الاحساء تحتضن موتى البحرين

علي ال غراش

مع بداية تصعيد حكومة البحرين لقمع وانهاء حركة المطالب الشعبية باساليب عسكرية وحشية غير مسبوقة وغير متوقعة - في ظل ربيع الثورات العربية، ودعم وتفاعل الشعوب العربية لتلك المطالب -، بحيث وصلت الامور الى اغلاق الحدود!!. وانقلاب الموازين بشكل سريع وممنهج، وتكريس الخطاب الاعلامي الطائفي البغيض بشكل مقزز من قبل الحكومة (وربما ظهر الوجه الحقيقي للنظام)، وتم تخوين اغلبية الشعب لانهم طالبوا بحقوقهم الوطنية لبناء وطن ديمقراطي حر في ظل مملكة دستورية نموذجية، والتشكيك في ولاء الشعب الذي طالما وصف وعرف بانه بحراني تأكيدا على اصالته وجذوره وانتمائه، وانه الاكثر ثقافة وتعليما وتسامحا ومحبة وتعايشا مع الاخرين، فبفضله اصبحت البحرين بلد التسامح والسلام والاكثر استقطابا للزوار والسواح مهما كانت ميولهم.

 في هذه الظروف الصعبة التي شكلت صدمة لاصحاب الضمائر الانسانية الحية العاشقة للعدالة والاصلاح والتغيير والديمقراطية والامن والسلام، احتضنت ارض الاحساء وبالتحديد بلدة الشعبة، جسد مواطن بحريني الاصل والمولد والجنسية فاجداده من مواليد البحرين قبل دخول عائلة ال خليفة الحاكمة، وكان اجداده وابائه ينقلون دوما تفاصيل حادثة دخول وسيطرة عائلة ال خليفة على الحكم. رجل احب بلاده، وطالما تفاخر بوطنه وبالدفاع عنه وعن حقوق المواطنين، وبسبب ذلك تحمل السجن والترحيل والابعاد عن وطنه في مرحلة سابقة.

رجل بطل احب ان يقدم شيئا لبلاده ويخدم مواطنيه، فتوجه للعمل الاعلامي عبر تأسيس مؤسسة اعلامية، اصدر من خلالها عدد من المجالات والنشرات الاعلامية في المجال الاقتصادي والرياضي والاجتماعي والثقافي، وحاول من خلال هذه الوسائل المساهمة في تقديم اعلام حر يخدم المجتمع ويمجد وطنه البحرين الغالي، رغم انه لم يحصل على اي دعم حكومي ولو باعلانات مدفوعة الثمن- كما تفعل الحكومة مع الكثير من الوسائل الاعلامية في الداخل والخارج- ، وتحمل الخسائر المادية نتيجة عدم الحصول على اعلانات حكومية او من قبل المؤسسات الكبرى. ولم يمنعه ذلك من الوقوف مع القضايا المهمة والمصيرية للامة وشعوبها.

رجل يؤمن باهمية التواصل بين ابناء دول الخليج بانهم مجتمع واحد فاحب دول الخليج وعشق المنطقة الشرقية وبالخصوص الاحساء التي احتضنت جسده، بعدما سلم روحه الطاهرة فيها بعد ازمة صحية مفاجئة، وبعد اغلاق حدود وطنه البحرين لتتفرغ السلطة لقمع المواطنين وعدم سماحها بدخول جثمانه الى بلاده وديرته ليدفن بجوار اجداده اصحاب الارض، ربما دخوله و لو ميت تعتبره الحكومة خطرا عليها!، ويؤكد على اصالته وانتمائه، بعد حملات التشكيك والتخوين لكل مواطن بحراني اصيل حي او ميت!!.

هل ضاقت البحرين على اهليها، لكي يدفنوا خارج اوطانهم؟!.

الراحل الفقيد هو الصديق العزيز والزميل المحبوب والاعلامي والناشط السيد خليل نعمة الموسوي من بلدة المرخ، الذي وافاه الاجل المحتوم بشكل مفاجئ وشكل صدمة لكافة محبيه.

انه القدر يا صديقي الفقيد السيد خليل ان ترحل عنا سريعا وتترك ألم الفراق في قلوب محبيك، ترحل في وقت يتعرض فيه اهلك لاصعب الظروف، استباحة دمائهم على أيدي جلاوزة النظام؛ انه القدر يا صديقي الحبيب ان ترحل بعيدا عن وطنك ..، وتدفن في الاحساء لكي تؤكد على مدى الترابط والتواصل بين ابناء منطقة الخليج بانها اكبر من قضية حدود، انها دماء واحدة ومصير واحد. مهما كان الاختلاف.

فينبغي على شعوب المنطقة ان تكون واعية ، ولا تنجرف وراء ابواق اثارة الطائفية البغيضة التي تقسم المواطنين حسب سياسة فرق تسد، والتشيكك في ولاء ووطنية المواطن الاخر لمجرد الاختلاف في الراي ورفع راية المطالبة والاصلاح، الاصلاح الذي هو في الحقيقة في خدمة الوطن وكافة المواطنين.

رحل البطل والناشط السيد خليل عن عالمنا وعنده امنية ان يرى بلاده وبلاد الخليج تنعم بالعدالة والحرية والمساواة والديمقراطية، وان يعيش ابناءه وابناء المنطقة في واقع أفضل. هل ستتحقق هذه الامنية التي يتمناها كل مواطن خليجي وعربي؟

ان لله وانا إليه راجعون، ونسأل الله تعالى ان يتغمد روح الفقيد العزيز السعيد السيد خليل بواسع رحمته الواسعة، وان يسكنه فسيح جناته، وان يجعل قبره روضة من الجنة، وان يحشره في زمرة احبائه محمد واله الطيبين الطاهرين. وأن يلهم أهله وذويه واصدقاءه الصبر والسلوان. (( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي))..

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/آيار/2011 - 22/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م