آيباد.. ايفون... أنماط استهلاكنا والحداثة المتوحشة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في بدايات القرن التاسع عشر وفي بريطانيا تحديدا ظهرت جماعة (محطمي الماكينات) التي وقفت ضد كل تقدم تكنولوجي وحاولت ان ترسخ لدى الناس كراهية كل جديد في هذا المجال.. ومع كل جديد نشهده اليوم تظهر الكثير من الاشكاليات على مستوى الخصائص المعنوية والاخلاقية لهذا الجديد وطرق نفاعل المجتمعات معه.

في الخمسينات ظهر التلفزيون كثورة جديدة في عالم التكنولوجيا ووسائل الاتصال، وظهرت معه الكثير من الاشكالات الاخلاقية ولا زالت بين المؤيدين والمعارضين لما يبث من خلاله.. وخاصة فيما يتعلق بقضايا العنف والجنس.

جانب اخر اجتماعي احدثه هذا التطور المتسارع في المنتجات التكنولوجية التي يظهر جديدها كل يوم وهو تعميق الفروق بين الاغنياء والفقراء.. فالتكنولوجيات الجديدة عادة ما تذهب الى حيث تتواجد الامكانات المالية.

في كتابه الصادر عام 2000 عن عالم المعرفة والذي حمل عنوان (ثورة الانفوميديا.. الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك؟) يطرح المؤلف (فرانك كيلش) هذا التساؤل: هل الوصول الى خدمات الانفوميديا حق مكتسب، ام هو امتياز قاصر على اولئك الذين بمقدورهم ان يتحملوا تكلفته؟ وهل تعد خدمات مثل الدفع لقاء المشاهدة او التسوق المنزلي حقا مكتسبا؟ وهل هي خدمة اساسية؟

تنبأ الكثيرون من الباحثين في مراكز الدراسات والبحوث ان المحرك الاقتصادي للاقتصاد العالمي الجديد سيكون مكونا من صناعات الانفوميديا وهي (الحوسبة والاتصالات والالكترونيات الاستهلاكية) وهذه الصناعات هي اكبر الصناعات العالمية الان واكثرها ديناميكية ونموا حيث يبلغ راسمالها اكثر من 4 تريليونات دولار.

يحتشد الاف الاشخاص أمام متاجر أبل في ساحلي الولايات المتحدة مع طرح كمبيوتر اي.باد 2 للبيع مما يظهر اقبالا كبيرا على الجهاز الذي يهيمن على سوق ناشئة هو الذي بدأها. ويبرز الاقبال مدى قوة الطلب على كمبيوتر أبل اللوحي بعد عام تقريبا من النجاح المدوي لنموذجه الاصلي والذي صنع وحده سوق الكمبيوتر اللوحي وكان مصدر الالهام بموجة من الاجهزة المماثلة لشركات من موتورولا الى ريسرش ان موشن.

وتنقل الصحافة الصينية خبر مراهق صيني باع كليته ليتمكن من شراء جهاز "أيباد 2" الذي عرض مؤخراً في الأسواق الصينية. ويأتي الحادث بعد تقارير أشارت إلى أن شباناً جامعيين في شانغهاي يبيعون حيواناتهم المنوية مقابل جمع المال لشراء أجهزة أيباد وايفون.

في وقت تقول دراسة اعدتها وكالة ميلوارد براون المتخصصة بالعلامات التجارية إن علامة أبل اصبحت اثمن علامة تجارية في العالم بعد ان تفوقت على غوغل التيتبوأت هذا المركز في السنوات الاربع الماضية.

وقيّمت الدراسة علامة أبل - العائدة للشركة التي تنتج الكمبيوترات اضافة الى هواتف آيفون الخليوية والواح آيباد - بـ 153 مليار دولار، وهي نصف قيمة الشركة في الاسواق.

وقال بيتر وولش، مدير العلامات التجارية الدولية لدى وكالة ميلوارد براون "إن أبل تكسر اصول اللعبة فيما يخص تحديد اسعار منتجاتها، فهي تتصرف كما يتصرف منتجو سلع الترف. ففي هذا القطاع، تزداد شهية المستهلك للسلعة كلما ارتفع سعرها."

انه النمط الاستهلاكي لمجتمعات مابعد الحداثة الذي اخذ بالتمدد الى مجتمعات لم تصل حتى الى الحداثة بمتطلباتها او تحققها على مستوى السياسة او الثقافة او الاجتماع.. والاستهلاك هو محور حياة البشر في مجتمعات مابعد الحداثة.. انه النواة المركزية لتاسيس المواقع والقناعات.

من حقك أن تمتلك، كما يذهب بودريار في كتابه المجتمع الاستهلاكي ـ دراسة في أساطير النظام الاستهلاكي وتراكيبه ولكن (انطلاقاً من اللحظة التي لا يعد فيها أرض للجميع). ومن حقك أن تعمل، ولكن (عندما يصبح العمل، في نطاق تقسيم العمل، سلعة قابلة للتبادل، أي عندما لا يعود ملكاً حقيقياً للأفراد). إذ ذاك، يتم تدمير البيئة تحت ضغط الوفرة، وتُحرق (احتياطات الإنسان ويُعرض شروط بقائه للخطر من خلال ممارسة لاعقلانية).

المهتمون بالبيئة يؤكدون وهم يرصدون ما يجري في مجالات استهلاك الإنسان، أساساً في أميركا والغرب واليابان، للمصادر الطبيعية أن الوضع الراهن تجاوز إمكانات تجديد تلك المصادر. فالاستهلاك الآن وفي أحسن التقديرات، تجاوز حدود الاحتمال البيئي والطبيعي بنسبة 2% إضافية. وهذا يعني أن الذين ولدوا خلال السنوات الخمس الماضية من أولادنا سيواجهون الانهيار في حياتهم.

وإذا استمر استهلاك المصادر الطبيعية بسبب الاستخراج غير العقلاني لعالمنا، وإذا استمر انبعاث ثاني أوكسيد الكربون وتزايده فضلاً عن ألوان التلوث الأخرى التي لا تقل خطورة فإن مصادر المياه العذبة والهواء النقي، والغابات، وثروات البحار والمحيطات إلى نضوب وخراب لا محالة. فعلى سبيل المثال يدل سجل صحة الكائنات الحية في الكوكب الأرضي الذي يضمنا انها نقصت منذ 1970 بمستوى 35%، كما نضبت مصادر المياه الطبيعية بنسبة 55%.

ويعطي تقرير فريق رصد البيئة (W.W.F.) الدولي نسبة إجمالية لما يجري في العالم: إن مساحة الأرض المنتجة والبحار (أي عدا المناطق المتجمدة والصحاري وأعالي البحار) تبلغ بليون هكتار (28 بليون دونم) فإذا قسمت على ثمانية بلايين من البشر يصبح نصيب كل فرد 1.8 هكتار ولكن في الواقع فإن نصيب أفريقيا وآسيا أقل من 1.4 هكتار للفرد عام 1999، وللفرد الأوروبي 5 هكتارات، والفرد الأميركي 9.6 هكتار.

في مجتمعات مابعد الحداثة يقول بودريار ايضا أن ما يجري إشباعه هو (حاجات نظام الإنتاج، وليست حاجات الإنسان الذي تبنى، على جهله، المنظومة كلها، على خلاف ما يعتقد).

مالذي يدفع مراهقا لبيع كليته لغرض الحصول على جهاز اي باد او غيره من سلع الكترونية؟ وما الذي يجعل الكثير من الشباب يسيرون في طريق الانحراف لاشباع رغبة بالتملك؟

انها فكرة السعادة كما يذهب بودريار في كتابه السابق ذكره (هي المرجعية المطلقة للمجتمع الاستهلاكي) أو (معادل الخلاص).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/حزيران/2011 - 5/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م