لم أعتد الدفاع عن مجلس محافظة بغداد ولست من المتملقين ومن يتابع
قلمي يعرف أني لا أجامل ولا أتهاون مع الحق، بل أني أمتلك العديد من
الملاحظات على أداء هذا المجلس. لكن الحق يجب أن يقال.
لماذا بدأت بهذه المقدمة؟! السبب هو أني استلمت رسالة بالبريد
الإلكتروني بعنوان (المدن الأكثر قذارة في العالم). انتابني الفضول
فأسرعت لأرى ما هي هذه المدن التي أهملها اهلها فأصبحت من أقذر مدن
العالم. كانت صدمتي كبيرة للغاية عندما قرأت هذا الخبر: تم إختيار
بغداد ( العاصمة الأكثر قذارة في العالم ) في سلم من عشر درجات يتضمن
العواصم العشرة الأكثر قذارة في العالم.
تحولت مضطرباً وغاضباً إلى محرك البحث غوغل لأبحث عن مصدر الخبر
باللغة الإنكليزية فاكتشفت أن التقرير الصادر عن Blacksmith Institute
لم يكن بعنوان المدن الأكثر قذارة في العالم بل كان بعنوان المدن
الأكثر تلوثاً في العالم. والفرق كبير بين الكلمتين على الأقل علمياً.
والأهم من هذا كله أن بغداد لم تكن من ضمن هذه المدن أصلاً لأن المدينة
الأكثر تلوثاً والتي ورد ذكرها في التقرير الأصلي للمؤسسة البحثية كانت
مدينة لينفين الصينية .
الذي لفت انتباهي أن من اصطنع هذا الخبر الوهمي قام بتصميم صفحة
خاصة باللغة الإنكليزية وضع فيها بغداد في المرتبة الأولى كأقذر مدن
العالم، مزوراً الخبر الأصلي وحاذفاً لينفين الصينية. وهذا ما يثبت أن
الأمر مدبر له وبخبث فائق.
لكن ما الذي يجعل عراقياً يحب وطنه ويدعي الانتماء إليه يشوه سمعة
بلده على هذا النحو السيء؟ السبب في اعتقادي هو سياسي بحت . فهناك
محاولات شتى من البعض لتحقيق مكاسب سياسية على حساب البعض الآخر حتى لو
كان السبب تشويه سمعة العراق كوطن.
لكن من جهة أخرى يجب ألا ننكر أن التباطؤ الكبير في ملف الخدمات
وغيرها من أمور الإعمار أعطى الذريعة لكثير من المتصيدين في الماء
العكر ليشوهوا سمعة العراق ظناً منهم أنهم يسيئون لفريق معين دون غيره.
وحقيقة الأمر أن هذه التقارير الوهمية تسيء إلى كل العراقيين حكومة
كانوا أوشعباً. فالمسؤولية إذاً جماعية ولا يمكن لأحد أن يتنصل منها.
المفارقة العجيبة أن العديد من المواقع الإلكترونية تناقلت هذا
الخبر وكأنهم عثروا على غنيمة أو مكسب يسيء لخصومهم فسارعوا إلى نشره
لكن الحقيقة أنهم أساؤوا إلى أنفسهم قبل أن يسيئوا إلى غيرهم. فالمهنية
الصحفية تقتضي من الصحفي التقصي عن مصداقية الخبر ومصدره لا أن يتم
نشره لمجرد رغبتنا الداخلية في هذا العمل.
أعتقد أن القذارة الحقيقية ليست في بغداد بل في عقول هؤلاء الذين
سارعوا بنشر هذا الخبر. والأقذر منهم من خطط له ودبر. فالعراق لم يكن
يوماً إلا مصدراً للحضارة وإشعاعاً لها وسوف يكون في يوم من الأيام
عاصمة العالم.
sadekalrikaby@gmail.com
..................................................
* لمن يرغب في الاطلاع على البحث الأصلي لمعهد (بلاك
سميث) حول أكثر عشر مدن تلوثاً في العالم يرجى زيارة الرابط التالي:
http://www.blacksmithinstitute.org/wwpp2007/finalReport2007.pdf |