شبكة النبأ: تتعدد التفسيرات
والتحليلات للأسباب التي دعت رئيس الوزراء العراقي الاسبق الدكتور اياد
علاوي لنقل مستوى المنافسة السياسية التي احتدمت اثناء الانتخابات وبعد
اعلان نتائجها، ومرحلة الصراع السياسي على منصب رئاسة الوزراء الى هذا
النموذج الجديد من الصراع الشخصي بين الاثنين تحت تهم العمالة
والدكتاتورية والخيانة للوطن والوطنية وغيرها من مفردات خطاب علاوي
الاخير.
ما الذي سبق كل ذلك؟
جميع قادة الكتل والاحزاب والتجمعات السياسية المنضوية مع حركة
الوفاق الوطني بزعامة علاوي حصلوا على حصتهم من كعكة السلطة... وبقي
اياد علاوي وحيدا يترقب منصب رئيس مجلس السياسات دون جدوى، الذي اعتبر
في حينه منصبا مفصّلا على مقاساته ولدورة انتخابية واحدة اقترحتها
امريكا ترضية له، قبل اياد علاوي بهذا المنصب وفق عدة شروط وضعها أمام
الآخرين: ان يكون المنصب موازيا لمنصب رئيس الوزراء من حيث الصلاحيات،
وان تكون حمايات هذا المنصب مثل حمايات رئيس الوزراء (ثلاثة افواج) مع
الامتيازات الشكلية والادارية الاخرى، والاهم ان يكون هذا المنصب مارا
عبر بوابة مجلس النواب ليكتسب الصفة القانونية والتشريعية.
جميع الشروط اعلاه وبغض النظر عن الدوافع والتبريرات التي دأبت
القائمة العراقية على تسويقها هي مخالفة للدستور... والاهم من ذلك لا
يمكن ان تكون هناك سلطتان او رأسان لادارة البلاد.
ليس دولة القانون وحده رفض تلك الشروط، بل معظم الكتل الموجودة في
البرلمان والمشاركة في الحكومة، لانها رات فيه نسخة مكررة من مجلس
قيادة الثورة في عهد النظام السابق قبل العام 2003. لكن صراع العراقية
مع هذه الكتل لا يخدم توجهات علاوي في البحث عن مناصرين له وهو الذي
يجد نفسه في عزلة يوما بعد آخر تضيق عليه وتكاد تفقده حتى هذا المنصب
الذي فصّل لأجله.. من هنا كان التوجه الدائم لرئيس القائمة العراقية هو
مهاجمة المالكي ودولة القانون تحديدا، اي شخصنة الهجوم وليس توزيعه كما
تفترض ذلك قواعد اللعبة السياسية.
التحالف الكردستاني وبعد ان وصلت المفاوضات الى طريق مسدود بين دولة
القانون والقائمة العراقية خرجت عن صمتها واتهمت العراقية بانها التي
تعرقل تنفيذ اتفاقات اربيل.. حسن العلوي المنشق عن القائمة العراقية
بقائمته البيضاء بدوره كشف سرا آخر، وهو ان هناك (قيادة ظل) للقائمة
العراقية تقيم في الاردن هي التي تتخذ القرارات وترسم التوجهات للقائمة
العراقية... أي إن اياد علاوي، وهو ما لم يرد قوله العلوي بصريح
العبارة، لا يعدو كونه واجهة ومنفذّا لتلك التوجهات والسياسات.. ومعلوم
ان الاردن له دور محوري في تقاطعات وتجاذبات العديد من اجهزة
الاستخبارات الدولية وهو محطة رئيسية لتلك الاجهزة.
بعد التطورات الكبيرة في الكثير من الدول العربية ازدادت عزلة رئيس
القائمة العراقية... فمصر المجلس العسكري ليست مصر حسني مبارك، وسوريا
قبل احداث درعا ليست سوريا بعدها، والسعودية فبل تدخل درع الجزيرة في
البحرين ليست نفسها الآن.. ثلاثة لاعبين في الملف العراقي واكبر
الداعمين لأياد علاوي ينشغلون بالتطورات الجديدة في بلدانهم وفي
محيطها.
من هنا نلاحظ قلة سفر رئيس القائمة العراقية وهو الذي لم يكن يصل
الى بغداد قادما من احدى الدول حتى يسافر الى دولة اخرى وكأن محركات
طائرته تبقى دائرة لا تتوقف. فما الذي سبق ذلك الخطاب الاخير لرئيس ما
تبقى من القائمة العراقية (الوفاق الوطني)؟
* مباحثات مع عدد من الجماعات المسلحة لإلقاء سلاحها والانخراط في
العملية السياسية.
* اغتيال علي اللامي الرئيس التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة.
* إقالة احمد الجلبي من منصب رئيس تلك الهيئة.
قد يكون اغتيال اللامي هو نقطة اللاعودة بالنسبة لدولة القانون في
حواراتها مع القائمة العراقية.. وقد اتهم البعثيون صراحة مع القاعدة
بتنفيذ عملية الاغتيال.. وقد يكون لدى دولة القانون معلومات دقيقة تشير
الى الفاعلين الحقيقيين ومن يقف وراءهم.. واغتيال اللامي ازاح عقبة
كاداء امام تلك المباحثات مع الجماعات المسلحة.. بقي احمد الجلبي الذي
يمثل عقبة ثانية يمكن التضحية به مقابل التخلي عن اياد علاوي من قبل
المنضوين في القائمة العراقية.
بالعودة الى خطاب علاوي الأخير كان التشنج واضحا في توجيه الاتهامات
وخاصة ما يتعلق منها بالعمالة لايران.. لا يهم ان تكون عميلا للسعودية
وتقبض منهم ملايين الدولارات وان يقوموا بتمويل تحركاتك وحملتك
الانتخابية.. ولا يمكن ان تكون عميلا لمصر وهي تدعمك بما لها من ثقل
عربي.. ولا يهم ان تكون تحت الرعاية البعثية السورية وان تتدخل في
اختيار رئيس الوزراء.
كل تلك العمالات ليست مهمة بقدر اهمية ان تكون لديك مصالح وعلاقات
مع ايران.. لان ايران دولة شيعية والفكر البعثي لا ينسجم مع تلك الدولة
لكنه ينسجم مع الوهابية في تكفيرها وقتلها العبثي للعراقيين، وينسجم مع
سوريا البعثية وممرها الامن لحثالات الارض من القتلة والمجرمين، وينسجم
مع مصر صاحبة الفكر القومي وصاحبة النكسة العربية الشهيرة..
الا ايران وكأنها بمعزل عن هذه الدول في التفكير بمصالحها ورعايتها
فهي عدو ابدي ولا يمكن الموافقة على ما تفعله رعاية لتلك المصالح لانها
ببساطة شديدة دولة شيعية.. والمحيط العربي لا زال غير مصدق ان تكون في
العراق دولة شيعية على غرار ايران ولكن بنسخة ديمقراطية منها.
وأكثر ما يثير الاستغراب اتهامه للمالكي بالاعتماد على الاجنبي ونسي
او تناسى صاحب الخطاب ان هذه التهمة تنطبق على جميع من في الساحة
السياسية منذ سقوط صدام وحتى اليوم.
لقد ضاعت البوصلة السياسية لرئيس القائمة العراقية ومن هنا هذا
التخبط في التصريحات والمواقف.. سننسحب.. لن ننسحب.. سيستقيل وزراؤنا..
لن يستقيلوا.. سنوقف مفاوضاتنا مع دولة القانون.. لن نوقف مفاوضاتنا مع
دولة القانون.. سوف، وسوف، والسين في اللغة العربية تفيد التسويف. |