقيين والمؤسسات الحكومية الاخرى.
سادت في الاوساط الصحفية والاعلامية توصيفات عديدة، مثل الاعلامي
والكاتب والصحفي، وهي توصيفات اكثر ما يقال عنها انها وليدة الحالة
الاعلامية الجديدة التي يعيشها العراق منذ العام 2003 وحتى الان في
مجال الاعلام والاتصال.
ومنهم من يضيف الى كلمتي (كاتب وصحفي) كلمة عراقي تحت اسمه المنشور..
وغيره يضيف اللقب العلمي الاكاديمي فتكون الصفة كالاتي (الدكتور...
كاتب وصحفي وأكاديمي).
لدى متابعتك للكثير مما ينشر في الصحف العراقية لا تعثر الا على
النزر البسير ممن يستحق حمل تلك الصفات سواءا في جانبها الاكاديمي او
الابداعي او الصحفي.
فالكتابات عبارة عن همروجة متواصلة او سوق هرج فيه الكثير من
المتناقضات الصارخة، والكثير منها عبارة عن تخطيطات او تمرينات للكتابة..
تمرينات تقطع مسافات ماراثونية طويلة لاتصل بعدها الى شيء.. فالسباق
مفتوح الى ما لانهاية، والغاية ليست الوصول بل الاستمرار في هذا
الماراثون الطويل.
ولغرض ادامة هذا الزخم المتواصل من اللهاث والجري المستمر، دخلت
اموال طائلة عبر الحدود على شكل اعانات او تبرعات لشركات مقاولات تحمل
مجازا اسماء مؤسسات صحفية واعلامية.. قد يؤشر هذا لتراجع عادة قراءة
الصحف اليومية التي تتوزع ولاءاتها على الفرقاء السياسيين والجهات
الداعمة لها.
منذ الصفحة الاولى وقراءة عناوينها تستطيع معرفة الى اي الجهات
تنتمي هذه الصحيفة وذلك المطبوع.. لا وجود الا ما ندر للصحافة المستقلة،
التي يعوزها التمويل الكافي واستمراريته ولا تحصل على الاعلانلات التي
تتقاسمها مجموعة قليلة من الصحف تبعا لولاءاتها.. في هذه الحالة اما ان
تكون مستقلا لفترة محدودة ثم ترفع راية الاستسلام وتتوقف، او انك تلتفت
الى جهة اخرى بحثا عن تمويل يتيح لك الاستمرار.
لا توجد تقاليد صحفية راسخة، والموقف الذي تتخذه بعض الصحف احيانا
من القضايا الساخنة يكون نابعا من ايديولوجيتها النفعية وايديولوجية
الجماعة الداعمة لها.
كانت للدكتور علي السعدي تجربة مرة مع مثل هذه التوجهات وهو الذي
كان يحلم باصدار جريدة تشبه ما تعوّد على الكتابة فيه (الحياة – النهار
– السفير) طيلة سنوات اغترابه عن العراق حيث كان يقيم في لبنان.
اصدر جريدة الخطوة وبعد مدة اكتشف مصدر تمويلها، توقف عن المتابعة
واصدر بعدها (خطوة نحو الحقيقة) التي اثارت الكثير من الانتقاد عليه من
حواشي السلاطين، وكان لايهتم لتلك الانتقادات فشعاره هو (قلمي حر ورأسي
مرفوع).. وكان في جميع ما يكتب ينشر اسمه مجردا من لقبه العلمي الذي
حاز عليه بجدارة، وكانه يترفع عن استعمال هذا اللقب وهو يرى هذا
الانتهاك والابتذال الصارخ للكثير من المعايير الاكاديمية ليس اقلها
التزوير الذي استشرى في جنباته، يضاف اليه الجهل الكبير والراسخ للكثير
من حملة هذا اللقب العلمي.. وهو لا يقتصر على رفع هذا اللقب من أمام
اسمه في كتاباته الصحفية بل يمتد ايضا الى كتبه العديدة التي تناول
فيها الشأن العراقي مثل (حزام النار.. مفردات المواجهة والسلام) و (العراق
الجديد.. قلق التاريخ وعقدة القوة) و (العراق الجديد.. صراع الامة
والدولة) و (يوميات نقار الخشب.. عن بغداد الارصفة والنوافذ).
والكاتب ايضا له قصة اخرى مع شارع المتنبي والحراك الثقافي فيه..
فهو لا تجد من كتبه في شارع الثقافة هذا الا عنوانا واحدا.. مما يكشف
عن حالة (الشللية) من الشلّة اي المجموعة، التي تعيشها الثقافة
العراقية وحالة الارتهان لمواقف ايديولوجية مسبقة من كاتب او مبدع ما،
او لضعف التسويق الذي تعاني منه الكثير من دور النشر.. او في حده الا
بعد ان المثقف العراقي هو قاريء ايديولوجي بامتياز يقاطعك حين تختلف
معه.. ولأنك من بني جلدته فما تقوله ليس مثيرا او لا يرضي غروره وهو
يتبجح بالعناوين التي قرأها، والكتب التي يحملها دائرا في شارع المتنبي
او جالسا في مقهى الشابندر يرتشف الشاي برفقة مصطلحات اكل الدهر عليها
وشرب.
في العام 2009 تنبأ بما يحصل الآن في المنطفة العربية حين كتب تحت
عنوان (هل بدأ التغيير في المنطقة؟ مصر سوريا السعودية على ابواب
العاصفة) جاء فيه: (ان الديمقراطية في العراق وعلى الرغم من الصعوبات
الهائلة التي اعترضتها الا انها شكلت حافزا ليس قليلا امام شعوب
المنطقة مع فارق نضج التجربة واداة التغيير الذي لو حدث في مصر مثلا
فلن يواجه الصعوبات التي واجهها العراق، فلا فتاوى تكفيرية تطالب بقتل
المصريين، ولا جموع من الارهابيين تتقاطر للجهاد ضد (الرافضة) كذلك ليس
هناك من دول مجاورة قادرة على التأثير في مصر كما تفعل دول جوار العراق،
ان رياح الحرية بدأت بملامسة الوجوه، وارهاصاتها اخذت تعبر عن نفسها،
حيث القادم من الزمن ينبيء باحداث جسام).
في مقدمة كتابه الصادر حديثا يكتب معلقا على ما يجري في المنطقة: (لقد
دخلت المنطقة عدوى العراق، دول وانظمة بدأت بالاهتزاز، وشعوب تقرأ
الدرس العراقي البليغ، او تبتكر دروسها الخاصة، في نتيجة مفادها: نجح
العراق رغم معاناته وصعوبة ما يواجه، ونجحت تونس ومصر في انتفاضتيهما،
مزيلة من كاهل شعبيهما معاناة طويلة، لكن طعم الحرية يستحق التضحية،
والشعوب تختزن الكثير مما يجعلها تتحفز وتثور، ذلك هو الرهان: يخرج
العراق من ظلامه وظلامته، فتعلن الشعوب عن ظلامتها، وتدخل الانظمة واقع
ظلمتها).
توزع الكتاب على ستة فصول:
الفصل الاول: القوى الدينو – سياسية ومواقف الدفع نحو الهاوية
وتناول فيه الواقع الجديد الذي وجدت فيه الاحزاب والكتل السياسية
نفسها بعد الانتخابات الاخيرة.. مواقع التراجع ومواقف التقدم.. وطرق
التعاطي مع ما افرزنه نتائج الانتخابات من حقائق جديدة على الارض
وبالتالي مواقع السلطة.
الفصل الثاني: الاخلاق والسياسة في العراق الجديد
وتناول فيه ظاهرة الكتاب والكتابة السياسية في العراق وعلاقتها بقيم
المنفعة والمصالح الشخصية التي ادت الى وفرة وافرة في الاسماء ترافق
ذلك مع الضعف والركاكة والانحطاط الواضح في التفسير والتحليل
والاستنتاج.
الفصل الثالث: موت المدنية – حياة المدن
بحث فيه عن بعض الجوانب في حياة السياسيين العراقيين وعلاقتها بحياة
المدن التي قدموا اليها.. وتحدث فيه ايضا عن انطباعاته التي سجلها لدى
زيارته السليمانية وأربيل والموقف الكردي من الكثير من القضايا.
الفصل الرابع: الدين والدولة: مأزق العلماني وإشكاليات الديني
في هذا الفصل تحليل للكثير من الاحداث المهمة في تاريخ العراق
الحديث من خلال سؤال افتراضي يطرحه الكاتب ويجيب عليه وهو: هل هناك
تاريخ في العراق؟ ام ماض وحسب؟
الفصل الخامس: الصوت والانتحار عند العرب
وفيه يتحدث عن بعض الدول العربية المجاورة للعراق وأخرى بعيدة
عنه... إضافة الى بعض الهموم العراقية والاشكالات الحديثة على ساحته
السياسية.
الفصل السادس: حديث الرياح الأربع
وفيه يتطرق الكاتب الى جيران العراق الرئيسيين من جهاته الاربع
والدور الذي يلعبه كل واحد منهم في حصار العراق ومحاولة خنقه وما يجب
على ساسة العراق فعله.. وشبه تلك الدول بالرياح وهي (ايران -تركيا –
سوريا – الكويت).
الكتاب فيه الكثير من السياسة والثقافة والاجتماع والتاريخ، تمتزج
مع بعضها لتقدم خلاصة مكثفة لما حدث وتوقع مايمكن ان يحدث.. وفق قراءة
لا تصادر الاحداث او تقفز فوقها بل توظفها لقراءة افضل. |