الفاو والمبارك.. من فيهما سيصبح كبيراً!!

زاهر الزبيدي

وأشتعل فتيل أزمة جديدة بين العراق قبل أن تنطفئ فتائل الأزمات السابقة.. فاليوم كان الميناءان المتجاوران اللذان تزمع كل من الدولتين الجارتين بناءهما بصورة متقاربة لا تفصل بينهما أكثر من ألف متر سببا لذلك... فالعراق يتهم الكويت بخنقه بحرياً وغلق الثغر الوحيد له على الخليج العربي.. والكويت تقول انها تستخدم حقها المشروع في بناء ما تريد بناءه على أراضيها وما فيه مصلحة اقتصادها وبالتالي شعبها..

فميناء الفاو الكبير بدأ "التخطيط" له منذ عام 2005 أبان حكومة السيد الجعفري وتم وضع حجر الأساس له في نيسان 2010 بعد التعاقد مع مجموعة الشركات الإيطالية لدراسة المشروع والبدء في التنفيذ.. أما ميناء مبارك الكبير المكون من 60 مرسى للسفن على اختلاف حمولاتها فقد بدء العمل الفعلي بالمراحل الأولى، من قبل شركة كورية، في عام 2007 وانتهت في نيسان 2010 أعمال تلك المرحلة والتي تمثل 50% من المشروع ووضع حجر الأساس لأعمال الجزء الثاني في نيسان 2011.

والميناءان كلاهما كبيران حيث تبلغ الطاقة الاستيعابية لميناء الفاو 99 مليون طن سنوياً وهو ما يعادل أربعة أضعاف كل موانئه القديمة أما ميناء المبارك فتأمل الكويت منه أن يصبح "خطوة مهمة في العودة مرة أخرى إلى إحياء طريق الحرير من خلال بوابة الكويت من شمال الخليج ". حيث تأمل أيضاً في الاستفادة من العراق في مد خطوط سكك حديدية يتم النقل الى أوربا.. أو في حالة رفض العراق ذلك يتم الاتفاق على مدة خطوط سكك الحديد عن طريق الأردن وسوريا والتي أعتقد أنهما سوف لن تمانعا في ذلك لكونه سوف يضيف لهما امكانية اقتصادية كبيرة.

فهل من المفترض أن لا يقف العراق في طريق الحرير الكويتي ؟ على الرغم من أن الكويت التي تمتلك موانئ كثيرة أخرى وبسعات مختلفة كالشويخ، الشعيبة، الجليعة والأحمدي وإذا كان هذا الميناء الكويتي يعرقل العمل حتى بموانئ العراق السابقة كأم قصر وخور الزبير فهل من حل يضمن عدم تأثر الموانئ العراقية القديمة، على اقل تقدير، ؟

الوضع السياسي العام مع الكويت لا يحتمل مفاجأة أخرى كالتي حصلت معهم سابقاً.. حينما أظهرت الصحف العراقية الصادرة في يوم 22-5 أن التيار الصدري يلمح الى تصرف ضد ميناء مبارك سيفاجئ الجميع.. ونحن جميعاً في العراق لا نحتمل التصرفات المفاجئة التي تنتج عنها تعقيدات أخرى تضاف الى سلسلة معقدة من المشاكل التي بدأت مع دخول العراق محتلاً الى الكويت في 1990.. والأمل يحدونا أن يكون تصرف الحكومة العراقية والبرلمان العراقي بأقصى درجات الدبلوماسية والحكمة والحذر من تلك التصريحات التي تنطلق مفرقعة في سماء العلاقات بين الدولتين مهيئةً الأجواء الى مستقبل يشوبه الكثير من الغموض.

يجب أن يوقف البلدان كل شيء ويجلسا على طاولة حوار واسعة تضم خبراء من كلا الجانبين وتحكيم دولي واضح.. واعتقد أن الحل الأمثل لذلك أن يتعاون البلدان في مجال النقل البحري وفق تصور عام للحق المشروع لكل منهم..

فالآن كل يوم يمر يصعّب الحل الدبلوماسي ويدخل في طائلة الخسائر المادية الكبيرة لكون الكويت مستمرة بالعمل وقد أنفقت الكثير في حين أن العراق لازال ينظر الى طريق الحرير الكويتي بحسرة ويندب حضه على ستة سنوات مرت تحفها المشاكل من كل صوب ولو كان الميناء قد أنشيء لكانت موارده الآن قد أينعت وحان قطافها ولكنها الحكومات العراقية المتعاقبة التي ترهقنا دائماً في الانتظار لتجعلنا نتخبط في مشاريعنا وخططنا التنموية في حين أن مشروع المبارك الكويتي هو واحد من حزمة مشاريع تتكون من 885 مشروعاً تنموياً واستثماريا رؤوس أموال طائلة تأمل الكويت تحقيقها خلال السنين القادمة لتحقق طفرات اقتصادية كبيرة ومهمة.

فلنحاسب أنفسنا أولاً أيها السادة.. سنة كاملة طارت وتلاشت من عمر العراق لتشكيل الحكومة الجديدة ولازالت غير مكتملة وعندما خرجت تلك الحكومة بدأ الصراع الحقيقي لتسقيطها بعدما كان الصراع الأول في كيفية التقاسم والولوج الى مغارة علي بابا.. واستمرت الحرب الخفية بين الكتل السياسية الداخلة في الحكومة.. والكويت تخطط وتبني وتعمر وتنشئ وتوسع مطاراتها.. وكأنها تدق نعشاً لموت الساحل العراقي.. ثم أن الحل العسكري مستبعد تماماً أو انه ملغي ومرفوع من القائمة لكوننا لن نقاتل بعد اليوم وعلى افتراض اننا سنرفع دعوى أمام مجلس الأمن الدولي فهل سنكسبها والكويت لم تتجاوز على الحدود العراقية وتبني ميناءاً في أراضيها.

 العالم لا يفهم معنى للحقد الذي نفسره ويفسره الكثير ممن كتبوا في الموضوع.. حسناً أنت ايضاً كن حاقداً وأستخدم كل إمكانيات حقدك في استثمار أرضك ومائك لخدمة شعبك وأنت غير قادر على أن تعبد شارع أو تنهي جسر صغيراً، ناهيك عن التخصيصات المالية للمشروع التي أخذت فترة طويلة لحين الاتفاق عليها وعلى التمويل.

وثلاث سنوات على اقل تقدير قضاها رئيس الحكومة في القتال وتطهير المحافظات العراقية من العصابات الإرهابية على اختلافها.. والبصرة، موقع ميناء الفاو، شهدت فترات عصيبة خلال السنوات الماضية ولا اعتقد أنها كانت تتقبل عمل استثماري كبير مثل بناء الميناء. واستمرار العمليات الإرهابية وعدم تمكن العراق من الحصول على استقراره الأمني والتمتع بالبناء المؤسساتي إلا في الفترة الأخيرة والتي نرى انها لا زالت حرجة تجاه حكومة السيد المالكي التي تجابه ضغوطات سياسية وشعبية كبيرة.

فما الضير في أن تبني الكويت الميناء ويقوم العراق ببناء خط" القناة الجافة" ويتحمل المسؤولية كاملة في تأمين المواد الصاعدة الى أوربا.. وما الضير أن يتشارك الطرفان في الاستفادة من المشروعين وفق آلية تعتمد بين الجانبين يكفل لكل منهما حق الاستفادة القصوى مما حباه الله لهما.. فالكويت لديها الآن ساحل بطول 500 كم.. ولكنها تقع وسط مجموعة من الدول العربية الخليجية وهي اقرب منهم جميعاً لتركيا وإيران وأوربا عن طريق العراق.. كذلك فلو تحملت الكويت جزءاً من بناء خط النقل الجاف وأمور أخرى كثيرة يمكن أن يتفق عليها الطرفان دون أن تمس سيادة كل مهما.

وأخيراً عسى أن قلوبنا اكبر موانئنا وأن نتعلم كيف نتحدث مع العالم الذي ما فتئت لغته تتغير يوماً بعد يوم ونحن غير قادرين على أن نغير لغتنا التي تعلمناها منذ الأزل لغة التهديد والوعيد.. أننا امة واعية مدركة لديها عقول نيرة قادرة على أن تتجاوز محنها الكبيرة.. بلا خسائر أو حتى بأقلها وقد يغطينا حريرها.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 24/آيار/2011 - 20/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م