تهويد القدس... سياسة إسرائيل لفرض الأمر الواقع

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: تسابق إسرائيل الزمن في سعيها لتهويد مدينة القدس الشرقية بكل ما أوتيت من قوة، في إجراء استباقي لأي قرار أو ضغط دولي قد يدفعها الى إنهاء احتلالها لتلك المدينة العربية المقدسة، فقد اتبعت الحكومات العبرية المتلاحقة منذ احتلال فلسطين في أربعينيات القرن الماضي ولغاية وقتنا الحاضر سياسات عديدة ومتنوعة ولعل أبرزها وأشدها خبثاً كانت سياسة الاستيطان وبناء المستوطنات اليهودية على الأراضي الفلسطينية بعد تهجير أهلها بالقوة والعنف وترغيب يهود العالم من اجل تهويد القدس وجعلها عاصمتهم الأبدية.

استيطان جديد في القدس الشرقية

حيث وافقت لجنة حكومية اسرائيلية على بناء 1520 وحدة استيطانية جديدة في حيين استيطانيين في القدس الشرقية المحتلة، وذلك مع زيارة هامة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى الولايات المتحدة واللقاء بينه وبين الرئيس الاميركي باراك اوبام، وقالت اورلي نوي المتحدثة باسم منظمة "عير اميم" المناهضة للاستيطان ان لجنة التخطيط في وزارة الداخلية الاسرائيلية اعطت موافقتها النهائية على بناء 620 وحدة سكنية في مستوطنة بسغات زئيف و900 وحدة اخرى في مستوطنة هار حوما (جبل ابو غنيم) قرب مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، و"عير اميم" هي منظمة غير حكومية اسرائيلية تدعو الى تشارك مدينة القدس بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وسارعت السلطة الفلسطينية الى ادانة القرار الاسرائيلي الذي تم الاعلان عنه بينما كان الرئيس الاميركي باراك اوباما يلقي خطابا هاما حول الثورات العربية والسياسة الاميركية في الشرق الاوسط، وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينه ان القرار الاسرائيلي "هو الرد الفوري الاسرائيلي على خطاب الرئيس اوباما"، مضيفا "انه عمل مدان وعلى الإدارة الأميركية تحميل إسرائيل مسؤولية التدهور الجاري في عملية السلام"، وندد ياريف اوبنهايمر من منظمة السلام الان الاسرائيلية المناهضة للاستيطان بتوقيت قرار وزارة الداخلية، وقال اوبنهايمر لموقع صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلي ان"رئيس الوزراء يضحي بعلاقاته مع الولايات المتحدة من اجل ولائه للمستوطنين، ليس هذا توقيتا سيئا فحسب بل سياسة سيئة تعرض مكانة اسرائيل في العالم للخطر". بحسب فرانس برس.

وكانت وزارة الداخلية الاسرائيلية اعلنت في اذار/مارس من العام الماضي عن خطة لبناء 1600 وحدة سكنية استيطانية في رمات شلومو وهو حي يقطنه يهود متشددون في القدس الشرقية، وجاء ذاك الاعلان بالتزامن مع زيارة لنائب الرئيس الاميركي جو بايدن الى اسرائيل ما اثار امتعاض واشنطن وادى الى توتير العلاقات بين البلدين لعدة شهور، وتعارض الولايات المتحدة سياسة الاستيطان الاسرائيلي وتعتبرها "عائقا امام السلام"، واوضحت المتحدثة باسم عير اميم اورلي نوي ان منظمتها تعارض خطط توسيع مستوطنة هار حوما (جبل ابو غنيم)التي قالت انه سيكون لها تاثير خطير على الحدود الجنوبية القدس الشرقية مع الضفة الغربية، وقالت نوي "في هار حوما الاعتراض من جانبنا هو على اسس سياسية، المخطط البنائي سيمتد باتجاه بيت لحم مما يؤدي حقا الى إحداث تغييرات كبيرة"، واحتلت اسرائيل القدس الشرقية العربية مع الضفة الغربية عام 1967 وضمتها لاحقا في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، وتعتبر اسرائيل القدس بشطريها عاصمتها "الابدية والموحدة" وهو ما اكد عليه نتانياهو في خطاب القاه امام الكنيست، ولا تعتبر اسرائيل البناء في القدس الشرقية نشاطا استيطاني، ويعيش في الشطر الشرقي من القدس 180 الف اسرائيلي بين حوالي 270 الف فلسطيني، وعطلت مسالة بناء المستوطنات محادثات السلام بعد رفض اسرائيل تمديد فترة تجميد الاستيطان التي انتهت في اواخر ايلول/سبتمبر 2010 بعد فترة قليلة من استئناف محادثات الاسرائيلية الفلسطينية، ورفض الفلسطينيون العودة الى المفاوضات طالما استمر بناء مستوطنات على اراضي دولتهم المستقبلية.

"منطقة ضعيفة للغاية"

في سياق متصل صنف تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية القدس الشرقية بانها "منطقة ضعيفة للغاية" بسبب ممارسات الاحتلال الاسرائيلي وتداعياتها على جميع نواحي الحياة في المدينة محذرا من استمرار تلك السياسة الاسرائيلية، وقال مستشار المكتب في القدس ومعد التقرير راي دولفين في مؤتمر صحافي ان توصيف القدس الشرقية كمنطقة ضعيفة للغاية جاء بسبب القيود المتواصلة المفروضة على سكانها من التنقل والحركة بما في ذلك ايضا موظفي المنظمات الدولية الانسانية، واضاف ان اسرائيل مسؤولة عن ضمان بقاء القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية وأن يكون لجميع السكان الفلسطينيين الحق في السكن فيها والوصول اليها بما في ذلك تلقي الخدمات، وأوضح أن فريق العمل الانساني المعني بالشأن الفلسطيني ينظر الى القدس الشرقية بوصفها "منطقة تحظى بأولوية استراتيجية في عملية المناشدة الموحدة 2011"، كما اشار الى مشكلة تقليص الحيز المخصص لعيش الفلسطينيين بسبب القيود المفروضة على تخطيط وتقسيم الأراضي وعمليات الهدم والطرد الى جانب حرمان الفلسطينيين من حقهم في التعليم الأساسي والحرمان الاقتصادي والضغوط النفسية والاجتماعية، ويركز التقرير على وضع اقامة الفلسطينيين في القدس الشرقية والمشكلات التي يتعرضون لها مثل سحب بطاقات الهوية المقدسية التي تعرض لها 14000 فلسطيني على الأقل منذ عام 1967 من بينهم 4500 في عام 2008 وحده، وتناول التقرير أيضا الخطط الاسرائيلية في تقسيم اراضي القدس الشرقية وهدم منازلها للحفاظ على اغلبية سكانية من اليهود مقابل الفلسطينيين من خلال بناء المستوطنات رغم الحظر الذي يفرضه القانون الدولي على نقل المدنيين الى الأراضي المحتلة. بحسب وكالة الانباء الكويتية.

كما خصص التقرير جزء عن تأثير الجدار العازل في منطقة القدس الشرقية على التواصل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية سواء على الصعيد الانساني والعائيلي أو في مجالات الخدمات ما وصفه التقرير عزلا لبعض المجتمعات في الضفة الغربية عن بيئتها الأصلية، في الوقت ذاته خصص التقرير بابا كاملا حول القيود المفروضة على الفلسطينيين في القدس الشرقية للوصول الى التعليم بما في ذلك ايضا القيود المفروضة على تشييد المدارس ما يضطر أولياء الأمور الى الاستعامة ببدائل لا تتوافر فيها المعايير التربوية والصحية الأساسية، وقال دولفين ان التقرير يهدف الى زيادة الوعي بتلك القضايا ووما آلت اليه الأوضاع في القدس الشرقية مؤكدا أن التقرير سيتم تقديمه الى كل من الاتحاد الأوروبي والجمعية العامة للامم المتحدة والحكومة الأمريكية، في الوقت ذاته اعرب عن امله بأن تؤدي تلك الأوضاع المتردية الى تحسين استجابة وكالات الأمم المتحدة وشركائها للاحتياجات الانسانية والتنمية للفلسطينيين في القدس الشرقية، كما أكد أن اسرائيل بوصفها القوة المحتلة تقع على عاتقها مسؤولية ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب الفلسطيني وممارسة حقوقهه الانسانية وذلك وفق القانون الدولي الانساني وقانون حقوق الانسان، وأضاف ان الفلسطينين في القدس الشرقية يعانون في كافة نواحي الحياة الأساسية مثل المسكن والصحة والتعليم والتمييز وحرية التنقل والعمل ما يترك آثارا سلبية مختلفة اقتصادية واجتماعية توليها منظمات اممية اخرى اهتماما وتعد تقارير متخصصة حولها.

ارتفاع عمليات التهويد في القدس

من جانبه اظهر تقرير فلسطيني صدر مؤخراً ارتفاع وتيرة عمليات التهويد التي تعرضت لها مدينة القدس خلال الشهر الماضي، وقال تقرير صادر عن (المكتب الوطني للدفاع عن الاراضي ومقاومة الاستيطان) في نابلس ان الحكومة الاسرائيلية واصلت سياستها الهادفة الى تهويد القدس وفصلها عن محيطها من خلال محاصرتها بالمستوطنات وبناء الالاف من الوحدات الاستيطانية والبحث في مخططات اخرى للمصادقة عليه، واضاف ان اسرائيل تسعى الى تقليل عدد السكان الفلسطينيين الى ادنى حد مع حلول عام 2020 ضمن خطة تسميها اسرائيل "خطة 2020"، واشار التقرير الى ان ما تسمى (اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء) الاسرائيلية تبحث في مخطط جديد لبناء 386 وحدة استيطانية على ثماني دونمات في حي (الشيخ جراح) بالقدس وسيهدد المخطط مصير 30 عائلة يزيد عدد افرادها على 280 فرد، واوضح ان قوات الاحتلال اخطرت 12 عائلة فلسطينية شمال القدس باخلاء منازلها فيما تعتزم الموافقة خلال ايام على مخطط استيطاني لبناء نحو 800 وحدة استيطانية جديدة في القدس، وبين التقرير تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية حيث هاجم المستوطنون قرى في نابلس واعتدوا على المركبات فيما اقدم متطرفون على اغراق عشرات الدونمات المزروعة بالعنب في بلدة (بيت امر) شمال الخليل بالمياه العادمة. بحسب وكالة الانباء الكويتية.

من جانب اخر قالت مسؤولة في منظمة السلام الان الاسرائيلية المضادة للاستيطان ان ثلاثين عائلة يهودية جديدة سيتم توطينها في حي راس العامود الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة بحسب خطة لبلدية المدينة، وقال هاغيت اوفران لوكالة فرانس برس ان "بلدية القدس تخطط لبناء مساكن لثلاثين عائلة يهودية اخرى في راس العامود حيث يتواجد بالفعل 117 عائلة من المستوطنين"، واضافت اوفران ان "هذه الخطة لم تنته بعد لان المقاول اليهودي مالك الاراضي مستعد للبيع لمن يدفع اكثر بما في ذلك الفلسطينيين"، من جهته اكد المتحدث باسم بلدية القدس الاسرائيلية جيدي شميرلينغ ردا على سؤال في هذا الشأن ان البلدية "لا تفرق بين اليهود والعرب في مشاريع البناء المماثلة"، وفي اذار/مارس الفائت، وافقت البلدية على بناء 14 وحدة استيطانية جديدة في مركز سابق للشرطة في راس العامود على ارض عائدة الى منظمة دينية يهودية، وفق ما اعلن بيبي الالو المستشار البلدي لحزب ميريتس اليساري (معارضة).

إسرائيل تعمل في موقع مقدس

الى ذلك صرح مسؤول بمدينة القدس ان إسرائيل اعطت موافقة برلمانية على اجراء تجديدات في موقع مقدس محل خلاف في القدس الشرقية حيث اثارت عمليات بناء اعمال عنف في الماضي، ووافق المسؤولون المحليون عن التخطيط على مشروع اصلاح منحدر ارضي قرب بوابة المغاربة يصل حائط البراق (المبكى) بمجمع يحظى بقدسية لدى كل من المسلمين واليهود، وقال مئير مارجاليت عضو مجلس المدينة ان من المرجح ان يعطي المجلس موافقته النهائية قريباً على التعزيز المزمع للمنحدر الذي الحقت به عاصفة ثلجية وزلزال اضرارا في عام 2004، واضاف "فوجئت بان ارى هذه القضية تجاز بهدوء"،  واكد ان رجال الدين الفلسطينيين والمسلمين لم يبدوا اعتراضا على الرغم من ان اسرائيل اضطرت لوقف العمل في 2007 بعد احتجاجات فلسطينية في ذلك الوقت، ويقع المنحدر الموجود في مدينة القدس الشرقية القديمة بجوار الحرم القدسي الشريف والمسجد الاقصى، ويبجل اليهود ايضا هذا المكان حيث يوجد معبدان ورد ذكرهما في التوراة كما انه نقطة اشتعال في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وفي سبتمبر ايلول عام 2000 ادت زيارة قام بها ارييل شارون الذي كان زعيم المعارضة الاسرائيلية في ذلك الوقت الى اثارة احتجاجات اسفرت عن انتفاضة فلسطينية استمرت سنوات قتل فيها الالاف من الجانبين، ويقول الفلسطينيون إن التجديدات الاسرائيلية يمكن ان تلحق اضرارا باثار اسلامية مدفونة تحت الارض، وقال مارجاليت ان خبراء من الاردن وتركيا واوروبا قرروا "انه لن يكون هناك ضرر بالوضع الراهن ولا شيء خطأ" في اعمال التجديد في المنحدر وان خبراء من الاردن وتركيا سيراقبون المشروع. بحسب رويترز.

شبح الطرد يلاحقهن

على صعيد اخر وعندما تزوجت سناء المولودة في مدينة الخليل قبل 13 عاماً من المقدسي محمد، لم تتوقع أن تقع ضحية قانون إسرائيلي يحد بشكل كبير لم شمل العائلات للفلسطينيين الذين يقترنون بمقدسيين أو بعرب إسرائيليين، وأنها ستضطر للعيش مع عائلتها بشكل سري، خشية أن تكتشفها السلطات الاسرائيلية، ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000 توقفت إسرائيل عن منح لم الشمل لمواطنيها الذين يتزوجون من سكان الضفة الغربية أو بعض الدول، فيما تمنع أي فلسطيني من الضفة الغربية من دخول القدس إلا بتصريح خاص، وتقول سناء (31 عاما) «أنا من مدينة الخليل، وارتبطت عام 1998 بزوجي المقدسي، ورفضت إسرائيل منحي حق الاقامة أو لم شمل العائلات، ومنذ ست سنوات صدر بحقي أمر طرد من مدينة القدس، ومنذ ذلك الوقت وانا اعيش مع زوجي واولادي بشكل غير قانوني في المدينة»، وتضيف «أنا فلسطينية من الضفة الغربية، وتمنع إسرائيل اي فلسطيني من الضفة الغربية دخول القدس إلا بتصريح خاص، سواء للصلاة أو العمل أو العيش»، ويقول مدير مؤسسة «عدالة» المدافعة عن الحقوق القانونية للاقلية العربية حسن جبارين، إن اسرائيل «سنت قانوناً عام 2003 يمنع مواطني إسرائيل من ممارسة حياتهم العائلية في اسرائيل ان تزوجوا فلسطينيين من سكان الاراضي المحتلة او مواطني إيران والعراق وسورية ولبنان»، ويضيف أن «الوضع الآن اسوأ من السابق، وقد تقدمنا بالتماس الى محكمة العدل العليا منذ سنوات، ولم يصدر اي قرار حتى الآن»، ويطال هذا القانون بشكل رئيس «عرب إسرائيل» الذين يتزوجون فلسطينيين من الاراضي المحتلة، وسكان القدس الذين يحملون الاقامة الاسرائيلية ويتزوجون من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة والمهجر، وقالت منظمة «بتسيلم» الحقوقية الاسرائيلية، إن اسرائيل ترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في توحيد عائلاتهم في الاراضي المحتلة، وينبع هذا الموقف من اعتبارات سياسية، تهدف الى تغيير الوضع الديموغرافي في الاراضي المحتلة، وفي هذا تقول سناء «في البداية كنت أحصل على اقامات مؤقتة مدتها ثلاثة اشهر، وكنت اجددها باستمرار، وفجأة رفضت الداخلية الاسرائيلية طلبي، من دون ابداء الاسباب، ووصلني امر طرد من مدينة القدس». بحسب فرانس برس.

وتضيف«غادرت مدينة القدس فترة وجيزة وعدت بعدها خفية للعيش مع اولادي وزوجي الذين حصلوا على هويات واقامة، وعمر ابنتي البكر 12 عاماً»، ووصفت سناء حياتها بانها مملوءة بالتوتر والرعب، وتقول «أنا بالكاد اغادر بيتي، ولا أخرج إلا لعيادة الطبيب او لاجتماع في مدارس اولادي، وعندما امر بالقرب من منطقة فيها شرطة أو جنود أشعر بالخوف والاضطراب»، وتضيف «أنا قلقة كل الوقت، اخاف ان تدهم الشرطة حينا لاي سبب فيجدونني في المنزل ويعتقلونني ويطردونني ويبعدونني عن أولادي»، وتحدثت سناء عن مرض ووفاة والدتها دون ان تكون بجوارها وتروي بحرقة «لم اذهب لزيارتها وهي مريضة بسرطان الكبد، لكي لا اعلق في مدينة الخليل من دون اولادي، لم اذهب الى الخليل إلا يوم وفاة والدتي»، وتتابع «تزوج اخوتي ولم احضر حفلات زفافهم، ومرض والدي قبل نحو شهر ولم اذهب لزيارته في المستشفى، وتوفي قبل اسبوع فذهبت فقط يوم الوفاة، كان الامر مؤلماً جداً»، وتقول «عدت من الخليل وتسللت الى مدينة القدس، احضرني سائق سيارة قادني في طرق طويلة وملتوية، ولقد ذقت الامرين في الطريق، كنت اعيش حزني على وفاة والدي، ورعبي من أن يطلق الجنود النار علينا، وكان السائق يطلب مني قراءة القرآن طوال الطريق»، اما هدى (33 عاماً) وهي من قضاء مدينة بيت لحم، وتعيش الحالة نفسها فتقول «تزوجت في مدينة القدس قبل 16 عاماً، وكنت احصل على تصاريح اقامة سنوية»، وتضيف «سجن زوجي، وحكم عليه خمس سنوات في السجون الاسرائيلية، وتوقفت التصاريح، واصدروا بحقي امر طرد ولكني استأنفت القرار»، وتابعت «لم استطع زيارة زوجي في السجن إلا بعد عامين ونصف العام مرة واحدة، وفي السنة الخامسة لاعتقاله تمكنت من زيارته مرتين»، وتحدثت عن تجاربها في طرق «التهريب» التي تمر منها عند عودتها من عند أهلها من بيت لحم، وتقول «في احدى المرات كنا مجموعة نساء نسير في الجبال، وعندما وصلنا طريق ديرمار سابا قضاء بيت لحم داهمتنا دوريات الجيش واجبرننا على العودة الى بيت لحم بدلا من السجن، واثناء سيرنا كانوا يستهزئون بنا ويقولون (هر..هر) كاننا اغنام»، وتضيف«أنا لا أزور أهلي إلا في حالة المرض الشديد أو الوفاة، لاني اعرف ما ساواجه في طريقي، نحن نعيش مأساة، فأهلنا على بعد 20 دقيقة بالسيارة ولا نستطيع زيارتهم، نحن نعيش عزلة، فليس هناك اخت أو أخ يزورنا، لا في الأفراح ولا في الاتراح، ننتظر فرج ربنا».

شباب من أجل القدس

الى ذلك يتواصل شبان وفتيات فلسطينيون في القدس الشرقية من خلال موقع فيسبوك الاجتماعي على الانترنت (www.facebook.com) للاتفاق على تنظيف المدينة وترتيبها والاضطلاع ببعض الانشطة الخاصة بالمجتمع، ازالة القمامة من الشوارع والحدائق العامة وزيارة المستشفيات والتبرع بالدم من بين الخدمات العامة والانشطة التي تنظمها مجموعة "شباب من أجل القدس" من خلال صفحتها بموقع فيسبوك، وقالت شابة من أعضاء المجموعة تدعى فريدة أبو خضير "نحن مجموعة شباب، شباب من أجل القدس، عددنا تقريبا 11543، وقد اتفقنا على الخروج كمجموعات وننظف القدس، كل منطقة بالقدس، وكان عددنا لا بأس به، يعني تقريبا وصل 200. 250 شاب وصبية"، وقف الفلسطيني المسن علي مغربي من سكان القدس يراقب الشبان والفتيات أثناء عملهم في ازالة القمامة من الشوارع، وقال مغربي "هذا شيء عمل مشرف جدا والله، ثاني شيء النظافة من الايمان وهؤلاء الشباب متطوعين طبع، نشكر جهودهم والقائمين عليهم بالاعمال الطيبة والنظافة التي يقومون بها للبلد"، كما انضم الشاب كامل اشتيه الى المجموعة في الاونة الاخيرة وتوجه مع مجموعة من الاعضاء الاخرين الى مستشفى المقاصد في القدس الشرقية للتبرع بالدم، وقال اشتيه أثناء وجوده في المستشفى "اليوم ضمن فعاليات لشباب من أجل القدس أقل شيء ممكن نقدمه لشبابنا ولاهلنا أنه نتبرع بالدم، وطبعا طموحنا أكبر من هذ، لكن نعمل ضمن فعاليات بسيطة ممكن ان نقدمها لاهلنا".

وأثنى الدكتور أحمد سلمان الطبيب بمستشفى المقاصد على حملة "شباب من أجل القدس" وذكر أنها تساهم في تزويد بنك الدم بالمستشفى بما يحتاج اليه لاسعاف المصابين وعلاج المرضى، وتنظم المجموعة لاعضائها ايضا جولات داخل القدس القديمة لتعريفهم بتاريج المدينة وثقافتها وتراثه، وشارك الشاب عبادة العلمي في واحدة من تلك الجولات بصحبة مرشد في الاونة الاخيرة. وعلق العلمي على أهمية مثل هذه الزيارات قائلا "احنا الهدف الاساسي للمجموعة أنه احنا ننزل ونعرف الناس بالقدس وأهمية القدس ووضعها بشكل عام من ناحية سياسية ومن ناحية اجتماعية ومن ناحية، بنفس الوقت، من ناحية سياسية وناحية اجتماعية ومن ناحية ديموجرافية، ومنعرف بنفس الوقت نركز على تاريخها الاسلامي المسيحي والتناغم بين الاديان في القدس مؤكدين على فلسطينيتها وعلى عروبته، وهي الجولة سوف تكون بداية لمجموعة جولات ثانية"، ويذكر ان اسرائيل ضمت القدس الشرقية في أعقاب حرب عام 1967 في خطوة لم تلق اعترافا دولي، وأنشئت مجموعة "شباب من أجل القدس" قبل شهرين وتؤكد في صفحتها على الانترنت انها لا تهدف الا لتشجيع الفلسطينيين أبناء الجيل الجديد على المساهمة في تقديم خدمات لمجتمعهم في المدينة.

على الجانب الخطأ من الجدار

بدورها ومن رحم المعاناة تعيش ملك البالغة من العمر 8 سنوات في عامها الأخير في مدرسة النبي صموئيل في القدس الشرقية، ومبنى المدرسة المكون من غرفة واحدة في قرية النبي صموئيل الفلسطينية القريبة من القدس هو بمثابة فصل دراسي لثمانية تلاميذ وحجرة للعاملين ومخزن ومكتب لمدير المدرسة، كما تستخدم هذه الغرفة كملعب للأطفال أثناء أشهر الشتاء أو في أيام الصيف الحارة، وقال خليل أبو عرجه، مدير المدرسة أن "أكبر صعوبة أواجهها هنا هي عدم قدرتي على إضافة أي شيء إلى مبنى المدرسة، كما لا يتوفر لدينا أي مرافق"، وتخدم المدرسة 30 أسرة في القرية الخلابة التي تطل على مناظر بانورامية للقدس والضفة الغربية، ولكن تتمثل المشكلة الرئيسية بالنسبة للسكان في صعوبة الوصول إليها، فهي و15 قرية أخرى تقع على جانب القدس من الجدار الإسرائيلي العازل"، والجدار العازل تحت الإنشاء منذ عام 2002، وتدعي إسرائيل أنه ضروري لحماية مواطنيها من "الإرهاب الفلسطيني"، ولكن لم يتم بناء هذا الجدار في القدس على طول حدود بلدية القدس مما يعني عزل 16 مجتمعاً فلسطينياً عن أسرهم وعن الخدمات الأساسية، وتقع قرية النبي صموئيل داخل المنطقة (ج) حيث تحتفظ إسرائيل بالسلطة العسكرية والسيطرة الكاملة على تصاريح المباني والتخطيط، وتقع مسؤولية تقديم الخدمات على السلطة الفلسطينية ولكن بسبب الجدار لا يمكن للأخيرة الوصول إلى تلك المنطقة، ويحمل معظم أهالي القرية بطاقات هوية الضفة الغربية ولذلك فهم غير معترف بهم من قبل إسرائيل كسكان للقدس، وهذا يعني أنهم ممنوعون من دخول المدينة وأن أي شخص في الضفة الغربية يرغب في زيارة القرية يحتاج إلى تصريح إسرائيلي للمرور من خلال نقاط التفتيش المحيطة بها. بحسب ايرين.

وهناك تحدٍ آخر يواجه أبو عرجه الذي يعيش في مدينة رام الله بالضفة الغربية ويعمل بالمدرسة منذ أربع سنوات، إذ يحتاج الآن إلى تصريح للمرور من خلال نقطة تفتيش الجيب، كما أنه لا يستطيع الوصول في اتجاه القدس لأبعد من نهاية حدود قرية النبي صموئيل، وقال أبو عرجه وهو يشير إلى السور الكهربائي الأسود الذي يمر عبر الوادي، "تم بناء هذا الجدار العام الماضي، وفي الماضي عندما كانت الطريق مفتوحة، كانت المسافة إلى المدرسة تستغرق 20 دقيقة مشياً على الأقدام، أما الآن فتستغرق مني ساعة وأصبحت بحاجة إلى سيارة"، ويعني التخطيط لوضع قيود على المنطقة (ج) أن الإنشاءات الجديدة والتوسع في المباني الموجودة لا يمكن أن ينفذ دون تصريح إسرائيلي، ولم يتم إعطاء تصريح للمدرسة التي يديرها أبو عرجه للقيام ببعض التوسعات، وعوضاً عن ذلك، قام الجيش الإسرائيلي بإصدار أوامر هدم لمرحاض المدرسة الخارجي الصغير وخيمة كانت تستخدم كفصل دراسي إضافي لأنهما شيدا دون تصاريح، وقد قام الجنود الإسرائيليون بزيارة المدرسة أكثر من مرة مؤكدين على ضرورة هدم الإنشاءات غير القانونية، ولكن أبو عرجه لا يزال يتحلى بروح التحدي، حيث قال، "سيأتون ويهدمون الجدار وسأبني شيئاً آخر، أخطط لإحضار حاوية شحن إلى المدرسة العام القادم وتحويلها إلى فصل دراسي"، وقد أجبر عدم توفر مساحة في قرية النبي صموئيل المدرسة على تدريس تلاميذ الصف الأول إلى الثالث فقط، ومن الصف الرابع فما فوق يتوجب على الطلاب السفر إلى المدارس في القرى القريبة كالجيب وبيت إكسا التي يقول مدير المدرسة أنها تبعد أكثر من ساعة بالسيارة بسبب الجدار، يسكن مدير مدرسة النبي صموئيل خليل أبو عرجه في رام الله ويعبر نقطة تفتيش للوصول إلى المدرسة كل يوم، وتتطلع ملك، التي تبلغ من العمر 8 سنوات وهي أحد طلاب أبو عرجه اللامعين، إلى بدء الصف الرابع في مدرسة أكبر في الجيب في شهر أكتوبر القادم، حيث قالت، "أحب مدرستي الآن ولكنها صغيرة جداً ولا يوجد مساحة كافية. سيكون من الأفضل لو كان لدينا حجرات دراسية مختلفة للصفوف المختلفة، الوضع صعب جداً الآن، فعلينا انتظار المدرس حتى يشرح ثلاث مجموعات مختلفة من الدروس".

وداخل حدود القدس الشرقية هناك مجموعة مختلفة من المشكلات التعليمية، فحوالي 50 بالمائة من النظام التعليمي يدار عن طريق البلدية الإسرائيلية بينما يدار بقية النظام التعليمي من قبل كل من وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والمؤسسات التعليمية الخاصة والأوقاف الإسلامية التي تعمل نيابة عن السلطة الفلسطينية في القدس الشرقية التي تسيطر عليها إسرائيل لأن السلطة غير قادرة على العمل على جانب القدس من جدار الفصل الإسرائيلي، وقد حذر تقرير صدر مؤخراً عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من التأثير طويل المدى للقيود المفروضة على الحصول على التعليم في القدس الشرقية، وقال التقرير أن القيود على التصاريح ونقاط التفتيش والجدار كلها أمور تعني أن التلاميذ والمدرسين على وجه الخصوص ممن يحملون بطاقات هوية الضفة الغربية يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المدارس في القدس الشرقية التي يتم فصلها بصورة متزايدة عن بقية أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، وقال راي دولفين، مؤلف التقرير، أن القلق الرئيسي هو نقص الفصول الدراسية "فحتى داخل القدس [بلدية القدس] حيث لا يحتاج الطلاب إلى عبور نقاط التفتيش للوصول إلى المدرسة، لا يوجد ما يكفي من المباني المدرسية لتلبية احتياجاتهم"، وأضاف قائل، "لم يتم تصميم الكثير من المباني الموجودة هناك لاستخدامها كمدارس، للأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الحق في التعليم ولكن لا يوجد حالياً مرافق تعليمية"، وعلى الرغم من العقبات الكبيرة التي تواجه مدرسته، مازال أبو عرجه مليئاً بالحماس، حيث قال، "لست محبطاً أبداً من عملي، فتلاميذي يعملون باجتهاد وهذا يجعلني فخوراً وسعيد، ولكن ما سيحقق لي أكبر الرضا أن أتمكن من تطوير المدرسة بطريقة م، سيكون من المخجل بالنسبة لي أن أستسلم لليأس".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/آيار/2011 - 21/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م