لقد إنشأت المحكمة الجنائية الإتحادية لتكون مدافعاً أميناً ودرعاً
واقياً من أجل إحقاق الحق ومحاسبة الباطل, بالاضافة الى حماية حقوق
الإنسان العراقي من تعدي المجرمين وهي المهمة الأهم في عمل المحكمة.
ولم يأتي إنشاء هذه المحكمة من الفراغ بل على خلفية الظلم
والإضطهاد الذي لحق بالانسان العراقي من المادة 42 السيئة الصيت من
دستور النظام البائد، حيث كانت تُشرع القوانين دون سلطة رقابية، ولعل
أهم تلك التشريعات التعسفية هي قطع الاذان والايدي وجدع الأنوف ووشم
الجباه،الى آخره من أحكام قرقوش المعروفة والتي راح ضحيتها آلآف
العراقيين وهم لحد هذه اللحظة يأنون جراء تلك الأحكام الجائرة.
لقد شكلت المحكمة الجنائية الاتحادية العليا بموجب القانون رقم 1
لسنة 2003 لتمارس أهم اختصاص من اختصاصاتها وهو حماية الحقوق والحريات
وإرجاع الحق الى أهله هؤلاء الذين ذاقوا الأمرين من سياسات النظام
الساقط، وقد وقفت هذه المحكمة وقفات جليلة في الاقتصاص من رموز
الدكتاتورية والقتلة وأصدرت حكم الإعدام الشهير بحق الدكتاتور صدام،
وعلي الكيمياوي وطه الجزراوي، وبرزان التكريتي وغيرهم من القتلة
والسفاكين. ولعبت هذه المحكمة دوراً مهماً، وقد أقضَّت مضاجع البعثيين
وأرعبت المجرمين، فكانت كابوساً يلاحقهم كلَّما تذكروا أن الحق يطاردهم،
لذا كانت المهمة الأولى لدى هؤلاء هو العمل على إلغائها والتخلص من
الملاحقة.
ويبدو أن من ساعدهم على تحقيق هذه المهمة أولئك الذين أعمت السلطة
أبصارهم وبصائرهم, ولم يعد لدماء الشهداء ولا لأنين الضحايا الذَيَّن
أوصلهم ومنحهم المشروعية أي تأثير في نفوسهم, فجاء دور الالغاء لكي
تكون الطريق معبَّدة للقتلة من جديد, وهذه المرة بحجة المصالحة وتنفيذ
إتفاقيات أربيل، وكأن المصالحة لا تكون إلا إذا أنصفنا الجلادين
وتصالحنا مع القتلة.
نعم لقد الغيَّت المحكمة الاتحادية العليا وحلت هيئة اجتثاث البعث
وقتل علي اللامي لإرضاء البعثيين, من أجل العملية السياسية كما
يدَّعون. ولا ندري ماذا على المتواجدين في السلطة أن يقدموا من أجل
إرضاء البعثيين واستقامة العملية السياسية فهل تكفيهم هذه التنازلات أم
هناك المزيد. فسيأتي اليوم الذي يساقون به الى المشانق دون محاكمة،
وسيندمون على أفعالهم وتنازلاتهم ولكن ولات حين مندم.
لقد كان البعثيون في العام 2003 جرذان مذعورة تبحث عن جحور تختبأ
بها, واليوم هم من يفرضون مايريدون, ويرفعون أصواتهم عاليةً صارخين،
وكأنهم الضحايا والضحايا الحقيقيون هم الجلادين. فيعربدون و يزمجرون
ويلغون المحكمة الجنائية (والحبل على الجرار) ولكن لا أقول إلا ما قال
أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه (عجبت من تفرقكم عن حقكم وإجتماع
أصحاب معاوية على باطلهم) فهذا القول ينطبق تمام الانطباق على وضعنا
الحالي.
فالسؤال الذي لا يلقى إجابة إلا عند من اتخذ قرار الالغاء, هو:
لمصلحة منْ قرار إلغاء المحكمة الاتحادية؟ ولماذا الغيت ؟ فهل كانت
أحكامها خاطئة أو منحازة أم أنها كانت مصدر قلق للبعض.
ولماذا تتخذ القرارات دائماً في الغرف المظلمة ويفاجئ بها الشعب
العراقي؟ وهل أنجزت المحكمة أعمالها واقتصت من جميع من أساء للعراقيين؟
وهل يمكن اختزال جرائم النظام السابق بـ 12 قضية فقط تلك التي قدمت
للمحكمة, حتى يقال أن المحكمة أنجزت الاعمال التي كلفت بها؟ أسئلة
تحتاج الى إجابات. |