الحرب في ليبيا... معارك منزوعة الشرف

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مع الانهيار التدريجي لنظام معمر القذافي، وانكشاف المدن الليبية وأحوالها للمجتمع الدولي بعد عقود من التعتيم الإعلامي والثقافي الذي كانت تضربه سلطة العقيد حتى وقت قريب، تجلت الكثير بعض الحقائق التي تكتنف المجتمعات في تلك الدولة التي لا تزال تخوض حربا ضروسا لاستعادة حريتها.

وأسوة ببعض نظيراتها من الدول العربية التي اجتاحتها رياح التغيير، برزت الكثير من القضايا الشائكة والمتداخلة لطبيعة الليبيين والتقاطعات الأيدلوجية والسياسية المهيمنة على تطلعاتهم، لتكشف إسقاطاتها العقلية الجماعية وطبيعة الرأي العام السائد هناك.

فيما أفرزت ولا تزال المعارك الدائرة في الوقت ذاته العديد من الإشكاليات المؤثرة، وعلامات فارقة ستبقى حاضرة في المشهد الليبي أيضا على مدى المستقبل البعيد، سيما بعد أن ارتكبت العديد من الجرائم المقززة على يد كتائب القذافي في المناطق التي طاولتها براثن قبضتهم.

بنغازي تتحسر على حالها

فوسط ازقة ضيقة تتناثر فيها القمامة وبين مبان مشيدة من كتل اسمنتية تقع روائع معمارية ايطالية أو عثمانية تعطي لمحة عن تاريخ مدينة بنغازي. وترمز المباني المتهالكة في المدينة الليبية الشرقية للاهمال الذي يقول سكان المدينة انهم عانوا منه في ظل حكم العقيد معمر القذافي الذي انهت احتجاجات حاشدة وانتفاضة مسلحة في فبراير شباط سيطرته على شرق البلاد. والان بعد ان زالت قبضته بوسع بنغازي ان تشكو صراحة مما اصابها من ضرر وعزلة خلال 41 عاما من حكم القذافي.

قال عبد الله حاسي (43 عاما) "كان هناك سوق تركي بديع هنا. اتذكر حين تم اجلاء اصحاب المتاجر بالقوة بعضهم تحت تهديد السلاح قبل هدمه في الثمانينات."

يطل منزل حاسي على ميدان ببنغازي كان يمكن أن يكون بالغ الروعة. بأحد جوانب الميدان مبنى للحكم المحلي كان مستخدما قبل اطاحة القذافي بالملك ادريس السنوسي في انقلاب في عام 1969.

ويبدو المبنى الذي تزينه نقوشات ايطالية وتركية ويضم برجا تتوسطه ساعة ايلا للسقوط وتنتشر بداخله القمامة وكتابات على الجدران وتفوح منه رائحة كريهة.

وتعرضت المدينة التي كانت تحفل باسواق جميلة ومبان ذات طابع ايطالي وفيلات على الطراز التركي لقصف مكثف من جانب قوات الحلفاء ابان الحرب العالمية الثانية. ولم تكن أربعة عقود من حكم القذافي الاشبه بالنظام الاشتراكي رفيقة بها ايضا.

وبنغازي في معظمها حاليا عبارة عن مبان بسيطة من الاسمنت المسلح ومساحات من الارض الجرداء. والمباني القليلة المبهرة نسبيا مثل الفنادق ملك شركات تخص القذافي او المحيطين به.

وقال حسن جودة (20 عاما) مشيرا لجامع اصفر اللون على الجانب الاخر من الميدان "المصلون الذين يرتادون المسجد العثماني هم من رمموه وليس القذافي. المباني الوحيدة التي اهتم بها القذافي تلك التي تخصه."

وحظيت طرابلس في الغرب الليبي باهتمام أكبر من جانب القذافي وتحولت سرت مسقط راسه من قرية عادية بلا معالم تميزها الى مدينة مصغرة تضم مؤسسات حكومية وأضحت واجهة لحكمه. بحسب رويترز.

وبعيدا عن الميدان ممرات ذات اعمدة تصطف على جانبيها المتاجر وتعلوها نوافذ تحطم زجاجها وشرفات على الطراز الايطالي تشوهت اسوارها المعدنية.

وتطل على ساحل المدينة كاتدرائية كاثوليكية تعلوها قبتان وفي جناح ملاصق تقبع تماثيل داخل صناديق شحن اقرب للتوابيت ولوحات حجرية تصور المسيح في صناديق مفتوحة تفترش الارض. واختفت نوافذ الجناح منذ فترة والباب بدون قفل لتترك الاعمال الفنية نهبا للمارة وعوامل اخرى.

شيدت الكاتدرائية في الثلاثينات ابان الاحتلال الايطالي وهي مهجورة منذ عقود بعدما تضررت من الداخل جراء حريق.

ومن بين صدوع النوافذ القذرة المهشمة تتسرب أشعة الشمس لتسقط على الجدران الداخلية للكاتدرائية وقد علاها السواد ولتلقي الضوء على ذرات الغبار المتطايرة. أما الارضية فعبارة عن بحر من ريش الطيور وفضلاتها.

وقال والي صالح رئيس مجلس الحفاظ على المباني القديمة وترميمها في بنغازي ان اللوحات والتماثيل رفعت وحفظت في صناديق بعد الحريق.

وذكر انه تولى منصبه في ابريل نيسان من العام الماضي قبل الانتفاضة في اطار مساعي الحكومة اللبيية لوقف الانهيار المعماري في بنغازي. وأضاف أن دماء أكثر شبابا بدأت تتدفق في ادارة القذافي وانها بدأت تهتم بالمباني العتيقة من منطلق تاريخي وسياحي.

ومع توليه منصبه منع هدم المباني القديمة واجرى مسحا رصد وجود 173 مبنى قديما يحتاج للحماية في بنغازي.

وثمة دلائل تشير لبعض اعمال الترميم غير المكتملة اذ تحيط سقالات بمبنى الحكومة المحلية في بنغازي واجزاء من الكاتدرائية. ويقول صالح ان اعمال الترميم تعطلت بسبب مشاكل بيروقراطية مع طرابلس ونقص التمويل.

وفيما يكافح قادة المعارضة الجدد في بنغازي للحصول على اموال من المستبعد اجراء المزيد من اعمال الترميم في وقت قريب ولكن صالح متفائل.

وقال "ثمة تغيير في اسلوب التفكير. حين اتحدث للمسؤولين الجدد يبدون جميعا حبا لهذه المدينة ويأسفون لما حل بها." وأضاف "يبدون حريصين حقا على الحفاظ على بنغازي وربط مستقبلها الجديد بماضيها."

اغتصاب الفتيات

من جانب آخر لم تبد عليه مشاعر من أي نوع، عندما كان ذلك الجندي الليبي الشاب يروي كيفية اغتصاب أفراد وحدته أربع أخوات أصغرهن في السادسة عشرة، حدث ذلك عندما اقتحم الجنود منزلا في ميناء مصراتة المحاصرة، يروي الجندي، وليد أبوبكر (17 عاما)، لقد «امر قائدي ثلاثة منا بالصعود الى سقف المنزل والمراقبة، في الوقت الذي احكم فيه الجنود وثاق الأب والأم وأخذوا الفتيات الى الغرف الأخرى لاغتصابهن»، ويضيف ابوبكر «بدأ الضباط الثلاثة باغتصاب الفتيات، ثم سمحوا للجنود الآخرين بأخذ دورهم». ابوبكر، الذي لايزال يرتدي زيه العسكري، بعد استسلامه قبل 12 يوما للثوار يقول «كانوا يشغلون موسيقى، وأمروني بالنزول واغتصاب واحدة من الفتيات».

ويدعي هذا الجندي الشاب القادم من مدينة تراغين الواقعة في المنطقة الجنوبية من البلاد، أنهم جعلوه يدخن الحشيش، وأنه غير مسؤول عما حدث، ويؤكد أن فتاته قد تعرضت من قبل لاغتصاب جماعي، وكانت تقول بصوت خفيض «الله موجود ويراكم».

ويعتقد ابوبكر أنه ضحية وليس جلادا، ويروي كيف انه اصبح العائل الوحيد لأسرته بعد أن هجر والده والدته المريضة وإخوته الصغار، وأنه انضم للجيش بعد ان وعده قادته بمكافأة قدرها 200 الف دينار (100 الف يورو)، بعد انتصار القذافي على الثوار، ولكنه لم يتلق سوى تدريب لمدة اسبوع في معسكر اليرموك في العاصمة طرابلس قبل إرساله الى مصراتة جزءاً من ميليشيات تابعة للواء خميس، المسمى على اسم أصغر أبناء القذافي، وكانت مهمتهم في غاية البساطة وتتمثل في عبارة «اقتلوا». ويقول ابوبكر ان الجنود بعد الانتهاء من اغتصاب الفتيات سرقوا مبلغ 12 الف دينار ومجوهرات من المنزل لكنه لم يتلق فلسا واحدا منها.

وعندما بدأت قوات الثوار تطبق على شارع المطار، أرسل الضباط العائلة الى زيلتن وهي اقرب المدن التي تسيطر عليها كتائب القذافي، وغادروا المكان وأمروا ابوبكر وثمانية جنود اخرين بحراسة المنزل ولم يعودوا ابدا. ويقول ابو بكر ان الثوار حاصروهم وأجبروهم على الاستسلام.

وفي الوقت الحالي يحتجز الثوار ابوبكر في مدرسة في مصراتة مع جنود اخرين تابعين لكتائب القذافي، إلى حين النظر في امرهم، ويدعي ابوبكر انه قرر الافصاح عن حادثة الاغتصاب بعد استشارته فقيهاً اسلاميً.

ويقول المسؤولون في مصراتة، إن هذا العمل - عديم الرحمة - الذي اقترفه ابوبكر ووحدته يتكرر كثيرا في هذه المدينة، ويدعون أن جنود القذافي متهمون بالتورط في كثير من مثل هذه الممارسات، التي انعكست على تدميرهم المنازل والمباني الحكومية، ولا تخرج مثل هذه القصص المرعبة وغيرها لدائرة العلن، إلا بعد فرار كتائب القذافي خارج حدود المدينة.

وفي حوادث اخرى مماثلة، اكتشف الأطباء في مستشفى الحكمة ان بعض جنود القذافي التقطوا صورا لحوادث اغتصاب بهواتفهم النقالة، وفي تلك الصور اجبروا الفتيات الضحايا للتعريف بأنفسهن امام الكاميرا وإظهار وجوههن قبل اغتصابهن، واكتشف الأطباء ذلك من خلال عثورهم على الهواتف الخاصة بالجنود الجرحى، أو الموتى المنقولين الى المستشفى.

إحدى تلك الصور تظهر عدداً من جنود القذافي يقتحمون أحد الأبواب ويدخلون منزلا، ويرتسم الرعب على وجوه اصحاب المنزل الذي تسكنه عائلة مكونة من الأب والأم وخمس بنات تراوح أعمارهن بين خمسة و20 عاما، وابن يبلغ من العمر نحو سبع سنوات، كان الجنود يصرخون ويلوحون بأسلحتهم، ويمزقون ملابس الفتيات الأربع أمام عائلتهن ويأخذونهن الى غرف المنازل لاغتصابهن، ويعلو صراخ الفتيات ويسألن الله الرحمة، ويرد عليهن احد الجنود «القذافي هو ربنا»، وتم اكتشاف تلك الصور مع احد الجنود الموالين للقذافي.

ممرضة فلبينية تقول ان صديقاتها هربن إلى تونس، بعد أن تعرضت بناتهن الأربع وابنهن للاغتصاب بشكل متكرر بعد حصار جنود القذافي لشقتهم في شارع طرابلس بمدينة مصراتة، وهو المكان الذي شهد اشرس المعارك في البلاد.

هذه القصص التي يرويها سكان المدينة، تعكس ما تعرضت له المحامية الليبية ايمان العبيدي، التي اقتحمت فندق طرابلس في مارس الماضي، لتروي للصحافيين هناك تعرضها للاغتصاب الجماعي على يد قوات القذافي.

وروعت المدينة بحوادث الاغتصاب تلك بيد ان شباب الثورة صبوا بلسما شافيا على جروح الضحايا عندما عرضوا عليهن الزواج، إذ تشعر الفتاة الضحية بالمهانة في هذا المجتمع التقليدي. ويقول طبيب الاطفال اسماعيل فورتيا، الذي قدر عدد النساء المغتصبات بـ،1000 إن «شباب الثورة يشعرون بالذنب لأنهم لم يصلوا في الوقت المناسب، لإنقاذ الضحايا من براثن جنود القذافي».

لم تتقدم أي من الضحايا بشكوى ضد ما حدث، لأن المجتمع يعتبر المغتصبة غير مناسبة للزواج، إذا كانت فتاة وعاراً على الأسرة إذا كانت متزوجة، ولهذا السبب قرر الأطباء البشريون والنفسانيون في مصراتة مساعدة الضحايا، إذ يفحصونهن في البداية للتأكد من عدم اصابتهن بالأمراض المنقولة جنسيا ويساعدونهن على الإجهاض، إذا رغبن في ذلك. وتتمثل مخاوفهم في أن هذا النوع من الضحايا يكون اكثر عرضة للانتحار ما لم يتم علاجه، إذ إن ضحية الاغتصاب تفضل الموت على العيش مع ذكريات هذه الحوادث الأليمة.

يقول دكتور مصطفى شغنامي إن «صور اغتصابهن تدور في خيالهن، مثل الكابوس اللانهائي، ما لم يحصلن على مساعدة نفسية».

معقل القاعدة

الى ذلك بعد أن تمكن منه الشعور بمرارة السجن والغضب لما اعتبره قمعا وحشيا من الزعيم الليبي معمر القذافي للاسلاميين قرر عبد العزيز لاياس أنه سيكون اكثر نفعا كمسلم لو سافر ليقاتل الامريكيين في العراق.

قال لاياس في مسجد ذي قبة ذهبية بدرنة علقت على أحد جدرانه مئات الصور لشبان قتلتهم أو عذبتهم قوات الامن الليبية "في احدى المراحل فقدت الشعور بادميتي." وأضاف "كنت بحاجة الى التعبير عن نفسي. أقاربي كانوا في السجن وحاولت الدفاع عما أؤمن به لكنني لم أكن أحدث أي فرق هنا لهذا فكرت في الذهاب الى العراق."

وبعد ثماني سنوات يجد لاياس نفسه الان في صف الامريكيين الذين كان يطلق عليهم نيران بندقيته الكلاشنيكوف في بغداد. هو الان يدعم مقاتلي المعارضة الليبية المسلحة الذين يسيطرون على شرق البلاد.

ويقول انه كان مستعدا "للاستشهاد" من أجل القضية ضد الولايات المتحدة. بل انه تلقى تدريبا في معسكر عراقي عام 2003 علقت عليه لافتة كتب عليها ان الشيطان سيطلب الرحمة اذا دخله. لكنه يقول انه لم تكن له صلات بتنظيم القاعدة. كان الفقر وعدم وجود مستقبل في ظل حكم القذافي هو ما دفعه الى هذا.

وسبب هذا مشكلة لصورة مدينة درنة التي أصبحت رمزا للمخاوف الغربية من أن حركة المعارضة الفوضوية بليبيا ربما تأوي متطرفين اسلاميين ومتشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة او أن تستغلها هذه العناصر.

ولفترة طويلة اعتبرت درنة متعاطفة مع الاسلاميين. وضمن قائمة للمقاتلين الاجانب في العراق انتشرت على نطاق واسع وعثرت عليها القوات الامريكية عام 2007 في بلدة سنجار تبين أن مدينة درنة الواقعة بشرق ليبيا وحدها لها 52 مقاتلا بين عدة مئات وردت اسماؤهم في القائمة.

وينفي سكان درنة بقوة اي صلات بتنظيم القاعدة وحتى الآن لا توجد أدلة تذكر تشير الى أن التنظيم كان له وجود في شرق ليبيا على الرغم من مزاعم القذافي بأن قوات المعارضة المسلحة تضم متشددين من القاعدة بين صفوفها.

لكن قوى غربية ومحللين يخشون من ازدياد احتمال أن يستغل المتطرفون الفراغ الأمني واي خيبة أمل بين مقاتلي المعارضة كلما طال الصراع الليبي. وبعد نحو ثلاثة اشهر وصلت الحرب الى حالة من الجمود اذ يسيطر القذافي على معظم الغرب وتسيطر المعارضة المسلحة على الشرق. بحسب رويترز.

ويقر رئيس الذراع التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي المعارض في درنة بوجود هذه المخاطر لكنه يرفض فكرة أن بلدته التي يعيش بها 100 الف نسمة تأوي اسلاميين متشددين. ومثل اخرين هنا يقول ان البلدة مليئة فقط بالمسلمين الذين استهدفهم القذافي ظلما.

وقال محمد المسوري "في درنة يمثل المتطرفون نسبة صغيرة جدا من السكان... لكن اذا لم يحل الغرب هذه المشكلة بسرعة فسيأتي المتطرفون."

وتشن درنة في الوقت الحالي حملة لتظهر أنها ليست موطنا للمتشددين وعلقت لافتات بالانجليزية تقول "الانتفاضة خيارنا لا القاعدة" و"نرفض الربط بيننا وبين القاعدة والجماعات الارهابية الاخرى" لتوصيل الفكرة للمراسلين الاجانب. وسارع معظم من أجريت معهم مقابلات الى القول انهم سعداء لمقتل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن.

اما بالنسبة للزائرين فلا توجد مظاهر واضحة تذكر تشير الى أن درنة اكثر من مجرد بلدة مسلمة محافظة جدا. فمناخ عدم الثقة والعداء الواضح تجاه الغربيين الذي ساد مدنا عراقية مثل بعقوبة والموصل في الاعوام التي أعقبت الغزو الامريكي هناك غير موجود هنا.

لكن سكان درنة متأكدون أن مدينتهم عانت بشدة تحت حكم القذافي الذي قالوا انه كان يتعمد حرمانها من الاستثمارات بعد محاولات للثورة على حكمه بدأت عام 1970 بما في ذلك ثورة قادها الاسلاميون عام 1996 .

كان لابد أن تصبح درنة بتلالها الخضراء المطلة على مياه البحر المتوسط بلونها الازرق السماوي منتجعا سياحيا غنيا.

لكنها عبارة عن مبان متهدمة وشوارع تتناثر فيها القمامة. ويقول عبد الكريم بن طاهر (60 عاما) وهو استاذ للغة الانجليزية بجامعة درنة ان معظم شبان البلدة عاطلون وان الحكومة شجعتهم على القتال في حروب بالخارج حتى لا يثيروا اضطرابات في الداخل.

وقال بن طاهر "القذافي أهمل درنة لا توجد مصانع ولا اي شيء يمكن فعله هنا... اضطر الشبان الى الخروج من هذا المكان ولم يكن هناك مكان ليذهبوا اليه فاتجهوا الى مصر ثم سوريا ومنها الى العراق." وأضاف أن الحملة على الاسلاميين كان معناها أن من يشتبه في انتمائه لهم اما يسجن على الفور او يختفي.

وفي المسجد الذي علق السكان على أحد جدرانه صور أقاربهم الذين قتلوا خلال حكم القذافي الممتد منذ اربعة عقود لكل شخص قصة محزنة عن الموت والفقد.

بكت الحاجة سلمى عبد الله (77 عاما) وهي تنظر الى صورة ابنها عادل على الجدار. كان في الثانية والعشرين من عمره حين قتل في سجن ابو سليم وهو واحد من نحو 100 من ابناء درنة قتلوا في مذبحة شهدها السجن عام 1996 يقال انها أودت بحياة ما يزيد عن 1200 شخص.

وقالت "أخذوه لانه كان ملتحيا ويصلي. كان عائدا من طرابلس وتوقف للصلاة في مسجد باجدابيا. الامام لم يكن موجودا فأذن هو للصلاة وألقي القبض عليه."

وتقول الحاجة سلمى انها هي وأسرتها لم يعلموا شيئا عن مصير عادل حتى عام 2009 وظلوا يأخذون الطعام والملبس لابنها في السجن لسنوات بعد وفاته.

وقالت "كان مسلما خالصا. لم تكن له صلات سياسية... كان يقرأ القرآن وهذه كانت جريمته. القذافي كان دائما ضد المتدينين."

وأشار احمد عبد السلام (61 عاما) الى صورة اخيه في ملابس الجيش الذي أعدم بعد محاولة انقلاب قام بها ضباط من درنة ضد القذافي عام 1975 . يقول عبد السلام انه فصل من القوات الجوية الليبية بعد مقتل اخيه ثم أجبر بعد ذلك على التقاعد المبكر من وظيفة حصل عليها بقطاع الطيران المدني. وقال عبد السلام "ذلك الرجل ليس انسانا" مشيرا الى القذافي.

اما فيما يخص لاياس فانه يقول انه أدرك أن مهمته التي استمرت شهرا في العراق انتهت بعد أن وجد نفسه في حفرة حفرها على جانب طريق هو ومقاتلون اخرون يحاول جاهدا أن يرى من خلال الغبار المفاجيء الذي غلفهم مع مرور دبابات أمريكية.

وقال لاياس وهو الآن مدرس لبرمجة الكمبيوتر في درنة "شعرت أنني لا ادري ماذا أفعل هناك... مهتمي فشلت لكنني على الاقل نجحت في التنفيس عن جزء من الطاقة."

نهب الاسلحة يهدد المنطقة

في سياق متصل تقشعر الأبدان في الغرب من مجرد فكرة أن يضع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي يده على صواريخ أرض جو ليبية لكن تدفق الأسلحة الصغيرة من جديد وعودة مقاتلين متمرسين قد يمثلان التهديد الاقليمي الأكبر. وحتى الآن اقتصرت تداعيات الحرب الأهلية في ليبيا على منطقة الجنوب على عودة موجات من العمال المهاجرين.

لكن الحكومات في منطقة الساحل تعتقد ان مقاتلي تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي استقبلوا قوافل أسلحة من بينها صواريخ من طراز (اس ايه-7) مسروقة من مخازن السلاح المهجورة الخاصة بالزعيم الليبي معمر القذافي.

ويتطلب استهداف طائرات بتلك الصواريخ تدريبا وانتقال خلايا القاعدة الى مناطق قريبة من المدن ولذلك يعتقد خبراء أن من المرجح استخدام أي أسلحة ثقيلة في الدفاع في حالة تعرض الاسلاميين المتشددين لهجمات محمولة جوا.

غير أن المناطق النائية والتي تكون مضطربة عادة في دول مثل موريتانيا ومالي والنيجر حيث ينشط الاسلاميون الى جانب متمردين ومجرمين محليين ومهربين معرضة بشدة للتأثر بتداعيات الصراع في ليبيا.

ويقول كويزي انينج المسؤول الكبير بمركز كوفي عنان الدولي للتدريب على حفظ السلام في غانا "الوضع في ليبيا يمثل بعض المشاكل لدول غرب افريقيا." وأضاف "من الطبيعي أن بعض الاسلحة قد تصل الى أيادي شريرة... لا توجد سيطرة حكومية في الاجزاء الشمالية (من منطقة الساحل على أطراف ليبيا)."

خرج تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي من عباءة الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال عام 2007 وتحت ضغط من الجيش الجزائري في الشمال كثف نشاطه في منطقة الصحراء.

ويقول محللون ان التنظيم الذي يعتقد أن عدد أعضائه لا يتجاوز بضع مئات استغل سوء التنسيق بين الحدود ليشن هجمات من وقت لاخر على جيوش محلية ويخطف مواطنين غربيين مما أدر عليه حتى الان ما بين 50 و70 مليون دولار من الفدى.

وسلطت فورة من النشاط الدبلوماسي بالمنطقة في الآونة الاخيرة الضوء على المخاوف الملحة بشأن التداعيات التي ستترتب على الوضع في ليبيا. كما زادت المخاوف من شن عمليات انتقامية بعد قتل أسامة بن لادن زعيم القاعدة.

ويعتقد زعماء مالي وتشاد ان أسلحة منهوبة وصلت الى قواعد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في شمال مالي وحذر الرئيس التشادي من أنها قد تصبح القوة الافضل تسلحا بالمنطقة. وتحدث مسؤول جزائري عن عدة قوافل.

ويقول اخرون انه لا يوجد ما يثبت هذا بعد غير أن قلة هي التي تعتقد أن حصول التنظيم عليها سيتطلب جهدا نظرا لارتباطه بعلاقات وثيقة بشبكات تهريب السلاح وامتلاكه المال الوفير الذي جمعه من الفدى.

وقال بيتر بوكارت مدير الطواريء بمنظمة هيومان رايتس ووتش والذي قضى أسابيع يوثق ترسانات الاسلحة المنهوبة في ليبيا "هناك ما يكفي (من الاسلحة) في الانحاء بحيث سيكون من السهولة الشديدة بمكان أن يحصل عليها الحريصون على هذا."

ووجه معظم التركيز الى صواريخ (اس ايه-7) التي تطلق من على الكتف والتي استخدمتها عناصر القاعدة في محاولة فاشلة لاسقاط طائرة اسرائيلية في كينيا عام 2002 .

وقال بوكارت "هذا مبعث قلق رئيسي لان هذا أحد الاسلحة المفضلة لدى جماعات القاعدة" مشيرا الى أن المقاتلين في العراق أظهروا كيف يمكن تحويل الاسلحة المسروقة الى قنابل.

ويقول خبراء ان المسؤولين يعون جيدا أن المخاوف من شن هجوم "مذهل" للثأر من قتل بن لادن حقيقية تماما لكن مدى الصواريخ من طراز (اس ايه-7) قصير وبالتالي يجب أن ينقلها المتشددون من قواعد نائية بالصحراء الى أماكن قريبة من المطارات في مدن كبرى اذا ارادوا استهداف طائرات. وقال دبلوماسي يتابع أنشطة التنظيم "ستكون أكثر فائدة على الأرجح كأسلحة دفاعية."

وبعد عمليات خطف معظمها انتهازية أثبتت هجمات هذا العام في نيامي ونواكشوط طموح تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في استهداف العواصم. لكن نيك برات خبير مكافحة الارهاب بمركز جورج سي مارشال الاوروبي للدراسات الامنية يقول ان هذا السلاح في حد ذاته يمثل عقبة. وأضاف برات الذي تشمل خبرته العسكرية المشاركة في جهود أمريكية سرية لتسليح المجاهدين في أفغانستان "ليس سلاحا تمسك به وتطلق النار منه... المشكلة الكبرى هي أن التدريب عليه يستغرق وقتا طويلا."

وقال ان الصواريخ "السوفيتية القديمة في منطقة الصحراء تشكل قلقا أمنيا أقل من شاحنة مليئة ببنادق الكلاشنيكوف." وربما لا تتدفق الاسلحة فقط الى الجنوب.

وانتشرت تقارير على نطاق واسع بأن القذافي يجند مقاتلين خاصة من بدو الطوارق لتعزيز قواته. ويقول مسؤولون إن بعض هؤلاء المجندين الجدد فضلا عن مقاتلين من المنطقة يعملون في صفوف القوات الموالية له منذ فترة طويلة سيعودون الى ديارهم ذات يوم.

وكانت عودة مقاتلين لهم خبرة الى أجزاء مهمشة من مالي والنيجر من العوامل التي ساعدت على قيام حركات تمرد في التسعينات. ومازالت حكومتا مالي والنيجر تسعيان جاهدتين لمداواة الجراح بعد أحدث انتفاضات عامي 2007 و2009 .

وقال اندريه لوساج خبير الشؤون الافريقية بجامعة الدفاع القومي بالولايات المتحدة "هناك نمط تاريخي لا نريد تكراره." ويعتبر شمال مالي في ظل الفقر المدقع والعزلة اللتين يتسم بهما معرضا لهذا الخطر بدرجة كبيرة. وحوله تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي الى قاعدة خلفية واندمج مع القبائل المحلية من خلال الزيجات وسعى الى دق اسفين بين الحكومة والسكان المحليين.

وتنتشر شبكات التهريب المربحة أيضا في هذه المنطقة القاحلة مما يقوض القانون والنظام ويذكي الفساد. وحاول رئيس مالي أمادو توماني توري الحصول على دعم شيوخ القبائل وحذرهم من مخاطر تدفق الأسلحة والمخاوف من أن يجند تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي مقاتلين جددا.

ويقول لوساج "يجب أن يكون شيوخ القبائل على وفاق مع الحكومات الوطنية حتى لا يتوفر الدعم الشعبي لأي حركة... حتى لا تكتسب شعبية."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/آيار/2011 - 24/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م