يبدو أن كلاً من العراق والكويت لا يدركان الحقيقة الجغرافية الهامة
التي يعيشانها وهي أنهما دولتان جارتان مهما تغيرت الحكومات والأنظمة
ومهما حاول البعض أن يلعب على وتر الوطنية في كلا الجانبين لمصالح
ومكاسب سياسية.
وأزمة الميناء التي نشأت وتفاعلت قضيتها في أروقة مجلس النواب
والأوساط السياسية والإعلامية قد تتفاقم إذا لم يكن هناك حل جذري يرضي
الطرفين وينتزع فتيل أزمة ليست في مصلحة العراق أو الكويت في شيء.
فالكويت تزعم بأن إنشاء ميناء مبارك في خور عبد الله لا يتعارض مع
قرار الأمم المتحدة 833 القاضي باحترام كلا البلدين لترسيم الحدود
والالتزام بحرية الملاحة البحرية من دون أية إعاقة. في حين أن وجهة
النظر العراقية تقول أن ميناء مبارك يمتد ليصل إلى المياه الإقليمية
العراقية وهو بالتالي يعيق حركة الملاحة البحرية المتجهة لميناء الفاو
الذي يعتزم إنشاءه.
ويعزو المسؤولون العراقيون تأخرهم في إنشاء هذا الميناء إلى أعمال
التنظيف والتمهيد البحري التي صرفت عليها أموال طائلة ليكون الممر
البحري المؤدي إلى خور عبد الله صالحاً للملاحة.
وبين شد وجذب ولجان من هنا وهناك يبقى الوضع مرشحاً لمزيد من
التصعيد خاصة وأن جهات عديدة بدأت تتدخل وتلقي بثقلها السياسي في
الموضوع.
لكننا هنا لسنا بصدد التعليق على هذا الحدث وحسب بقدر ما نجد أنفسنا
ملزمين بإيجاد مخرج مناسب لهذه الأزمة. وبالنظر إلى لب وجوهر المسألة
نرى أن المنفعة الاقتصادية لإقامة ميناء بحري كبير في هذه المنطقة هو
الذي يجعل كل دولة مصرة على تبنيها لهذا المشروع.
وبالتالي فإن الحل المطروح يجب أن يأخذ بالحسبان العوائد المالية
التي سوف يجنيها كل بلد في حال تمكنه من إنجاز هذا المشروع.
وهنا أجد أن النظر من هذه الزاوية فقط يظلم هذا المشروع ويحجمه.
فالمساحة الجغرافية الضيقة التي ينوي كل من العراق والكويت إنشاء
موانئهما عليها لا تكفي لمينائين اثنين (ملاحياً على الأقل). لكن إذا
فكرنا أن يكون هذا المشروع مشتركاً بين كلا البلدين فإن الفوائد
المترتبة سوف تكون أعظم وأكبر. فبإمكان العراق والكويت تأسيس شركة
موانىء مشتركة بتمويل عراقي كويتي تمول بناء هذا الميناء وتشرف على
إدارته وجني عوائده بالتساوي.
وبالتالي فإن كلفة هذا المشروع سوف تكون أقل بالنسبة لكلا البلدين
وسوف يكون بالإمكان توسيع المساحة وبالتالي زيادة القدرة الاستيعابية
لهذا الميناء وجني عوائد وأرباح أكبر.
كما ينعكس هذا المشروع مستقبلاً على طبيعة العلاقة بين كلا البلدين
ويؤسس لصناديق استثمارية أخرى بين العراق والكويت تقوم بتنفيذ مشاريع
استثمارية مربحة.
وحقيقة الأمر أن هذا النوع من المشاريع ليس بجديد ، فالعراق كان قد
ساهم سابقاً بإنشاء شركة الجسر العربي للملاحة البحرية مع كل من الأردن
ومصر. لذا فإن إنشاء هذا الميناء سوف يعزز من العمل العربي المشترك
وسوف ينعكس بالإيجاب على شعوب المنطقة والعالم برمته. فمنطقة الخليج
العربي تعتبر ممراً مهماً ومركزياً في نقل البضائع.
هذا بالإضافة إلى الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها هذه
المنطقة والتي تجعلها محط أنظار العديد من الشركات الباحثة عن فرص
استثمارية في المستقبل.
إننا نأمل أن يتم مناقشة هذا المشروع بالشكل الذي يخدم كلا البلدين
وليست من وجهة نظر بلد بمعزل عن الآخر. فالعراق والكويت كانا ضحية
لأصحاب المصالح الآنية على الرغم من أنهما جاران أبديان. وهذا يقتضي أن
نبحث جميعاً عن المشاريع التي تجمع ونبتعد عن أسباب الخلاف والفرقة.
sadekalrikaby@gmail.com |