العراق ومحنة التجارب (مجهولة) المصدر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ما أن يقترب الصيف من العراقيين، حتى تتضاعف مشاكلهم اليومية مع الخدمات، ابتداء من شحة الكهرباء، والماء، والمدارس، والطرق، واكوام القمامة وغير ها، ثم تدعم هذه المشاكل اليومية المزعجة، طبيعة غبارية تقتل سنويا عشرات المصابين بالربو على سبيل المثال.

هذه الاوضاع جعلت البعض يفكر ويتأمل واقع المواطن العراقي ويتساءل مرارا: هل أصبح هذا البلد مختبرا كبيرا لنظرية الاشتراط التي اكتشفها ووضعها عالم النفس الروسي (إيفان بتروفيتش بافلوف/ 14 سبتمبر 1849- 27 فبراير 1936)، والسبب في الجنوح الى مثل هذا التفكير، تلك الخطوات المهدئة التي تتخذها جهات معلومة احيانا واخرى خفية، بين حين وآخر لكي تجس نبض الشعب ومنها مثلا، مبلغ الـ (15) ألف دينار الذي منحته الحكومة لكل فرد عراقي كتعويض عن النقص الحاصل في سلة البطاقة التموينية، وهو مبلغ بخس كما هو واضح، ويثير شفقة الآخرين على العراقي فعلا، وقد بدا واضحا أن الهدف من رصد هذا المبلغ البسيط يذهب الى جس نبض الشارع وردود فعله، كما أننا جميعا سمعنا بخطوة توزيع الوقود مجانا على اصحاب المولدات الكهربائية الاهلية (وهي خطوة تبدو جيدة في ظاهرها) لكنها تأتي أشبه بالجرعة المخدرة، أو الحل المؤقت الذي يدخل في باب (حلول جس النبض) التي تلجأ إليها الحكومات لكي تعرف مدى استجابة شعوبها لمثل هذه الخطوات، التي غالبا ما تكون ناقصة وغير مجدية، كونها لا تدخل في المعالجة الجوهرية لأصل المعاناة التي تتخلل حياة الناس عموما.

إننا حين نتأمل وضع المواطن العراقي، نتذكر فعلا (نظرية - الاشراط الكلاسيكي- وهو أحد المصطلحات المهمة في علم نفس فلسفة السلوك، الذي يصف عملية التعلم عن طريق ما يُعرف بالمثير والاستجابة. بعبارة أخرى تتم دراسة استجابة - رد فعل- الإنسان أو الحيوان على مثير ما وارتباط سلوكه بهذا المثير) كما ورد هذا المصطلح في موسوعة الـ وكيبيديا، لهذا ربما تحاول الجهات المعلومة والمجهولة جس نبض الشارع استنادا الى جانب من جوانب هذه النظرية، لكي تعرف درجة رد الفعل المتوقَّع.

بالمقابل يبدو أن العراقيين أو الغالبية العظمى منهم - وكنتيجة للاجهاد النفسي والعملي الذي يعاني منه بسبب سوء الاوضاع لعقود متتابعة- غير مبالين بما يبدر من الحكومة او غيرها، بخصوص الاجراءات التي تتعلق بصميم حياتهم اليومية، فمثلا ليست هناك رؤية شعبية واضحة للتعامل مع (المثيرات) التي تقدمها الحكومة للشعب، لا في مجال الرفض ولا في مال القبول أيضا، لهذا نكتشف ببساطة أن غالبية الناس لا تؤثر فيهم المثيرات سلبا أو ايجابا، إلا في حالات نادرة، وقد تكون ذات طابع فردي غير مؤثر، بمعنى اوضح ليس هناك رد فعل جماعي، يشكل تيارا جماعيا واضحا، نتيجة لهذا الاجراء الحكومي او ذاك، ومع ذلك تبقى عمليات جس النبض قائمة، من خلال الجرعات المهدئة التي تُزرَق في جسد الشعب بين حين وآخر، من هذا الطرف أو ذاك.

وبهذا قد يصح التشبيه المجازي في هذا الخصوص، حين نقول أن العراق تحوّل الى ما يشبه المختبر، حيث تتواصل التجارب المتعددة والمتنوعة على الشعب، في هذا المجال أو ذاك، وإلا ماذا تعني مثل هذه الاجراءات الجزئية التي تتهرب من المعالجات الاستراتيجية الناجعة؟ فبدلا من التخطيط السليم لصناعة كهربائية شاملة ومتطورة، وبدلا من انشاء شبكات المياه العملاقة لماء صالح يليق بالبشر، وبدلا من التخطيط لشبكة مواصلات وطرق حديثة تناسب حركة العصر، نلاحظ اللجوء الى سياسة العلاج الوقتي، وبث المثيرات، وجس النبض، وطرح المعالجات ذات الطابع التخديري، وهي كلها تصب في عملية استنزاف الاقتصاد، وقتل الجهد الحكومي والوطني، في مجال تطوير البنى التحتية أو غيرها.

إننا لا نريد أن نتهم جهة بعينها، فربما تقوم الحكومة بمثل هذه الاجراءات لمعالجة الضعف الوارد في الخدمات وغيرها، وربما تقف الجهات المعارضة وراء ذلك لاضعاف الحكومة، وربما هناك يد للاحتلال في ذلك، وقد تكون دول الجوار لها يد أيضا، لكننا نؤشر هذا الظاهرة وندعوا المعنيين لاتخاذ الاجراءات التي تحد من جعل العراق مختبرا لتجارب مجهولة المصدر!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/حزيران/2011 - 3/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م