الفكر المتجدد... ضرورة لارتقاء الفرد والمجتمع

 

شبكة النبأ: الأمم الحيّة لا تبقى ساكنة، ولا تقبل العيش في حالة سبات حتى الموت، بل تطمح للتجدد دائما، من أجل مواصلة الحياة ومواكبة مستجدات العصر بما يضاعف من فرص التحرر الانساني والعيش الذي يتسق مع الفكر الحر السليم والمبادئ العظيمة التي تهدف الى الارتقاء بالانسان الى أعلى المراتب.

لهذا ثمة فرق واسع وكبير بين أمة قارّة ساكنة قانعة بوضعها الميت وسباتها الأزلي وموتها البطيء، وبين أمة لا تكل ولا تمل ولا تتوقف لحظة في التفكير بصعود سلم الرقي والتطور والمعاصرة، وأداتها في تحقيق ذلك هو تجديد الفكر دائما، وهذا شرط لا يمكن تجاوزه لتحقيق عوامل التطور والمعاصرة.

لهذا ركّز الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في معظم مؤلفاته لاسيما في كتابه القيّم الموسوم بـ (لنبدأ من جديد) على أهمية تجديد الفكر، وذكر بالحرف الواحد في كتابه هذا ما نصه: (من أهم أسباب الإبتداء من جديد: أن نجدِّد الفكر).

بمعنى لا فائدة ولا جدوى من الخوض في هدف التجديد ما لم يتصدر هذا الهدف (تجديد الفكر) كونه العامل الاساسي الذي يقود الى عمليات تجديد وتحديث واسعة في عموم مجالات الحياة، ناهيك عن إلغاء الاساليب النمطية الرتيبة، وتجديدها بأفكار متنورة معاصرة لها القدرة على تفجير طاقات الانسان الكامنة وتوظيفها لصالح البناء المجتمعي المتطور، لذا لابد للامة أن تتجنب ركود الفكر وسكونه.

يقول الإمام الشيرازي بهذا الصدد بكتابه نفسه: (إنّ أول ما يوجب التخلّف هو الفكر المنحط) وطالما أن الانسان ينشط ويتحرك وينتج ويعيش وفقا لطبيعة أفكاره، فيمكن لنا أن نقدر مدى خطور الفكر على حياة الانسان من حيث السمو والرفعة او الانحطاط والتردي، وفي هذا الخصوص يؤكد الإمام الشيرازي قائلا في كتابه نفسه: (إن الإنسان يسير حسب فكره ـ وحين تتوافر أجواء الحريةـ فإنها من أهم الاسباب التي تؤدي الى اختلاف المهن والصنائع والاختصاصات ونحوها، كما يسبب اختلاف المآكل والمشارب والملابس والمراكب وغيرها).

لذلك يبقى دور الفكر في تطور الانسان او تخلفه حاسما، فالفكر هو أداة الفرد والمجتمع لصعود سلم المجد والرقي والازدهار المتواصل، فإذا كان قارّا ساكنا راكدا كبركة الماء الساكنة، فإن انعكاسه على ركود المجتمع وضعف انتاجيته وتطوره سيكون مباشرا، فكما يرى الإمام الشيرازي في كتابه نفسه:

إن (كل إنسان ارتقى وكل إنسان انحط ـ إذا لم يكن هناك ضغط خارجي ـ إنما يحدث ذلك بسبب فكره أولاً وبالذات، فالنجّار والعطّار والبقال والعالم والخطيب والمؤلف والسياسي والاقتصادي والطبيب والمهندس وألف شخص وشخص من مختلفي المهن والأعمال والاتجاهات هم ولائد أفكارهم).

لذلك فإن الفكر هو طريق الفرد للتطور، وبالتالي هو طريق المجتمع ككل، فإذا ضعف الفكر وتخلف ظهر ذلك بوضوح في طبيعة حياة الفرد والمجتمع، وهكذا يظل الانسان غير الحيوي مراوحا في مكانه اذا لم يتراجع الى الخلف بسبب عدم لجوئه الى تجديد أفكاره وأنماط حياته نحو الافضل.

في هذا الخصوص يطرح الإمام الشيرازي تساؤلات عديدة حول سبب بقاء الافراد دون تقدم ودون صعود الى مرتبة أعلى، والسبب دائما يكمن في قبولهم بفكرهم الساكن الذي لا يحثهم على التطور والمضي قُدما في سلّم الحياة، حيث يتساء الإمام في كتابه نفسه: (لماذا بقي المعلِّم معلماً، وهو يتمكن من أن يصبح أستاذاً في الجامعة؟، ولماذا بقي الخطيب الضعيف في مرتبته السابقة وهو قادر على أن يصبح من أكبر الخطباء. ولماذا بقي السياسي الضعيف في الدرجة المنحطة، وهو قادر على أن يكون وزيراً أو رئيساً للجمهورية أو ما أشبه؟. وهكذا وهلمّ جرّاً ...)

إن الجواب عن هذه التساؤلات واضح ويكاد يكون واحدا متشابها، حيث ركود الفكر وانحطاطه هو السبب الاول في تدمير الكفاءات والطاقات التي تبقى راكدة في أعماق الذات التي تقبل بالفكر الساكن ولا تستحث صاحبها نحو البحث عن الافكار الجديدة، وهنا يؤكد الإمام الشيرازي في اجابته عن التساؤلات السابقة قائلا: (أليس كل ذلك يوجد في الإنسان - صاحب الكفاءةـ بسبب انحطاط الفكر، وضعف الهمة، وخور القناة، وخطأ الرأي؟).

لذلك على كل من يبحث عن سبل التطور والازدهار سواءا كان فردا او جماعة او مجتمعا أو أمة برمتها، لابد من اللجوء الى تجديد الفكر، بما يتناسب مع روح العصر وبما لا يتنافى مع الاهداف الانسانية السامية التي تكفل للفرد والمجتمع حياة كريمة مزدهرة، لذا يؤكد الإمام الشيرازي قائلا في هذا الصدد بكتابه الثمين نفسه: (ينبغي على من يريد تجديد حياته وتقديم نفسه إلى الإمام، أن يجدد في فكره أيضاً.. وأن يفكر في أفضل الأعمال وأرفعها، في الدنيا والآخرة، ثم يتقدم خطوة خطوة، فإنها معدات الوصول إلى الهدف).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/حزيران/2011 - 11/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م