الحكام العرب... ثراء فاحش وطغيان متصاعد

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الثراء الفاحش والطغيان صنوان متلازمان قلّما يفترقان، وهما من أهم الصفات والسمات التي يتميز بها الحكام العرب عن حكام الارض قاطبة، نعم هناك طغاة في افريقيا وفي امريكا اللاتينية وغيرها، لكن ظاهرة الطغيان والثراء غير المشروع لا تشكل ظاهرة في تلك الدول كما هو الحال مع البلاد العربية، ولكي نكون أكثر دقة في رأينا، نتساءل هنا، هل يمكن أن نجد حاكما عربيا واحدا يعترف بمبدأ التداول السلمي للسلطة، وهل نجد حاكما عربيا واحدا آثر الناس على نفسه وعائلته ومصالحه وسلطته؟، هذه أسئلة موجهة للحكام أنفسهم ومساعديهم ومستشاريهم ومدراء مكاتبهم الاعلامية وكل مسانديهم، جميعا لهم الحق بالرد على هذا الرأي. 

نحن لا نعرف بالضبط لماذا يقول حكامنا ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، ولا نعرف حقا لماذا يتصورون شعوبهم أناسا بسطاء لا يفقهون ما تحت السطح أو ما يُخفى من الافعال والنيّات، إنهم طغاة من طراز خاص، وأثرياء فاحشون من طراز خاص ايضا، وغالبا ما يتفوهون بأجمل الكلام وأرقّه، فيما تكون أفعالهم من أشد الافعال دناءة وتمييزا ووحشية، ولا يتوقف الامر عند الحاكم الفرد وأفعاله ونزواته ورغباته المريضة، بل يتحول الابناء (أبناء السلاطين) الى كوارث تمشي على الارض، تكتسح الشعوب والفقراء والضعفاء بنزواتها الحيوانية المتوارثة، فترى الابن صنواً لأبيه، فهو جلاد عندما يتطلب الامر ذلك، وهو سارق من الطراز الاول بالسليقة، وهو وضيع عندما تكون الوضاعة سلاح الطغاة في حماية العرش، وهو غرائزي من الطراز الاول، عندما يتعلق الامر بالنساء والبذخ على حساب الشعب، ولدينا أمثلة قد تصعب على الحصر لما يقوم به السلاطين العرب وابناؤهم، خذ مثلا ما نقلته مؤخرا احدى الوكالات العربية عن سيف الاسلام بن القذافي وأفعاله التي لا يندى لها جبين الانسانية فحسب، بل تُعدّ من أرذل الافعال وأخسها في التأريخ البشري، أما إذا تحدثنا عن أبيه فلك أن تعرف بأن الشعب الليبي لا يزال يسكن مساكن من صفيح فيما يبعثر العقيد عشرات المليارات من الدولارات على مسانديه ومساعديه داخل وخارج ليبيا من دون وجه حق، أما ابنه فقد ذكرت احدى الوكالات على لسان طليقته عارضة الازياء التركية إبرو شنجي التي صرحت بدورها لصحيفة الحريات التركية قائلة عن طليقها (سيف الاسلام): "لقد تعرفنا على بعض في انجلترا وبعدها استمرت علاقتنا الغرامية ثم تم زواجنا حيث كان سيف مشغف بي شغفا ولكنني بصراحة كنت أعمل المستحيل كي أحبه.. لقد كنا نعيش حياة الملوك بكل ما للكلمة من معنى بينما الشعب خارج القصور يعاني الفقر والجوع". وأضافت شنجي:" كان يعشق النساء الجميلات، ولأجل ذلك كان أصدقاءه من كبار رجال الأعمال الاتراك يجلبون له الحسناوات التركيات، وفي المقابل كان سيف الاسلام يعمل على تسهيل أمور هؤلاء الرجال داخل ليبيا" واختتمت حديثها قائلة: "لقد كانت تصرفاته وتصرفات أهله بمثابة سلوك غريب لا يمكن أن اصفه إلا بأنه كان وعائلته مجانين بمعنى الكلمة".

ولعلنا نتذكر تصريح احدى المغنيات الغربيات حين قالت انها استلمت (مليون دولار) من ابن القذافي مقابل (45 دقيقة من الغناء في حفلة لعائلة الرئيس) فيما يئنّ الشعب من الفقر والجهل، وبخصوص الرئيس المصري المخلوع فإن آخر ما تناقلته وسائل الاعلام، أنه كان يرتدي قبل خلعه بذلة سعرها (10000 جنيه استرليني) بمعنى حتى وهو على حافة السقوط من العرش، فإنه يرتدي ملبسا من هذا النوع، الامر الذي يدل على ان نمط العيش الذي اعتاده هو وعائلته لا يتأثر حتى بتهديد مصيره الحتمي، فليس هناك أكثر سوءا من الاطاحة به، ومع ذلك كان الرئيس يتجمّل بارتدائه لبذلة ذكرت عنها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية ما يلي: كان الرئيس المصري السابق حسني مبارك يرتدي قبل تنحّيه بدلة خطوطها من حروف اسمه. ونقلت الصحيفة عن شركة "هولاند آند شيري" الاسكتلندية لتصنيع الملابس أن صناعة قماش البدلة وخياطة اسم الرئيس السابق عليه استغرق ثلاثة أشهر وبلغ سعر البدلة 10 آلاف جنيه استرليني. وأضافت الصحيفة: أن الشركة خاطت اسم حسني مبارك بالإنكليزية على خطوط القماش بالطول واستخدمت لفظاً قليل التداول لاسمه وهو Hosny Mubarak بحرف صغير جداً بعرض ملليمترين لا يمكن حتى للشخص القريب منه أن يلاحظ ما هو مكتوب.

فإذا كانت بذلة رئيس عربي كان قاب قوسين من السقوط تساوي هذا المبلغ الهائل، تُرى كيف تعامل هؤلاء الطغاة هم وابناؤهم وعوائلهم مع الاموال العامة للشعب؟ إنها أسئلة لا يمكن أن تبقى تحت سلطة الصمت الى الابد، ولو اردنا الحديث عن غيرهم من الحكام والابناء فإننا سنحتاج الى مجلدات كي تحصي دناءاتهم وتجاوزاتهم على حقوق شعوبهم المبتلاة بأمراضهم وشغفهم المطلق بالسطة، فيما تلعلع أصواتهم النشاز وبياناتهم المزيفة بشجب الافعال الاسرائيلية هنا وهناك، فهم (الحكام وابناؤهم ومعاونيهم وحاشياتهم واعلامهم) متميزون بالادانة والشجب والكلام الاجوف، لكن حين يتعلق الامر بتطوير شعوبهم ونشر الثقافة والوعي بين اوساط الناس البسطاء، فإن الامر ليس مهما بقدر اهمية مقارعة اسرائيل التي كانت ولا تزال شماعة لتعليق الاخطاء الشنيعة للحكام العرب، وفي الوقت الذي ينشغل به هؤلاء الحكام وابناؤهم بسرقة قوت الشعب وبث الجهل بين صفوفه، فإن حكام اسرائيل مشغولون بكيفية تطوير شعبهم، فقد نقلت وسائل الاعلام عن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بان" إسرائيل" ستصبح خلال السنوات القريبة القادمة من بين الدول الخمس الاكثر تطورا في العالم في مجال شبكة الانترنت. وقال نتنياهو انه يجب على "إسرائيل" ان تلعب دورا محوريا في مجال استخدام التكنولوجيا المطورة والحواسيب من خلال الدمج بين الوسائل الوقائية وعنصر الردع.

 وما بين النموذج العربي والنموذج الاسرائيلي، يمكن لنا جميعا أن نعرف طبيعة حكامنا، واهدافهم ونواياهم وضعفهم المطلق تجاه الكرسي والسلطة بجميع أشكالها وأصنافها، فهي طريقهم الى البذخ والثراء الفاحش الذي يجعل من نفوسهم المريضة أكثر توازنا في عالم اليوم، هكذا هو حال حكامنا المرضى بالثراء وحب السلطة، لهذا ها هم الآن في طريقهم الى الزوال بفعل الانتفاضات العربية المتواصلة والزمن العربي الجديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/حزيران/2011 - 9/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م