البحرين... مذبح الحرية الخليجي

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي يرزح شعب البحرين تحت احتلال بغيض، وتصادر معظم أشكال حرياته، وتنتهك ابسط حقوق الإنسان، يسعى ملك البلاد الى تلميع صورته بشتى الوسائل الممكنة، والالتفاف على حقيقة ما ارتكبته قواته من جرائم بحق الشعب عبر بأساليب مختلفة، على الصعيد الخارجي أولا وداخليا ثانيا.

ففي الوقت الذي لا يزال آلاف المعتقلين والمغيبين في غياهب السجون الحكومية ومثيلاتها السعودية، يكابدون شتى أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي، وترتكب بحقهم جرائم يندى لها جبين الإنسانية، يطلق حمد دعواه الى الحوار، وتسعى حكومته الى تنظيم فورمولا ون في البلاد، مما يثير مشاعر السخط والازدراء لذلك النظام الوحشي، الذي لا يراعي في سبيل تدعيم أركان سلطته الهشة أي معايير إنسانية او أعراف دينية.

فيما اتت الصفعة لذلك النظام من المشتركين في تلك المسابقة الدولية، بعد ان رفض اغلب المتسابقين في خوض المنافسة في ظل ما يحدث في تلك البلاد من انتهاكات متواصلة لحقوق الانسان، على الرغم من الضغوط الامريكية التي سعت الى احياء ذلك الحدث.

جائزة البحرين الكبرى

فقد قال بيرني إكليستون، صاحب امتياز بطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا-1، إنَّه لايمكن إقامة سباق جائزة البحرين الكبرى نظرا لاستمرار الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تشهدها البلاد.

ففي مقابلة مع بي بي سي، قال إكليستون: "نأمل أن نتمكَّن من العودة (إلى البحرين) في المستقبل، لكن بالطبع ليس الأمر واردا الآن". وأضاف: "لا يمكن إعادة جدولة برنامج البطولة بدون موافقة المشاركين".

جاء موقف إكليستون الجديد بعد أن كان 11 فريقا من أصل الفرق الـ 12 المشاركة في بطولة العالم الحالية قد اعترضت على قرار الاتحاد الدولي لسباقات السيارات "فيا" بإعادة جدولة السباق لُيجري في 30 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

بدورها، تقدَّمت رابطة فرق بطولة العالم لسباقات فورمولا-1 بطلب إلى القيِّمين على البطولة لإعادة جائزة الهند الكبرى إلى موعدها السابق، أي 30 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، عوضا عن جائزة البحرين التي كان "فيا" قد أعادها إلى رزنامة 2011 في هذا الموعد.

وتسبَّب ذلك القرار بتأجيل سباق الهند إلى 11 كانون الأول/ديسمبر المقبل، ليصبح موسم 2011 الأطول في تاريخ رياضة الفئة الأولى، وهذا ما تعارضه الفرق لأنَّه يسبِّب الإرهاق لجميع العاملين في هذه الرياضة كون تجارب موسم 2012 تبدأ في كانون الثاني/يناير.

يُشار إلى أن ردود فعل قويَّة كانت قد صدرت عن إكليستون وعن الفرق المشاركة بسبب القرار المثير للجدل للاتحاد الدولي لسباقات السيارات "فيا" في اجتماعه الأخير في برشلونة بشأن إعادة السباق إلى البحرين بعد أن كان مقرَّرا أن تنطلق به منافسات الموسم الحالي في 13 مارس/ آذار الماضي، لكن جرى تأجيله بسبب الأحداث التي شهدتها البلاد.

فقد جاء موقف إكليستون الجديد بعد يوم واحد من نشر صحيفة الديلي تلغراف البريطانية تصريحات له قال فيها إنَّه يريد إعادة النظر بقرار "فيا" بشأن إقامة السباق رغم استمرار الاضطرابات في المملكة.

وقال إكليستون، البالغ من العمر 80 عاما، في المقابلة إنه خاطب الفرق المشاركة في بطولة العالم الحالية، حاثَّاً إيَّاهم على إعادة التصويت على مسألة إقامة السباق في البحرين.

وأكد إكليستون على ضرورة إعادة التصويت على الموعد الجديد لسباق البحرين وقال: "بوسعنا تغيير الموعد الجديد في 30 أكتوبر، حتى لو اضطررنا لإجراء التصويت عن طريق جهاز الفاكس. بوسعنا إجراء هذا التصويت وبسرعة".

بدورها، كانت صحيفة التايمز البريطانية قد نقلت أيضا عن إكليستون قوله: "بالنظر إلى الأوضاع الحالية، لا توجد لدينا فكرة عما سيحدث لاحقا. ومن الأفضل أن نرحِّل سباق البحرين إلى نهاية الموسم. وإذا وجدنا أن الوضع أصبح آمنا وجيَّدا هناك، فنستطيع عندئذٍ أن نقيم السباق". وأضاف: "أمَّا إذا لم يتحسَّن الوضع، فلن نذهب إلى البحرين، وبذلك لن تكون هناك مشاكل. لقد استمعنا إلى تقرير فيا الذي يقول إنه لا توجد مشاكل على الإطلاق حاليا في البحرين، ولكن ليس هذا ما أسمعه من جهات أخرى. أعتقد أنه من الواضح أننا بحاجة لتوخِّي الحذر".

كما تعرَّض "فيا" لانتقادات دولية لاذعة بعد قراره إقامة سباق البحرين بعد خمسة أشهر من الآن، وخاصَّة من قبل سائقي السيارات مثل الأسترالي مارك ويبر، الأمر الذي حدا بإكليستون إلى اتخاذ موقفه.

فقد جاء تغيير موقف إكليستون بعدما أدانت جماعة لحقوق الإنسان تقرير "فيا" الذي زُعم فيه أن "الوضع في البحرين "أصبح آمنا"، وبالتالي يمكن إقامة سباق السيارات هناك في تشرين أول/ أكتوبر من العام الجاري".

فقد وصفت جماعة "أفاز" الحقوقية على شبكة الإنترنت تقرير نائب رئيس "فيا"، كارلوس جارسيا، عن الوضع في البحرين بأنه بمثابة "تبرئة لساحة المسؤولين عن التجاوزات التي تشهدها البلاد". وقالت "أفاز" إنَّ جارسيا تحدَّث فقط مع أفراد متعاطفين مع الأسرة الحاكمة في البحرين، وأنَّ انتهاكات حقوق الإنسان لا تزال مستمرة هناك".

استهداف النساء

كما ذكرت صحيفة "اندبندانت" أن قوات الأمن في البحرين تستهدف بشكل متزايد النساء في حملتها ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، على الرغم من رفع الأحكام العرفية في المملكة الخليجية. وقالت الصحيفة إن آيات القرمزي (20 عاماً)، وهي شاعرة وطالبة، اعتُقلت قبل شهرين بعد أن قرأت قصيدة في مسيرة مؤيدة للديمقراطية وستُحاكم أمام محكمة عسكرية، وسلّمت نفسها بعد أن هدد رجال ملثمون من الشرطة البحرينية بقتل أخوتها.

وأضافت أن آيات لم تُشاهد منذ اعتقالها مع أن والدتها تحدثت معها مرة واحدة عن طريق الهاتف وأبلغتها بأنها أُجبرت على التوقيع على اعتراف كاذب، وعلمت لاحقاً بأن ابنتها تم تحويلها إلى مشفى عسكري نتيجة تعرضها للتعذيب.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك دلائل على أن الشرطة البحرينية تعتقل وتسيء معاملة المزيد من النساء وتحتجز العديد منهن بمعزل عن العالم الخارجي، وتُجبرهن على توقيع اعترافات بعد تهديدهن بالاغتصاب، وفقاً لجماعات حقوق الإنسان البحرينية. بحسب يونايتد برس.

ونسبت إلى طبيبة بحرينية تعرضت للاعتقال وأُخلي سبيلها لاحقاً قولها إنها "تلقت تهديدات بالاغتصاب من قبل 14 شرطياً ابلغوها أنهم أحرار في أن يفعلوا بها ما يريدون بسبب قانون الطوارئ".

وقالت الصحيفة "ليس هناك بوادر على انفراج القمع على الرغم من رفع حالة الطوارئ في البحرين والتي كانت سلطاتها فرضتها في 15 آذار/ مارس الماضي، ولا يزال نحو 600 شخص محتجزين، كما تم طرد 2000 شخص آخرين من وظائفهم بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات".

وأضافت أن استهداف النساء على نطاق واسع من قبل قوات الأمن البحرينية "يهدف إلى منع الطائفة الشيعية من الفوز بالسلطة السياسية، والتي يشتكي قادتها من أن وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة لا تزال تضخ دعاية طائفية مناهضة للشيعة".

اشتباكات في احتفالات دينية

فيما قال شهود عيان ومعارضون بحرينيون إن قوَّات الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية وبنادق الصيد لتفريق المشاركين بتجمُّعات في عدة قرى شيعية بالقرب من العاصمة المنامة، الأمر الذي نجم عنه وقوع عدة إصابات بين المدنيين.

وأضافوا أن عناصر الشرطة اشتبكت مع المشاركين في التجمُّعات التي كان البعض منها عبارة عن مجرَّد احتفالات دينية بحتة، بينما جرى تنظيم البعض الآخر في إطار احتجاجات المعارضة ضد نظام الحكم، وذلك بعد أقل من أسبوع على رفع حالة الطوائ في الجزيرة.

وقال شهود عيان إن بعض المتظاهرين رفعوا شعارت مناهضة للحكومة وللملك حمد بن عيسى آل خليفة، حيث راحوا يطلقون هتافات من قبيل: يسقط يسقط حمد، والشعب يريد سقوط النظام.

من جانبه، قال سيِّد هادي، عضو جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة: نحن ندين هذا الهجوم، فهذا النوع من الاعتداء يجعل الوضع أسوأ. وأضاف: مثل هذه الاحتفال أمر عادي للغاية في البحرين، فقد دأبنا على إقامته لقرون. لقد قالت السلطات إنها لن تهاجم الفعاليات الدينية، لكن هذا ما فعلوه .

وذكرت وكالة رويترز للأنباء أن الشرطة أقامت نقاط تفتيش حيث أغلقت العديد من المناطق ذات الأغلبية الشيعية.

ونقلت الوكالة عن شهود عيان قولهم إن رائحة الغاز انتشرت في العديد من المناطق، بينما سُمعت صيحات المحتشدين تنطلق من الأماكن التي شهدت الأحداث. إلاَّ أن مسؤولا حكوميا نفى أن تكون البحرين قد شهدت اشتباكات على نطاق واسع.

وقال المسؤول البحريني، الذي رفض الكشف عن اسمه: في الواقع ليس هنالك من اشتباكات، بل كان هنالك بعض الخارجين عن القانون الذين سبَّبوا بعض المشاكل. إلاَّ أن تلك حالات قليلة متفرِّقة جرى إيقافها بشكل سريع.

وكانت مظاهرات مؤيدة للديمقراطية والإصلاح السياسي قد خرجت في البحرين في أعقاب رفع حالة الطوارئ في الجزيرة، وذلك على الرغم من تحذير وزارة العدل والشؤون الإسلامية من التظاهر.

فقد بثَّ ناشطون على شبكة الإنترنت قبل أيام مقاطع فيديو لمظاهرات قالوا إنها جرت في عدة قرى خارج العاصمة المنامة، وظهرت فيها قوات الأمن وهي نطلق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.

وكان الناشطون قد وجَّهوا دعوات عبر الإنترنت للتظاهر من أجل قلب المعادلة مع النظام والاحتلال السعودي ، وللتأكيد بأن الثورة لن تنتهي ، حسب تعبيراتهم. ودعا ناشطون عبر صفحة ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير إلى التظاهر بقوة في مختلف الميادين للتعبير عن انطلاقة حقيقية من شأنها قلب المعادلة مع النظام والاحتلال السعودي .

دعوة الملك الى الحوار

من جهتها رحبت جمعية الوفاق، الحركة الابرز في المعارضة الشيعية في البحرين، بالدعوة التي وجهها عاهل البلاد الشيخ حمد بن عيسى آل ثاني الى الحوار. وقالت الجمعية في بيان انها تعلن "ترحيبها بدعوة عاهل البلاد للحوار الوطني الجاد والشامل القائم على اساس التوافق الوطني، بما ينتج حلا دائما ويحقق التطلعات المشروعة والمطالب العادلة لكل شعب البحرين".

واكدت الوفاق في بيانها على "ضرورة ان يكون مشروع الحوار المرتقب استكمالا للحوار الذي كلف به سمو ولي العهد (الامير سلمان بن حمد ال خليفة) كما ورد في خطاب العاهل"، مشددة على "المبادئ التي سبق أن أعلنها سمو ولي العهد والتي نجح في إحراز التوافق الوطني بشأنها".

وقال الملك "نوجه السلطتين التنفيذية والتشريعية للدعوة لحوار للتوافق الوطني بشان الوضع الامثل لمملكة البحرين واتخاذ جميع الاجراءات اللازمة للتحضير لهذا الحوار الجاد والشامل ودون شروط مسبقة ليبدأ مع بداية شهر تموز/يوليو من هذا العام ليبادر الجميع بالاشتراك فيه بدورهم من خلال استشراف المستقبل واستخلاص المرئيات".

رحبت ايران بقرار البحرين رفع حالة الطوارىء، ووصفته بأنه "تقدم ايجابي"، لكنها كررت التأكيد ان الازمة لا يمكن ان تحل ما لم تغادر القوات الاجنبية هذه المملكة الخليجية الصغيرة. وقال وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي في تصريح نشرته وكالة الانباء الايرانية، "نعتبر رفع حالة الطوارىء تقدما ايجابيا، يتطابق مع مطالب شعب البحرين". واضاف ان "المشاكل التي تواجهها البحرين هي مشاكل داخلية يتعين حلها بطريقة داخلية بعد انسحاب القوات الاجنبية من هذا البلد". ودعا صالحي الى حوار بين "الشعب وحكومة البحرين، طبقا لمعالجة واقعية للحقوق المدنية". بحسب فرانس برس.

لكن العائلة المالكة اختارت ابقاء القوة الخليجية "درع الجزيرة" ارسلتهم البلدان المجاورة لدعم الحكومة. وتضم القوة المنتشرة في البحرين الف جندي سعودي و500 شرطي اماراتي. وادى هذا التدخل الى تدهور علاقات ايران مع البحرين وبلدان الخليج الاخرى، التي تتهم ايران بالتدخل في شؤونها الداخلية.

احترام القانون

الى ذلك دعا الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ولي عهد البحرين الى احترام القانون الدولي في مجال حقوق الانسان في مواجهة تظاهرات المعارضة، على ما اعلنت متحدثة باسمه. والتقى بان كي مون الامير سلمان بن حمد آل خليفة ووزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن احمد آل خليفة في مقر الامم المتحدة في نيويورك، بعد يومين على انهاء حال الطوارىء التي تم اعلانها في هذه المملكة الخليجية التي شهدت خلال الاشهر الماضية تظاهرات لمعارضين تم قمعها بالقوة.

وقالت المتحدثة فانينا مايستراتشي ان "الامين العام كرر نداءه الى ان تحترم الحكومة المعايير والقواعد الدولية في مجال حقوق الانسان، واشاد بالالتزام والضمانات التي قدمها ولي العهد في هذا الصدد".

والامير سلمان وهو ايضا نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة، يقوم بجولة دولية لتهدئة المخاوف حيال قمع التظاهرات. ومن المقرر ان يتوجه الى واشنطن خلال الايام المقبلة.

واشاد بان برفع حال الطوارىء وبدعوة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى ال خليفة الى حوار وطني. واضافت المتحدثة ان هذا الحوار يجب ان يكون "حقيقيا، معمقا ومفتوحا وان يستجيب للتطلعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشروعة لجميع البحرينيين".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/حزيران/2011 - 7/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م