أقنعة الفيس بوك

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: هل للفيس بوك اقنعة؟ والفيس بوك بالعربية تعني وجه الكتاب او كتاب الوجوه.. اي انه يتعامل مع الوجوه فهل أصبحت الاقنعة وجوها بديلة للإنسان؟

أم أن القناع أصبح وجها والعكس صحيح أيضا... وما هي تلك الأقنعة التي اعنيها تحديدا في هذا العنوان؟

في احد بحوث الاجتماعي الفرنسي بيار بورديو تنبأ بأنه سيأتي يوم يظهر فيه كل إنسان على شاشة التلفزيون لمدة خمسة عشر دقيقة.. وهي رغبة من قبل هذا الإنسان وحاجة ضرورية من قبل التلفاز.

هل يذكرنا هذا الوقت التلفزيوني برواية باولو كويلو (إحدى عشرة دقيقة) المدة التي تستغرقها العملية الجنسية بين الرجل والمرأة والتي تختزن الرغبة واللذة والحب وجميع المشاعر الإنسانية؟

الرغبة والحاجة التلفازية كل تكمل الآخر في عملية التواصل الحديث بين المرسل والمتلقي.. وهي إحدى متطلبات الزمن الضاغط ومحاولة ملئ الفراغات الزمنية الممتدة على مدار أربع وعشرين ساعة.

الرغبة في الظهور عند المتلقي تستبطن فيما تستبطن في لاوعيه (تجميد اللحظة الراهنة) أو إيقاف الزمن عبر الإمساك بلحظة عابرة.

من سيلعب في نهائي كاس الاتحاد الأوربي؟ برشلونة وما نشستر يونايتد، يعاد طرح السؤال بصيغة أخرى: من فاز في المباراة النهائية؟

لحظتان بين: حاضر ومستقبل عند التساؤل الأول.. وحاضر وماضي عند التساؤل الثاني.. الفائز هو من يكتب اسمه في سجل الخلود.

وجه آخر مما تكتنزه الأسئلة وتستبطنه من أجوبة ودلالات رمزية أخرى تفيدنا في اقتفاء اثر تلك الأقنعة التي عنينا، ووجودها في هذا العالم الافتراضي، جميع المهتمين باللعبة لديهم أمنيات ومخاوف.. لاعبوا الفريقين، مشجعو كل فريق، يملكون بالتساوي أمنيات بفوز فريقهم، وفي نفس الوقت مخاوف من خسارته... اجتمعت حالتان في وقت واحد: الأمنية والخوف.

الأمنية تتعلق بشيء في المجهول نتمنى تحققه، والخوف ايضا يتعلق بالمجهول ونخشى وقوعه... لماذا هذا المثل تحديدا؟ لأنه الأقرب الى الواقع المعاش ولأننا نستطيع تلمس مفاعيله اللحظة والآن.

مثل آخر.. الانسحاب الأمريكي من العراق بعد شهور.. سجالات اللحظة الراهنة حوله بعد شهور ستختزن ماضيا وحاضرا في المستقبل.. بعد لحظة زمنية معينة ستأتي في المستقبل القادم.. وقل مثل ذلك عن مصر حسني مبارك ومصر ميدان التحرير..وأمثلة كثيرة أخرى.

وأنا اكتب هذه السطور الآن تعرفت على صفحتين جديدتين في الفيس بوك العراقي... صفحتان يختلفان في الشعار والمضمون واحد.. معارضة الحكومة الحالية وتحديدا رئيس وزرائها نوري المالكي.. الدوافع طائفية.. انه التحدي.. تحدي الحكومة عبر نشر ما تقول الصفحتان انها وثائق صحيحة المصدر والمحتوى... هذا التحدي مجاله الفضاء السياسي.

تحدي من نوع آخر تستبطنه صفحات شخصية أخرى... انه تحد مجاله الفضاء الاجتماعي والثقافي كمعتقدات وقيم اخلاقية تعارف عليها المجتمع.

اللغة أحيانا واضحة المقاصد والمرامي (رغبة في التعارف، رغبة في الجنس، رغبة في الصداقة تقود الى الاثنين، رغبة في الظهور) توصيف اللغة، الجرأة، جرأة لم تكن معهودة قبل سنوات فالتواصل مباشر وعياني والوجوه والهويات معروفة.. قد يؤدي الهاتف الأرضي بعض متطلبات التخفي الا انه لم يكن قناعا مثاليا في ذلك الوقت.. هذه الجرأة تمتد الى توصيف الرغبات بصفاتها المتعارف عليها وياسمائها المبتذلة وهي رغبات تحاكي ما لدى الاخرين من مثلها.

اعود الى حصر تلك الأقنعة واسميها

قناع الرغبة

قناع الخوف

قناع التحدي

فيما يتعلق بالقناع الأول نتساءل ما هي الرغبة؟

(إنها حاجة نفسية تبحث عن الإشباع عبر طرق متعددة، في الفلسفة الكلاسيكية اعتبرت الرغبة مشكلة بسبب طبيعتها المتناقضة..لأنها في جميع أحوالها تكون ملتبسة..في بحثنا عن موضوع نعرف او نتصور انه مصدر إشباع.. لهذا تكون مصحوبة بإحساس الفقد والحرمان).

في الفكر الفلسفي المعاصر الرغبة قيمة إيجابية. فهي من حيث كونها قوة إثبات إذن فهي تعبر عن ماهية الانسان ذاته. 

التحليل النفسي وقف من الرغبة على الشكل التالي:

 الرغبة موضوعها استيهامي غير واقعي يتحدد بالغياب... إنتاجها إنتاج إستيهامي، التعويض للواقع يمر عبر الخيال الحاجة تستند الى الرغبة وليس الرغبة تستند الى الحاجة... إنتاج الرغبة مرتبط بالمجتمع.

 الرغبة وحسب هذا التحليل ترتبط بالخيال والحاجة والمجتمع.

في هذا القناع، قناع الرغبة، تمتد مساحة واسعة من: الرغبة في الظهور، والرغبة في التحدي والخوف المستمر من ضياع موضوع الرغبة وهو ما سميناه بالفقد والحرمان.

في قناع الخوف نسال : هل هناك ما يخيفنا حقيقة ام ان كثيرا من المخاوف هي من صنعنا؟ وهل ستكون الأقنعة التي نواجه الآخرين بها هي للتغلب على هذه المخاوف ونسيانها؟

في صفحات الفيس بوك تتعد مسارب الهروب من الخوف... اشهر تلك المسارب هو الأسماء المستعارة.. وقليلا ما نجد اسماء حقيقية لأصحاب الصفحات اذا كانت معلوماتها صريحة ومباشرة وتشتمل على الرغبة في التعارف والجنس.. وقد تكون الصورة حقيقية جدا وهي لتلك الحقيقة التي تحملها تقترب من حدود الخيال الذي لا يمكن تصديقه بسهولة، فالصورة هوية، والمعلومات صريحة ومباشرة.

قناع الخوف يرتديه بعض الشخصيات التي تخاف من محيطها الاجتماعي (الأهل - الأقارب -الأصدقاء) انه يتيح حرية الكلام والتعارف مع الآخرين دون الاحساس بمشاعر متناقضة تترتب على النشأة في محيط عائلي واسري معروف.. وهو قناع أحيانا يعبر عن مشاعر الخجل من التحدث مع الغرباء.

قناع الخوف يرتديه من يتصور انه محاط بالأعداء وان الآخرين يترصدون خطواته للانقضاض عليه (صفحات المعارضين للحكومة وتوجهاتها وللواقع السياسي وأتحدث هنا عن الفيس بوك العراقي تحديدا). لكن المقارنة فيما ينشر على صفحات الفيس بوك يؤشر لمفارقة مضحكة بالمقارنة مع ما ينشر في الصحف اليومية ولا تدري من يأخذ ممن.. الأسباب لارتداء قناع الخوف في تلك الصفحات خوف مما يصنعه اصحاب الصفحات لأنفسهم وليس خوفا حقيقيا.

قناع التحدي يختزن تلك الأقنعة جميعها.. فهو قناع بمواجهة الثقافة السائدة.. وبمواجهة القيم الاجتماعية المتعارف عليها.. وبمواجهة الاختلافات بين الاجيال القادرة على استخدام الفيس بوك مع غير القادرة على ذلك..وهو قناع يمتاز بالجرأة واحيانا بالوقاحة..

تلك ثلاثة اقنعة آمل ان اكتب عن غيرها في موضوعات قادمة، فالفيس بوك ومضامينه الاجتماعية والثقافية ارض خصبة للكثير من الكتابات والبحوث.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/آيار/2011 - 26/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م