الإمام علي مدرسة الحاضر والمستقبل

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يعيش العالم الإسلامي هذه الايام ذكرى عظيمة تأخذ عظمتها من عظمة الشخصية التي وُلدت في مثل هذا اليوم، فأصبحت نبراسا مرشِدا وفنارا هاديا للبشرية جمعاء، إنه الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فهو صوت الحق على مر التأريخ، وهو مدرسة الصدق والتوازن والتَّواد والخلق العظيم، ومدرسة الانسانية في مناحي الحياة كلها، في السياسة والاقتصاد والعلوم الانسانية وغيرها، ويحق للعالم الاسلامس حقا أن يفخر والى الابد بهذا اليوم الخالد الذي أنجب للانسانية مثالا خالدا ونموذجا عظيما يشكل مسارا للنهج البشري الناجح والملتزم في آن، فلقد تميّز الامام عليه السلام بإنسانية الحقيقية المخلصة للانسان بغض النظر عن سماته او توجهاته، فطالما ينتمي بإنسانيه الى الصنف البشري فهو يقع تحت رعاية الامام واهتمامه المتواصل.

يقول سماحة المرجع الديني آسة الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية) بهذا الخصوص: (احدى خصال الامام علي - سلام الله عليه- خاصة في فترة خلافته تعاطفه مع الناس ويتجلى تعاطفه مع افقر الناس من خلال عمله).

ولهذا لم يسجل التأريخ حادثة واحدة تدل على أن الامام - عليه السلام- فضّل أحدا على أحد من الرعية في الحقوق او الواجبات، حتى لو كان من ذويه أو مساعديه أو ممن يعتمد عليهم في ادارة شؤون الدولة، بل على العكس كان هؤلاء جميعا يقعون تحت مراقبة الامام (عليه السلام) الصارمة حتى لايشط احد منهم فيؤذي عامة الشعب حتى لو تم ذلك من دون قصد، ولهذا كان عليه السلام لا يعبأ بالسلطة او الجاه او النفوذ، ولا يهتم بالحكم إلا بحدوده الادارية الناجحة والمتوازنة، لذلك كن الزهد عنوان حياته (عليه السلام)، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص بالكتاب نفسه:

(لم يضع الامام علي - سلام الله عليه- حجرا على حجر، ولم يسكن قصرا فارها، بل تحمل كل المصاعب، والآلام، لئلا يكون هناك فرد في اقصى نقاط دولته، يتبيّع بفقره، فلايجد حتى وجبة غذاء واحدة تسد رمقه).

ويضيف سماحته قائلا في هذا الصدد: (كان امير المؤمنين علي عليه السلام عادلا في الرعية قاسما بالسوية زاهدا في حطام الدنيا).

ومع كونه عليه السلام مركزا للقرار، بصفته قائدا محنكا للمسلمين، لكنه لم يرض قط أن يكون مصدرا للظلم، بل كان عليه السلام خير مناصر للضعفاء والفقراء، وكان يفضّل أن يقع الظلم عليه وذويه خدمة للدولة الاسلامية، على خلاف القادة المعاصرين في الدول الاسلامية، فهو ما أن يشعر بالقوة والسلطة والنفوذ حتى يبدأ بظلم الناس وسلب حقوقهم، فيما كان الامام عليه السلام يقبل أن يقع الظلم عليه وذويه حتى لو كان الحق معهم خدمة للاسلام، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد: (الانسان القوي اذا وقع عليه ظلم، فانه يقع تحت تاثير نفسه الامارة، عادة ما يسعى للانتقام، وتوسوس له نفسه وتنسيه دينه، وتجعله خاضعا لمشاعر الانتقام، ولكنا نرى الامام امير المؤمنين - سلام الله عليه- يختار السكوت من اجل صالح دينه).

ومن دروس الامام علي (عليه السلام) العظيمة، أنه كان لا يبادر المناهض له بالخشونة سواء بالفعل او بالكلام، بل كان النصح والحوار الانساني المتحضّر يتقدم على كل الاساليب والوسائل، لاسيما وسائل القوة والقمع والاحتراب، فهو عليه السلام بعيد عنها إلا ما جاء منها دفاعا عن النفس لا أكثر، وهذه الاخلاقيات السياسية العظيمة يمكن أن تُسهم ببناء عالم معاصر أفضل فيما لو أخذ بها ساسة وقادة اليوم، فقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي قائلا في هذا الصدد: (كان الامام علي عليه السلام يدفع من ناهضه بالنصح والموعظة ما امكن وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب واراقة الدماء سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية او غيرها ولكن اذا وصل الامر بالطرف الاخر ان يهجم ويريد القتال قام الامام عليه السلام بدور الدفاع لا اكثر ولكن ما ان يتراجع الخصم او ينهزم حتى يتوقف الامام عن ملاحقته ولا يسعى للانتقام منه).

ومن أخلاقياته ودروسه الخالدة أيضا، أنه علّم الآخرين من القادة والساسة في عصره والعصور اللاحقة كيف تتم معاملة العدو وكيف تتقدم المبادئ الانسانية الراقية على السلوكيات المتوحشة، فالامام (عليه السلام) أعطى الانسانية درسا كبيرا في مبادئ واخلاقيات الصراع بمختلف أصنافه حتى الحروب، وفي هذا الخصوص يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه قائلا:

(لم يأسر الامام علي عليه السلام من اعدائه حتى فردا واحدا ولا صادر او سمح بمصادرة اي شيء من اموال خصم وان كان رخيصا او عديم الثمن).

ومع هذه المبادئ والاخلاقيات العظيمة كان هناك زهدا عظيما بالجاه والنفوذ والسلطة بل بالحياة برمتها، من قبل الامام عليه السلام، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: إن (الإمام أمير المؤمنين علي -عليه السلام- رفض وفضل ان تخرج الخلافة من قبضته ... لا ... بل فلتذهب الدنيا كلها ويصبح العالم كله ضده ولا يتخلى عن مبادئه).

وهكذا يمكن للانسانية أن تصحح واقعها المعاصر استنادا الى هذه السيرة الانسانية السياسية الاخلاقية المبدئية الخالدة لمولى الموحدين الاممام علي عليه السلام، وأن تجعل من ذكرى ولاته العطرة نقطة شروع لتغيير العالم الاسلامي والعالم الاجمع نحو الخير والسلام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 16/حزيران/2011 - 13/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م