مخاطر الحروب على حاضر ومستقبل البيئة

 

شبكة النبأ: للبيئة كما يذكر العلماء المعنيون، دورها الهام وأثرها الكبير في حاضر ومستقبل الانسان، ونظرا لأهمية البيئة فإن الله تعالى، جعلها ذات توازن واستقرار طبيعي متواصل، ما لم تمتد إليها يد الإنسان وتعبث بها، عند ذاك تكون البيئة المدمَّرة مصدرا كبيرا لمخاطر متنوعة ومتواصلة على الإنسان، لذا ينبغي أن يتجنب الانسان العبث بالطبيعة والإخلال بتوازنها.

لكن الدلائل تشير الى عدم تجنب الانسان، العبث بالطبيعة نتيجة لإطماعه ونزواته وبحثه المستمر عن السلطة، والقوة وما شابه، الامر الذي ملأ تأريخ الأرض بالحروب، وهي التي تشكل عنصرا دائما وقائما في تغيير البيئة نحو الأسوأ، وقد حاول المصلحون والمهتمون بأمر البيئة وضرورة محافظة الإنسان عليها، حاولوا أن ينبّهوا الجميع الى الخطورة القصوى التي ينطوي عليها العبث بالبيئة، ومنها مثلا الحروب الدولية بين الحكومات والدول.

فحين قصفت امريكا اليابان مدينتي هيروشيما وناكازاكي عام 1945 بالقنابل الذرية، كان لهذا العمل الحربي غير المسبوق أضراره الكارثية، على الانسان والبيئة معا، يقول الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: البيئة) بهذا الصدد: (لقد دلّت الإحصاءات في اليابان على أن نسبة المصابين بسرطان الدم من بين سكان هيروشيما وناكازاكي الذين نجوا من خطر القنابل الذرية، هي أعلى بكثير من نسبة المصابين بسرطان الدم من السكان الذين لم يتعرضوا أبداً للإشعاعات النووية).

لذلك يرى الإمام الشيرازي ضرورة أن يضع المجتمع الانساني، ضوابط وموانع قوية وغير قابلة للتجاوز لكي يقضي تماما على احتمالات قيام الحروب النووية، بسبب مخاطرها الهائلة بل الكارثية على البيئة والانسان معا، إذ يقول في هذا الصدد: (من أهم الضروريات العقلية والشرعية والعرفية أن تهتم البشرية جمعاء بإنهاء الحروب الذرية وصنع القنابل الذرية فإنها من أكبر ملوّثات البيئة والتي تمتد إلى أكثر من قرن، فقد أضافت الأسلحة النووية إلى الحروب أبعاداً جديدة تماماً).

ولا ينبغي أن يقتصر حذر المجتمع الدولي على الخشية من الحروب النووية، مع أنها الاكثر فتكا وتدميرا، لأن جميع أنواع الحروب تترك وراءها ملوثات كثيرة وقاتلة للانسان، وفي هذا الخصوص يذكر الإمام الشيرازي في كتاب البيئة الخطر الكبير لملوثات الحروب:

(فإنها تفسد البحار والأراضي والأجواء بالإضافة إلى قتلهـا الإنسان أو جرحـه وإعاقته، وإلى هدرها الهائل للطاقات والأموال والإمكانات. ثـم إنّ الحروب لها إمدادات حيث إنّ الألغام التي تزرع في الأراضي مـن جانبي الحرب تـــكون أيضاً هائلة التدمير والإفساد وهي ليست بشيء قليل. ففـي بولندا عثر سنة 1364هـ -1945م- على قرابة -15 مليون- لغم أرضي، وزهاء -74 مليون- قنبلة وقذيفة وقنبلة يدوية).

ولكي نعرف المخاطر الهائلة على البيئة والانسان، يستشرف الإمام الشيرازي مسقبل البشرية، في ظل شبح الحرب النووية القائم على الدوام، قائلا في كتابه نفسه:

(في أعقاب حرب نووية ضخمة ستغطي السحب السوداء مساحات كبيرة من الأرض ربما لأسابيع أو شهور عديدة إذ إنّ ضوء الشمس تحجبه سحب كبيرة وكثيفة من الدخان الناتج من الحرائق وستنخفض درجات الحرارة إلـى ما دون درجة التجميد فقد يحدث سقوط الأمطار في أقاليم كثيرة، وستؤثـر مثـل هذه التغييرات المناخية في الزراعة وفي النظم الرئيسية وفي الأعشاب والنظـم البحرية مع حدوث آثار عميقة الأثر في إنتاج الأغذية وشبكات توزيعها).

لهذا لابد للعالم الحر أن يتحرك بقوة، لوأد خطر الحروب بجميع أشكالها على البيئة والانسان، لاسيما الحرب النووية التي تقض مضجع الانسان على الدوام، فيؤكد الإمام الشيرازي في هذا المجال قائلا: ينبغي (على البلاد الحرة وشبـه الحرّة أن تهتم بهذا الأمر كثيراً في مختلف الأبعاد كمّاً وكيفاً بالتظاهـرات والإضـرابات لكي لا تحدث تجربة جديدة، وأن تُفنى كل القنابل الذرية وأن تبدل معاملها إلى معامل بناء دون الهدم).

إن الانسان حاله حال المخلوقات والكائنات الاخرى، عليه أن لا ينسى بأنه إبن الطبيعة، وهي حاضنته الام التي ترعرع فيها، ونما وتطور وانجز التقنيات الهائلة في ربوع الطبيعة السليمة، لهذا عليه أن يتذكر دائما بأنه إبنها، وأنه يحتاج الى بيئة نظيفة طبيعية، لكي يمكنه العيش بسلام ومحبة في ظل توازن طبيعي بين الانسان والبيئة التي يتحرك وينشط فيها، وفي هذا الصدد يؤكد الإمام الشيرازي بكتابه نفسه قائلا: (الإنسان بحاجة إلى ساعات يقضيها فـي الطبيعة بين الأشجار والزهور ومياه البحر والفراشات والغزلان ومـا أشبه ذلك، وإن التلوث الذي أصبح يهدد الطبيعية بجمالها سيحرم الإنسان من هذه المتعة التي لا غنى عنها في عالم مملوء بالصخب والضوضاء والمشكلات المعقدة).

 لذا علينا جميعا (أهل الأرض) أن نعمل بيد واحدة، وارادة واحدة، وفكر متلاقح، لمواصلة دعم الطبيعة والحفاظ عليها، من خلال كبح جماح أطماع الإنسان، والعمل معا على نبذ الحروب بأشكالها كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/حزيران/2011 - 6/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م