الإمام الحسين ينتصر لرجب طيب اردوغان!

مهند حبيب السماوي

أعترف للقارئ اولا وقبل الخوض في تفاصيل المقال ان عنوان الاخير مثير وربما يحفز الاخرين، من البسطاء، للوهلة الاولى، على نقده وتسفيهه لقيامي بالربط بين الامام الحسين ورئيس الوزراء التركي زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب اردوغان وعلى هذا النحو المشار اليه وفي هذه الطريقة من الصياغة.

واكاد اجزم، ثانيا، ان هذا الراي قد ينسحب حتى على الكثير من النقاد والكتاب الذين سيرون فيه، في الانطباع الأولي، ربطا غير منطقي ولامعقول بين كلا الشخصيتين اللتين يفصل بينهما حوالي الف وخمسمائة سنة، ولهذا سيكون المقال ذا مسحة طائفية ويُـشم منه روائح الخرافات الدينية التي لم يسلم منها دين من الأديان السماوية الثلاث.

لكنني، على الرغم من هذه الاعتراضات، أرى فيه مقالاً يتضمن أهدافاً ديمقراطية وأغراضاً مدنية يتحدث، في مآلاته الاخيرة، عن مغزى الديمقراطية بمعناه المعاصر الذي بدأ ينتقل مضمونه، في راي بعض الباحثين، من كونه حكم الأكثرية والغالبية الى الحفاظ على حقوق الاقليات او المكونات الاخرى في المجتمع. واردوغان قام بعمل كان له صدى ايجابي على الاقلية الشيعية في تركيا وخارجها وكما سنتطرق له بعد قليل حينما نكشف النقاب عنه وعن مضموناته ودلالاته.

هذا الرجل التركي استطاع، بسياسته الحكيمة وذكاءه الستراتيجي، ان يستقطب الاضواء في العالمين العربي والاسلامي منذ انسحابه من منتدى دافوس العالمي اثر اعتراضه على العدوان الاسرائيلي على غزة وعلى كلمة الرئيس الاسرائيلي، مرورا بالكثير من مواقفه المتعلقة بالقضايا الاقليمية عموماً والاسلامية والعربية خصوصاً.

ولعل اخر هذه المواقف المُحترمة والمقدرة من قبل اردوغان ماقام به يوم الخميس 16-12-2010 حينما شارك شيعة تركيا في منطقة حالكالي باسطنبول، للمرة الاولى، في إحياء مراسيم ذكرى عاشوراء الامام الحسين، مدينا وبشدة في نفس الذكرى " الحادث الارهابي في مدينة شابهار جنوب شرقي ايران" الذي استهدف الشيعة مطالبا " الامة الاسلامية باطفاء نار الفتنة بوحدتها ".

هذه المراسيم التي شهدتها تركيا وحضرها رئيس الوزراء التركي بالاضافة الى علي اكبر ولايتي وهو المستشار السياسي لمرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي، وعلماء الدين الاتراك والآلاف من الشيعة أحدثت ردود أفعال ايجابية وطيبة كثيرة في العالم الشيعي العربي والإسلامي والمراقبين والمحللين السياسيين الموضوعيين الذين اثنوا على سلوك اردوغان وتصرفه الحكيم.

فلأول مرة يشارك مسؤول كبير في دول اسلامية بحجم رئيس وزراء الاقلية الشيعية في تلك الدولة مراسم احياء ذكرى عاشوراء، وهو يقوم بذلك وعلى هذا النحو الفاعل والواضح في مقابل تجاهل رسمي مطلق تقوم به الدول الاسلامية والعربية لهذه المراسم على الصعيد الديني والمدني ايضاً.

فالمسؤول ورجل الدولة في الدول الإسلامية وخصوصا العربية منها لم يقم، وعلى امتدادها تاريخ هذه الدول، في أي مبادرة وطنية تجاه الشيعة كأن يشاركهم في احتفالاتهم وإحزانهم بل أصلاً لم تعاملهم تلك الدول " الطائفية التوجه " كمواطنين من الدرجة الأولى لهم حقوق يجب على الحكومات أن توفرها لهم.

اذن القضية التي نتحدث عنها ليست مجرد حضور مسؤول لاحتفالات فئة من مواطني دولته لأسباب دينية بحتة، بل هي، في تفسيرها الإنساني الأرحب وقراءتها البشرية والسياسية المعاصرة لاتخرج عن كونها، إذا ما جردناها من طابعها الديني ونكررها للتأكيد، محاولة من مسؤول رفيع للتواصل مع الأقلية الموجودة في بلده، موجها رسالة لهم وللآخرين بانه ليس هنالك فرق بينهم وبين اي مواطن اخر في تلك الدولة سواء كان سنيا او شيعيا مسلما او مسيحيا كرديا او تركماني.

وها هو اردوغان يحصد ثمار هذه السياسة وتعامله الوطني غير الطائفي مع ابناء وطنه يوم الاثنين 13-6-2011 حينما تم الإعلان عن فوز حزب العدالة والتنمية بولاية ثالثة كنتيجة طبيعية تعكس قصة نجاح الارادة الوطنية لسياسة اردوغان التي تسامت على كل الإرادات الأخرى الاقصائية والطائفية والحزبية التي لم ولن تبني وطنا حرا ومستقلا مهما صيغت أهدافها بعبارات منمقة.

وان كان اردوغان التركي قد فهم استشهاد الامام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء لا على انه " الوداع بل هو درس الحياة " فكم هو حري بقادة العالم العربي والإسلامي ان يعوا هذا الدرس ويفهموا معناه خصوصا أن للمسلمين في المنطقة" مصيرا مشتركا...ويجب وضع الاختلافات جانبا وتقوية الوحدة واطفاء نيران الفتنة وترسيخ الاخوة فيما بيننا"... على تعبير السيد اردوغان.

وقبل ان انتهي من كتابة المقال ظهر تقرير في محطة ال CNN الامريكية الساعة ال12 بتوقيت واشنطن،، يتسق مع الموضوع الذي اتحدث عنه ويؤكد ماجاء فيه، يتحدث عن قمع التظاهرات في البحرين ومحاسبة الاطباء ومعاقبة الصحفيين وقد اجرت القناة اتصالا هاتفيا مع منصور الجمري رئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية الذي تحدثت معه عن حيثيات هذا الموضوع.

هذا مايدفعنا الى الاستمرار في الكتابة والتأكيد على حقوق الاقليات في العالم العربي والإسلامي الذي ينبغي الكف عن النظر لهم على انهم مواطنون من الدرجة الثانية لايستحقون الحياة الكريمة كغيرهم من ابناء ذلك الوطن.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/حزيران/2011 - 15/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م