التعبير البليغ في "ليس لدينا شيعة"

ياسر الحراق الحسني

لقد صدر عن وزير الخارجية المغربي المحترم الطيب الفاسي الفهري تصريح للصحافة ظاهره نفي لوجود المسلمين الشيعة في المغرب. وذلك خلال زيارته لأبوظبي يوم الأحد 15 ماي 2011 للتباحث في الدعوة الخليجية الموجهة للمغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، حيث أجاب على سؤال حول العلاقات مع إيران فأفاد بما يلي: " قطعنا العلاقات مع إيران منذ سنتين تقريبا بعد محاولاتها للتدخل في شؤوننا، فالمغرب بلد موحد دينيا وشعبيا، وليس لدينا شيعة".

فانهالت الردود على الوزير المحترم من كل حدب وصوب فيها من رد عليه بتكذيب الإدعاء عبر نشر وثائق لشخصيات شيعية مغربية معاصرة، وفيها من رأى في تصريحه مداهنة للأسر الغنية الحاكمة في الخليج، ومنها من أدخل تصريحه بنفي الوجود الشيعي مدخل الكلام العنصري في محاولة فاشلة لممارسة التمييز الإيجابي الذي يمارس لصالح الأقليات في الدول المتقدمة ولكن بشكل مقلوب. أنا هنا اتحرك مع تصريح الوزير المحترم لا من باب التكذيب بل من باب التصديق على أساس الاطمئنان لمستوى وزيرنا اللغوي الذي ما من شك أنه راق ويتطلب قراءة راقية لأنه لا يعقل أن يكون وزير القرويين جاهلاً بلغته وبحقائق بلاده معاً.

على ضوء المجاز المرسل

إن عبارة الوزير المحترم "ليس لدينا شيعة" قد تكون جداً مفيدة ومعبرة عن الواقع إذا ما قرأناها كتعبير بليغ. والذي يوحي بمعاملة هذه العبارة من منطلق بلاغي هو الإيمان بأن وزيراً محترماً لوزارة مهمة كالخارجية في المغرب يستحيل أن لا يعرف أن شيعة بلاده أكثر بكثير من يهودييها وأن التشيع في بلاده متداخل إلى حد كبير مع الثقافة والهوية والمقدسات.

 نعم، يستحيل أن يكون الوزير لا يعرف أنه في مارس 2009 تم إستنطاق الآلاف من الشيعة في المغرب من المجاهرين دون المخافتين من طرف مختلف الأجهزة الأمنية. ويستحيل أن لا يكون الوزير وهو الفاسي شخصاً لم يطأ عتبة ضريح مولاي إدريس بن عبد الله الشيعي قرابة فاس، والتي على بابها مكتوب كما في كتب التاريخ أنه مؤسس الدولة الإدريسية في المغرب وقتل غيلةً بالسم من طرف هارون العباسي صديق "الإمام" مالك.

 يستحيل هذا وأكثر من هذا.. وعليه فلا بد لنا من اللجوء إلى المجاز اللغوي لتوضيح الحقيقة مع الحسن بالظن على أنها هي المراد من التعبير. الحقيقة إذن في قول "ليس لدينا شيعة" -يعني في المغرب- هي أنه ليس لدينا مشكلة مع الشيعة في المغرب. يقول أحد الشعراء :

بلادي وإن جارت علي عزيزة *** وقومي وإن ظنوا بي كرام

فترى الشاعر هنا يستعمل المجاز المرسل في كلمة "بلادي" قاصداً من يوجد فيها من أفراد. فالبلاد كبلاد لا تجور ولكن من فيها من أفراد يجورون. وهذا مجاز مرسل علاقته محلية لذكر المحل وقصد الموجود فيه. فلا يستبعد أن يكون الوزير في قوله " ليس لدينا شيعة" هو كذلك قام بذكر الشيعة وقصد المشكل على إعتبار الأجواء السائدة في غالبية الدول الناطقة بالعربية، والتي لا ترى في التشيع إلا مشكلاً. فإذا كان التشيع محلاً للمشاكل كما يروج في الأذهان فتكون هذه القراءة واردة.

هذه القراءة هي لازمة من أجل تنزيه الوزير المحترم عن دونية المستوى وإعادة الإعتبار إلى مواطنين كاملي المواطنة ممن بنوا ولا زالوا يبنوا بسواعدهم هذا الوطن العزيز والمتنوع. فلا أحد يمكن أن يجرد مواطنين ومواطنات كبار وصغار من انتمائهم المغربي فقط لأنهم شيعة. هذا ضرب من الإستخفاف بالنفس قبل الإستخفاف بالآخر. فلا يليق بمن يحترم نفسه أن يدلي بتصريحات الإعدام الجماعي للوعي الشيعي في المغرب، هذا البلد الذي يسير على درب الخروج من مأزق التاريخ المتناقض إلى ساحات عصر العدالة والمساواة.

مغرب نخاف أن يغتاله سم العباسيين في القرن الواحد والعشرين، لكن هذه المرة بالبترول المسموم عوض العطر المسموم.. وحتى إذا كان ذلك قدراً فلا يتخذن الوزير المحترم دور سليمان بن جرير الشماخ وليكن الآمر والمأمور من قريش، لأن المغرب لا ينسى قاتليه أبداً.

ليس لدينا مشكلةً مع الشيعة في المغرب تبقى هي حقيقة ما وراء تصريح الوزير الفاسي الفهري في قوله "ليس لدينا شيعة". وإذا كانت هذه الحقيقة هي المعنى الذي أراده فهو تعبير بليغ يستحق التحية ويذكرنا بخريجي القرويين الذين كان الاستعمار الفرنسي يخاف منهم كخوف بعض المشايخ من النقاش. أما ما لا أريد أن أدخل في تفاصيله هو إحتمال أن يكون الوزير فعلاً قصد العبارة على حرفها...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 30/آيار/2011 - 26/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م